بلدي نيوز - تركي مصطفى
رفع المتظاهرون في محافظة السويداء منذ اندلاع الاحتجاجات في منتصف شهر أغسطس/آب شعارات "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، "ثورتنا مش ثورة جوع ثورتنا ضد الركوع" و"سورية ثوري ثوري هزي القصر الجمهوري" و"حرية للأبد غصباً عنك يا أسد"، هذه الشعارات التي يعرفها السوريون جيدا لطالما صدحت حناجرهم بها في ساحات التظاهر، كما طالب المتظاهرون بشكل علني بإخراج قوى الاحتلالين الإيراني والروسي.
اليوم، تواجه "السويداء" أزمات متراكمة تفاقمت إلى الحد الذي قد يدفعها، لأن تغدو مجددة لروح "الثورة السورية" في عامها الأول. فمن أسئلة اللحظة التي يثيرها متابعو الحراك الثوري في السويداء: لماذا أُغرقَت المحافظة، في لجة من الانكماش السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتصاعد على مدى سني حكم آل الأسد"؟.
تبرز أهم أسباب "الانكماش" في السويداء بسياسة الأسد المركزة على المحافظة، وهي سياسة جرى إعدادها وتوفير أدواتها منذ العام 1966م، لإنتاج واقع جديد في تلك المناطق، وانصب تركيزها على المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك على نحو ما اتبع من أساليب طائفية للتخلص من (سليم حاطوم) آخر الرموز العسكرية الدرزية المناهضة للأسد الأب في بنية نظام البعث، والذي مثّل عامل قلق للأسد بعينه، لتطوى شوكة الطائفة الدرزية مع التصفيات اللاحقة التي شملت غالبية كبار الضباط الدروز (فهد الشاعر وحمد عبيد)، وكذلك الشخصيات السياسية الدرزية كـ"حمود الشوفي ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي". في عملية وصفها النظام ذاته بأنها "قطع رؤوس" الوطنيين الدروز ومحاولة إلحاق من تبقى بركاب العصبة الأسدية لتوظيفهم ضد السوريين إلى أجل غير مسمى، وهي لعبة الأسد في دغدغة عواطف الطوائف ولأهداف مرحلية تنتهي مثلما يحلم الأسد، في الوقت الذي حرم الأسد الأب الدروز من إحياء ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش الذي رفع شعار "الدين لله والوطن للجميع".
المظاهرات ليست جديدة في السويداء، فمنذ عام 2011 تكرر خروج المحتجين إلى الشوارع، وزادت في العام 2015 بعد مقتل الشيخ وحيد البلعوس، وكذلك الأمر في عام 2017 و2018 والأعوام التالية وصولًا إلى مظاهرات اليوم. يدفعها القلق من استفراد "عصابة" بالسلطة والثروة، والخوف من قتل وتجويع المجتمع السوري، وما إلى ذلك من التوجسات التي تزيد من عمق الاحتجاجات واتساعها.
وتعد المظاهرات التي تكتظ بها ساحات السويداء، امتدادا لاثنتي عشرة سنة من عمر الثورة، في ظروف يكاد النظام يتداعى بما يحمل من عوامل ضعف داخلية متراكمة وعوامل خارجية من أبرزها: الانهيار الاقتصادي. فعاد المحتجون للنشاط مرة أخرى، وبدا هذا الحراك أقوى من أي وقت مضى، فاستمرار المظاهرات والتفاعل الواسع معها، وامتدادها إلى مدن أخرى يسيطر عليها نظام الأسد، يطرح سؤالا: ما مدى قدرة المتظاهرين على الاستمرار، وكذلك قدرتهم على مواجهة أجهزة الأمن المستعدة لقمعهم؟ ربما يقودنا هذا المشهد إلى مشهد مظاهرات الأعوام السابقة، لتبدو الصورة مختلفة، فبعد أن اندفع المحتجون اليوم إلى ساحات التظاهر، رفعوا شعارات كبيرة دفعة واحدة وعلى رأسها "الإطاحة برأس النظام"، ولم يعد الحراك وقفا على السويداء وحدها، فهناك مدن وبلدات سورية أثبتت قدرتها على الندية والمواجهة رغم كل الظروف من خلال ما أبدته من بسالة خلال الحرب المستمرة، وقد برهن على ذلك مظاهرات درعا، ودير الزور، وإدلب، وحلب، واقترن ذلك التواصل بين المتظاهرين إلى تبادل التحيات.
شخصية درزية جديدة دخلت على خط الاحتجاج وهو الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لدروز سوريا، وفي أقوى موقف له ضدّ بشار الأسد، يقول أمام الحشود الشعبية: "ثروات البلاد ملك للشعب السوري، ولم نفوّض أحداً ليبيعها أو ليوقع عقوداً من وراء ظهرنا... سواء عن طريق الحكومة أو عن طريق سواها. هناك دول دخلت ووقَّعت عقوداً اشترت يموجبها ثروات هذا الشعب. لكن الشعب لم يفوّض أحداً ليبيع ثرواته".
في ظل هذا التوافق بين مكونات المجتمع السوري، يحاول نظام الأسد استغلال هذا "الزخم" الثوري استغلالًا سافرًا، للنيل من أهل السويداء، وقد برهن على ذلك ما شهده الريف الشرقي، عبر عملية تسلل تنظيم داعش الذي ارتكب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 250 شخصاً، بضوء أخضر من قوات الأسد وتحت مرآها.
وبحسب المصادر، فإن النظام يفشل اليوم في زرع الفتنة بين أهالي السويداء، حيث كان يعمد سابقا، إلى إخراج مسيرات مؤيدة له في المدينة. وفي محور آخر، فشلت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد في محاولة تشويه مجتمع السويداء، من خلال دمغهم بالطائفية، وبالتالي تشويه المظاهرات، ليقع الجميع في مصيدة النظام ويتصدر مواجهة ما يسمى "الحرب الأهلية" وفق أجنداته.
تركي مصطفى