Foreign Policy - ترجمة بلدي نيوز
إن محادثات السلام السورية التي كانت من المفترض أن تبدأ يوم الأحد الماضي 25 كانون الثاني، ثم أجلت ليوم الجمعة، قد لا تتم هذا الأسبوع، فحتى إن قبل النظام السوري بقرار الأمم المتحدة الذي يتطلب وضع حد لحصار الجوع الذي تفرضه قوات الأسد والذي تطالب به المعارضة السورية كشرط مسبق للانضمام للمحادثات، من المرجح أن تستمر الحرب رغم ذلك وتولد المزيد من القتلى واللاجئين أكثر من أي وقت مضى، فالمحادثات ليس لديها عملياً أي فرصة لإتمام اتفاق السلام.
والخبر السار لإدارة الرئيس باراك أوباما هو أن المحادثات قد لا تنتهي على الإطلاق، فمبعوث الأمم المتحدة، السيد دي ميستورا مكلف بإحضار الأطراف المعنية إلى الفندق ذاته في جنيف إن لم يكن لنفس الغرفة، وقد قال أنه يتوقع أن يعمل كمكوك بين الطرفين لمدة ستة أشهر من عملية المحادثات.
والعملية على ما يبدو، قد تستمر أطول من أي تكهنات بالفشل، كما هو الحال مع عملية السلام "المتوقفة" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهكذا ستتمكن إدارة أوباما بالتمسك بآخر طوف من الدبلوماسية على الأقل حتى تغرقه طوفان الحرب ويختفي هذا اللوح تماماً.
أعلم أن السخرية من هذا الموضوع قد يبدو تصرفاً رخيصاً، لكن لا حلول في المستقبل القريب لهذه الأزمة، وبالتأكيد لا يتضمن ذلك قصف تنظيم الدولة الإسلامية، وهو الحل الذي يفضله حاكم تكساس " تيد كروز" ، فيما تصر الإدارة الأمريكية بأن الدبلوماسية هي الطريقة الوحيدة لإيقاف نزف الدماء في سورية، وأن إنهاء الحرب السورية لا غنى عنه لتحقيق هدف القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن "عملية جنيف" ليست أكثر احتمالاً للنجاح اليوم عما كانت عليه آخر مرة في عام 2014، ولا يبدو ان النظام السوري وروسيا وإيران مضطرين لقبول أي عرض من المعارضة السورية.
إذاً فما هي الخطة (ب) إن لم تنجح محدثات السلام؟ الحقيقة ليس هناك خطة بديلة!
في العام الماضي، عبر دي مستورا عن أمله في تنفيذ وقف لإطلاق للنار من الألف إلى الياء عن طريق التفاوض لتحقيق سلسلة من الهدنات المحلية، ولكن تعثرت الجهود الدبلوماسية، فبفضل الدعم الجوي الروسي للنظام، لم يعد لديه الحافز للموافقة على أي وقف لإطلاق النار، وبات قادراً على استرجاع الاراضي من الثوار السوريين، وهذا يفسر لما يستعد دي ميستورا لجولة مكوكية بين الطرفين ولمدة طويلة، فما الخيار الآخر الذي لديه؟
بل يمكن القول أننا عدنا إلى حيث كنا في عام 2013 ، عندما قال وزير الخارجية الأمريكي أن الأسد سوف يأتي إلى طاولة المفاوضات إذا تغير "معادلة الحرب بالنسبة إليه" لأنه شعر حينها أن الأسد كان يخسر المعركة، ولكن الحرب السورية كانت آنذاك مجرد كارثة إنسانية لم تلقى اهتماماً عالمياً حينها، لأن ذلك كان قبل نشوء تنظيم الدولة، حيث لم تشكل البراميل المتفجرة التي يلقيها الأسد على شعبه أي تهديد للأمن القومي الأمريكي، ولكن الآن أهداف التنظيم في إقامة خلافة عالمية إسلامية هو ما يهدد الأمن القومي الامريكي بالفعل، ولذلك أوباما تدخل أخيراً في سورية لقصف الجهاديين المتعصبين وأبو بكر البغدادي، ولكن ليس الأسد.
ولأن وقف إطلاق النار في سوريا من شأنه على الأقل من الناحية النظرية، توحيد الجهود لمكافحة تنظيم الدولة، لذلك لدى الإدارة الأمريكية دافع قوي للضغط على الثوار والمعارضة السورية لقبول أفضل عرض يقدمه الأسد، مهما كان ذلك صعباً، ويصر المسؤولون الأمريكيون أنهم سيقومون بفعل شيء من هذا القبيل، فكيري وغيره من المسؤولين قد كرروا بحزم بأن الأسد يجب أن يرحل، حتى لو كان ذلك في نهاية العملية الانتقالية، وقد وقعت بعض الجهات الفاعلة الرئيسية في المنطقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، على هذا الاقتراح، وقد قاوم الآخرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وتركيا، ولكنهم قد يوافقون على ذلك فيما بعد، وربما لا يهم موافقتهم على ذلك، فالأسد لن يقبل هذه الصيغة، ولا توجد حالياً أي مؤشرات على أن إيران أو روسيا ستجبرانه على القيام بذلك.
عند هذه النقطة، فإن إدارة أوباما في نهاية ولايته، سوف تضطر إلى الاختيار بين الالتزام الساخر بعملية دبلوماسية تؤدي لطريق مسدود، ومساعدة الثوار في نهاية المطاف على تغيير معادلة الحرب على أرض المعركة، في الوقت الذي يتلقى الأسد دعماً اكبر مما كان عليه خلال الجولتين الأخيرتين من المفاوضات، في عام 2012 و 2014.
و رغم أن الوضع ساخر وقاسي –إلا أنه واقعي جداً- ربما حان الوقت لإخبار الثوار بأن عليهم أن يبقلوا بهزيمة مخفية المرارة، ولكن هذا سيكون خطأ، وليس فقط من الناحية الاخلاقية، بل لأنه بات من الواضح أن هزيمة التنظيم لا يمكن تحقيقها من دون مساعدة برية من الثوار السوريين، وليس من خلال القصف وحده .
ولكن: "ألا يقوم الروس بقصف الثوار المعتدلين؟"، يقول جان بيير فيلي، دبلوماسي فرنسي: "هذه هي المشكلة، ينبغي على واشنطن أن لا تقوم فقط بحملة قصف ضد تنظيم الدولة بل عليها أن تجبر وتصر على روسيا أن تترك الثوار السوريون ولا تقصفهم" .
وعند سؤال أربعة خبراء عن مقترح فيلي، قال بعضهم "لا أعرف إن كان ذلك ممكناً "أما الباحث السوري بمعهد "دلما" " حسن حسن، وهو مؤلف لكتاب "داعش: داخل جيش الإرهاب" فقد قال أن الثوار مستعدون و قادرون على القضاء على التنظيم ، كما أن تشارلز ليستر، مؤلف كتاب الجهاد السوري، قد قال أنه يعتقد ان فيلي على حق تماماً، بأن الطريقة الوحيدة للقضاء على التنظيم نهائياً في مدن مثل الرقة ممكن أن تتم عن طريق الثوار السوريين، ولكن مع ذلك لا يمكن لمعارضة مشتتة تعاني من الهجمات التي يشنها نظام الأسد والقاذفات الروسية بأن تقوم بذلك بالوقت الحالي.
وربما هناك سبيل آخر أفضل، فإن كان صحيحاً أن الثوار السوريون ليسوا عائقاً للحرب ضد التنظيم وإنما هم حليف محتمل قوي، فعلينا أن نعاملهم بهذه الطريقة.
و في وجه محادثات وشيكة، إن أثبتوا أنهم أكثر تنظيماً وتماسكاً مما كانوا عليه في الماضي، وتكاتفوا معاً لتشكيل هيئة عليا للمفاوضات، سيكون من الرائع أن يجتمع الكل في جنيف ويتفقوا على الصالح العام للبلاد، ولكن في حال لم يحدث ذلك، فإننا بالتأكيد بحاجة إلى خطة بديلة.