Foreign Policy – ترجمة بلدي نيوز
عندما بدأت المفاوضات لإنهاء الصراع الدموي في سورية في يوم الجمعة 29 كانون الثاني، وفي الجولة الأولى للمحادثات منذ عامين والتي ترعاها الولايات المتحدة، كان هناك طرف غائب عن المحادثات.
ففي حين تجمع الدبلوماسيين وممثلي نظام الأسد في جنيف، رفضت الهيئة العليا (HNC)، ومجموعة مظلة المعارضة الرئيسية، حضور الاجتماعات ما لم تتوقف روسيا والنظام عن الغارات الجوية وحصار المدن، وهي ظروف لم تتحقق، ورغم سفر الهيئة لجنيف خلال عطلة نهاية الأسبوع ولكن حالة المحادثات لا تزال غير مؤكدة.
ومع ذلك، فإن إدارة أوباما ما زالت ثابتة على موقفها بأن محادثات جنيف ستمضي قدماً، معربة عن تفاؤل حذر في الأشهر التي سبقت الاجتماع، ووصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المحادثات باعتبارها أفضل فرصة "لرسم مسار للخروج من الجحيم".
ولكن النجاح في جنيف غير وارد، وذلك ليس بسبب تعنت المعارضة، بل لأن إدارة أوباما نفسها قد زادت من احتمالات الفشل بالانصياع إلى موقف روسيا بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد وقبول أن يكون له دور في عملية الانتقال السياسي في المستقبل الأمر الذي قوض أي احتمال لنجاح المحادثات، وأدى إلى تضرر مصداقية الولايات المتحدة مع المعارضة، وكذلك إلى تآكل نفوذ أميركا في الشرق الأوسط.
هذا التحول في سياسة الولايات المتحدة قد جعل من المؤكد أن حل الأزمة عن طريق التفاوض غير ممكن، وبدل من ذلك هذه السياسة حفزت على التصعيد المستمر للصراع السوري.
هذا ولم يفت بعد الأوان بالنسبة لإدارة أوباما لأن تعدل مسارها، ولكن احتمالات أنها سوف تفعل ذلك هو ضئيل جداً، فقد اندفع اوباما للدفاع عن صحة منهجه لإنهاء الحرب الوحشية التي ضربت سوريا منذ ما يقرب من خمس سنوات، وزعزعت استقرار الشرق الأوسط، وأدت لموجات لجوء ضخمة إلى أوروبا، ومع ذلك كان الرئيس الأمريكي مصمم على أنه اتخذ التدابير اللازمة "لاحتواء النزاع".
ولكن لا يوجد دليل واحد على أن أي جانب من جوانب الأزمة قد تم احتواءه، بل إن اوباما قد تجاهل باستمرار الانتقادات التي وصفته بأنه لم يكن حازماً بما فيه الكفاية، وقد وصف هذه الدعوات بأنها "هراء".
وإن سلمنا لمزاعم الرئيس الأمريكي بأنه أخذ العملية السياسية على محمل الجد، فسنرى أن القضية المحورية قد تغيرت بقيادة كيري، لتتماشى مع ما تريده روسيا في رفض تغيير النظام وهو هدف الإدارة الأمريكية الذي كانت تنادي به في السابق؟ كما شهدنا التقلب المفاجئ للإدارة في قبول احتمال أن الأسد، والذي هو متواطئ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتجويع المدنيين المحاصرين حالياً في مضايا، قد يبقى في السلطة في سوريا إلى أجل غير مسمى!
هذه التنازلات لروسيا تنتهك جوهر مبدأ أوباما "لا تفعل أشياء غبية"، وعلاوة على ذلك، فإنها تعكس فشل الإدارة نفسها في التفكير في ما سيحدث بعد ذلك، أو كيف أن التحولات في سياسة الولايات المتحدة ستساعدها على تحقيق أهدافها.
ولكن هل فكر البيت الأبيض في قراره ملياً؟ على سبيل المثال كيف سيستجيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتغيرات في الموقف الأميركي حول مصير الأسد؟ على ما يبدو أن الجواب هو لا، فبعد أقل من 24 ساعة من موافقة مجلس الأمن الدولي على خطة انتقالية سورية مصممة خصيصاً لتلبية متطلبات روسيا، أعرب بوتين عن استعداد روسيا لنشر قدرات عسكرية متطورة في سورية، "إذا لزم الأمر" لضمان بقاء الأسد.
وعلى الرغم من الإدانة العالمية، لا زالت قوات بوتين تستهدف جماعات المعارضة في سورية، التي تأمل الولايات المتحدة أن تجلبهم الى طاولة المفاوضات في جنيف، كما أسفر الضربات الروسية عن مقتل المئات من المدنيين.
وهل قام البيت الأبيض بتقييم قرار مجلس الأمن الذي دعا السوريين إلى إجراء انتخابات تحت إشراف دولي في 18 شهر فقط، استناداً إلى الدستور الذي لم يتم التفاوض بشأنه، من قبل هيئة لم يتم تشكيلها بعد؟ فانتخابات ما بعد الصراع هي عمل محفوف بالمخاطر، و بعد خمس سنوات من الدمار، ونصف سكان سورية مشردين أو نازحين، لم تبدأ حتى الآن أي من الأعمال التحضيرية للانتخابات، إذاً ما المنطق الغامض الذي أقنع الولايات المتحدة للموافقة على التسرع في الانتخابات في ظل ظروف هي عرضة للاشتعال بالعنف أكثر من أن تكون جاهزة لإعادة الإعمار في المجتمع السوري؟
وهل فكر البيت الأبيض كيف سيكون وقع تغيير قراره الذي من شأنه أن يؤثر على عملية الرياض -حين قامت المملكة العربية السعودية- بجهد لتوحيد المعارضة السورية حول رؤية مشتركة لمستقبل البلاد؟
وجاء إعلان كيري بحدوث تغير في السياسة أيام فقط بعد أن أصدر التجمع التمثيلي لفصائل المعارضة السورية في الرياض مبادئ لعملية الانتقال في سوريا، والتي عالجت العديد من المخاوف الروسية، ولكن أكدت أيضاً على الرأي القائل بأن السلام في سوريا غير ممكن إذا بقي الأسد في الرئاسة.
ودون تحقيق مكاسب واضحة، ضحت الولايات المتحدة بالضغط الذي قامت به عملية الرياض حول مسألة مصير الأسد، وبدلاً من ذلك، أعطى البيت الأبيض حوافز جديدة للسعوديين لمواجهة التصعيد الروسي في سورية، وأسباباً للهيئة العليا للمعارضة السورية لكي تقاطع افتتاح المحادثات، بل أن كيري اتخذ لهجة التحدي لما سيحدث.
وفي تفسير التحول في سياسة الإدارة الأمريكية، أعرب كيري عن قناعته بأن المفاوضات سوف تتمخض عن نتائج تلبي احتياجات المعارضة، من خلال استرضاء روسيا، وقال أنه يعتقد، أنه سيتم الاستفادة من نفوذ موسكو على نظام الأسد، وبأنها في نهاية العملية الدبلوماسية ستفرض على الأسد التغيير الذي لطالما رفضه.
للأسف، كل هذه الافتراضات خاطئة، فقرار روسيا لنشر قواتها الجوية لدعم العمليات البرية يهدف للحفاظ على نظام الأسد، كما لم نرى حتى الآن أي علامات ملموسة على أن موسكو ستضغط لإجبار الأسد على قبول انتقال هادف.
كل ذلك يخلق الشكوك بموقف الولايات المتحدة حول مصير الأسد، وبأن كل من النظام السوري وروسيا سوف يستغلان هذا التغيير في الموقف، لخلق حالة من عدم اليقين والثقة بموقف الولايات المتحدة، وإدامة الغموض لن ينهي الصراع في سوريا، ناهيك عن إنتاج سلام مستدام.
يجب على البيت الأبيض توضيح التزامه باستراتيجية شاملة تعالج كل من تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد، وينبغي أن يصر على أن محور محادثات جنيف هو التحول السياسي، ودعم تدابير بناء الثقة بين النظام والمعارضة، بما في ذلك وضع حد لحصار التجويع على مضايا وغيرها من المدن السورية، ومنع استخدام البراميل المتفجرة.
إن الدعم الروسي لإنهاء الحصار سيكون الاختبار الحقيقي لنفوذها والتزامها بالتفاوض بشأن سورية، ويتعين على البيت الأبيض الرفض الواضح لمزاعم نظام الأسد الحمقاء التي تدعي أن الانتقال السياسي غير ممكن حتى يتم القضاء على الارهاب.
مطلوب من الولايات المتحدة إعادة تأكيد وجهة نظرها بأن الأسد غير شرعي ورفض الجهود الرامية إلى تخفيف شروط جنيف، البيان الذي وافقت عليه الأمم المتحدة في حزيران 2012، والقضاء على أي غموض حول ضرورة إزالة الأسد من السلطة في مرحلة ما من عملية الانتقال، ويجب على إدارة أوباما أيضاً أن توضح أن تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 لا يمكن أن يقوض بيان جنيف الأول.
وبعد ما يقرب من خمس سنوات من البؤس، يستحق السوريين سياسةً أفضل من البيت الأبيض، فالعملية السياسية الآن تقوم على الامتيازات على حساب الجوهر، و إذا كانت هذه المحادثات هي الطريق للخروج من الجحيم، فعلى الولايات المتحدة التأكد من الالتزام بمسار لا يؤدي إلى إدامة الصراع في سوريا.