بلدي نيوز - (تركي المصطفى)
تحولت المهمة المعلنة لروسيا من ضامن لاتفاق درعا 2018 إلى طرف داعم لنظام الأسد وإيران أمام ما يجري في مدينة درعا من تجاذبات حول اتفاقات وهدن جرت قبل أيام قليلة، ما إن تدخل حيز التنفيذ حتى يتم نقضها من الروس وبتحريض مباشر من قبل الإيرانيين.
وقال "عدنان المسالمة" الناطق الرسمي باسم لجنة المفاوضات، إن "المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود في درعا البلد"، متهما إيران بإفشال الاتفاق الذي رعته روسيا قبل يومين لوقف التصعيد والحصار في أحياء درعا البلد.
حملة شرسة
ومنذ نهاية شهر يونيو/ حزيران الفائت، وقوات الأسد بالاشتراك مع ميليشيات إيران والمسنودة من قبل الروس تحاصر درعا البلد، مهددة كل حين باللجوء إلى الحسم العسكري كخيار أوحد ضد أهالي درعا، وبالفعل استخدمت القوة العسكرية المفرطة كتحضير لعملية عسكرية كبيرة، الهدف منها إخضاع درعا لنظام الأسد و محاليفه بذريعة تسليم المعارضين لأسلحتهم، مقابل انسحاب الميليشيات الموالية للنظام من المنطقة، لكن لجنة المفاوضين رفضت، ليبدأ حصار أحياء درعا. وبعد شهر، توصلت الأطراف إلى حل توافقي، يقضي بتوقف الميليشيات الإيرانية ومعها الفرقة الرابعة لقوات نظام الأسد عن القصف المستمر للمدينة. وسبق ذلك إجلاء المقاتلين وعائلاتهم إلى مناطق درع الفرات في الشمال السوري.
عادت المفاوضات للتعثر من جديد نتيجة مماطلة إيران ونظام الأسد في تطبيق الاتفاق الأخير ليعلن "المسالمة" فشل المفاوضات.
من هنا يمكن إبراز أهم المحركات الدافعة لنظام الأسد وميليشيات إيران وبغطاء روسي لإخضاع درعا ونسف أية محاولات توافقية لحل مشكلتها، والتي يقف في مقدمتها موقع الجنوب السوري ودوره في استراتيجيات أطراف الصراع المحلي والإقليمي والدولي، لما يتمتع به من ميزات وخصائص جيوبولوتيكية كثيرة، مكنته من أن يكون أخطر محاور الصراع السوري، وملتقى أهم نقاط التحكم الاستراتيجي، كونه الشريط المحاذي لـ "إسرائيل"، والمتصل بجنوب لبنان الذي تسيطر عليه ميليشيا "حزب الله" من جهة، وبوابة تدفق القوة العسكرية الفارسية باتجاه الأردن ومن ثم الخليج العربي من جهة أخرى، وقد مكنته تلك الميزات من الارتباط العضوي والمصيري، عسكريا وسياسيا، بعملية التطويق التدريجي الآمن لـ "إسرائيل" بحزام فارسي ذي ثوب شيعي، وهذا ما جعله موضع تنافس وصراعات معقدة بين مختلف قوى الاحتلال والتسلط الإقليمي والدولي، مما يوفّر للقوى "الشيعية" إمكانية التحكم والسيطرة في إطار التخادم الإيراني – الإسرائيلي. لذلك نجد دولة مثل إيران تندفع إلى هذه المنطقة بشراهة واضحة، في سبيل النفاذ إلى الأردن على طريق تنفيذ أوسع لخريطة الهلال الفارسي الذي سيتجسد عمليا في تهجير العدد الأكبر من أهالي درعا.
وبناء عليه، يمكن قراءة فشل التوصل لاتفاق حل مشكلة درعا، انطلاقا من استمرارية مطالبة الأهالي إخراج الميليشيات الإيرانية من مناطقهم وفق الاتفاق المبرم مع روسيا عام 2018، فيما تعمل إيران ومعها نظام الأسد على تشويه المناوئين لهما، بدمغهم بالقاعدية والداعشية والتكفيرية، وكذلك، رغبة إيران ونظام الأسد وبدعم روسي في الانتقام من أهالي درعا بعد مقاطعتهم انتخابات الأسد في أيار/مايو الماضي. والأهم، محاولة طهران وفق أجندات ومنافع مشتركة مدّ الجسور بينها وبين "تل أبيب"، على طريق تبريد النزاع القائم كما فعلت في جنوب لبنان من خلال اتفاقية الخط الأزرق، التي أنهت الصراع من جهة مليشيا "حزب الله" منذ العام 2006م، والعمل على إخماده نهائيا بعد التوصل إلى صيغة تخدم المخططات الإسرائيلية، والأحلام الصفوية الإيرانية التي هي التحقيق السياسي للوجه الديني المشترك بين التلمودية والخمينية، ليصبح النزاع بين "طهران وتل أبيب" كأنّه نزاع حدود بين دولتين متجاورتين، لا نزاع قوى استيطانية على أرض اقتلع منها أصحابها بالحروب والتحالفات بينهما على مدى عقود ولا يزال.
وعلى الرغم من فشل التوصل إلى حلول توافقية فإن الروس سيضطرون للعودة لاتفاق 2018 إنْ توفرت لدى قيادة المعارضة السياسية والعسكرية في درعا، الإرادة والتصميم على القتال بعناد ونفس طويل، أو المطالبة بتهجير جماعي للسكان، أو تدخل قوى عربية كالأردن لمواجهة التغلغل الإيراني على حدودها الشمالية. وإلا، فإننا أمام كارثة تاريخية جديدة، نتائجها أدهى وأمرّ وأبعد أثرا في تاريخ الأمّة والأجيال المقبلة، من خلال الحلف الإسرائيلي الإيراني الذي يشهد تحوّلات مثيرة في منطقة أكثر إثارة.