atlanticcouncil – ترجمة بلدي نيوز
كان 1 حزيران من هذا العام، الموعد النهائي المحدد لنظام الأسد في سوريا لرفع العقبات أمام إيصال المساعدات الغذائية والطبية الطارئة للأمم المتحدة لأولئك المدنيين السوريين المحاصرين، ولكن ولت تلك المحاولات اليائسة ولمرة أخرى دول تحقيق ذلك، إذ لم تتحقق حتى وعود إسقاط المساعدات من الجو للتحايل على الحصار الأرضي النظام، في حين أن التفجيرات الروسية على الأحياء السكنية السورية دعما لنظام الأسد في تطويق ومحاصرة محافظة حلب تجري على قدم وساق دون هوادة، ولا يتجاوز رد فعل واشنطن حتى الآن سوى إطلاق بعض العيارات البلاغية في الهواء، والإلحاح على العناصر الشيطانية الثلاثة (النظام السوري، إيران ، وروسيا) بأن ترقى إلى مستوى التزاماتها تجاه الأزمة السورية .
واشنطن تطالب بأن يقوم الموقعون على البيان الأخير الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG) ونظام الأسد بالتمسك بالتزاماتهم للحد من العنف وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وهذا البيان يشير إلى إعاقة نظام الأسد لوصول هذه المساعدات الإنسانية والذي أحيا أيضا ذكرى قرارات الأمم المتحدة الكثيرة في هذا السياق، والتي لم يتم تطبيقها، إن فكرة الإدارة الأمريكية في التصرف في السياق السوري هي الإصرار من ما وراء المنصة، على أن موسكو وطهران سيقومان بالوفاء بالتزاماتهم.. المطلب الصالح، ولكنه وفي نفس الوقت يعطي كل الدلائل التي تشير إلى كون تلك الخطابات تعتبر فارغة وعديمة القيمة.
لقد مرت أكثر من ثمانية أشهر منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، وحصّن ذلك المزيج من القوات الجوية الروسية والقوات البرية للمليشيات الإيرانية نظام بشار الأسد من التحول السياسي، ولكن يبدو أن إدارة أوباما الآن باتت تقبل على مضض فكرة أن الحقائق العسكرية تؤثر في الواقع على النتائج الدبلوماسية، إذ أنه لم يعد يتوقع حصول أي تحول سياسي في سوريا في ما تبقى له من "أيام معدودة"، بل أصبح يأمل الآن بأن "وقف الأعمال العدائية" من الممكن أن يقلل من العنف ويحفز وصول المساعدات الإنسانية خلال الأشهر الستة التي تبقت لولايته.
في معظم الظروف قد يعتقد المرء بأن التخلي عن أحد الأهداف الطموحة، مقابل ما هو أكثر تواضعا، من شأنه أن يجعل إنجاز المهمة شأناً أيسر، ولكن وحتى في سياق انخفاض وتيرة العنف وزيادة وصول المساعدة الإنسانية، فإن جميع البطاقات ستصبح حينها في يد النظام الروسي، الإيراني، والأسد، هؤلاء الثلاثة الذين قاموا بخلق حقائق عسكرية معينة لتخدم مصالحهم، تم توظيفها لإرهاب الآلاف من المدنيين، فيما يصر الغرب بنبرة حزينة على أنه لا يوجد من حل عسكري قد ينفذ في سوريا، وفي واقع فإن مسألة "لا يوجد حل عسكري" هي تعويذة تستخدم كغطاء خطابي لشيء لطالما اعتمدت عليه موسكو وطهران والأسد، من طرف الغرب، إذ أن هذه صياغة تفيد بأن الغرب، لن يقوم بأي تدخل عسكري، مهما كان محدوداً لإيقاف قدرة نظام الأسد والعوامل المساعدة له على ارتكاب جرائم قتل المدنيين على نطاق هائل لتنفيذ سياساته.
ومنذ بداية الثورة السورية عمل بشار الأسد ومؤيدوه الأجانب بصعوبة على تقديم مضمون حقيقي لإقناع العالم بكذبتهم المطلقة: بأن النظام كان يُعارَضُ تماماً من قبل الإرهابيين، وذلك بشكل أساسي من تنظيم القاعدة، وفي الواقع فإن وجود تنظيم "داعش" وجبهة النصرة على حد سواء، قاما بمساعدة الأسد للترويج لكذبته تلك، وكذلك لينجو من المعارضين السوريين الوطنيين الرافضين لنظامه، والمدعومين بشكل سيء من الغرب.
الآن وجود جبهة النصرة في كل مكان من شمال غرب سوريا، يشجع كلاً من روسيا والنظام على ضرب المناطق السكنية المدنية كما يشاؤون، وكان القرار الدولي بإبعاد جبهة النصرة عن الهدنة المعلنة، سبباً لإثارة ابتهاج موسكو لتدعو واشنطن لتبادل المعلومات معها عن مواقع أفراد جبهة النصرة، ومن الناحية المنطقية، والانضمام إليها في عملياتها العسكرية من قصف المستشفيات وغيرها من المرافق المدنية والتي من المفترض أن يحميها القانون الدولي، وكل ذلك باسم محاربة جبهة النصرة، ويأمل المرء بحد أدنى، بأن الولايات المتحدة ستقوم بشكل منهجي بفهرسة أدلة تفيد بالقيام بجرائم حرب من قبل القوات المسلحة الروسية على المدنيين.
وتأمل الأمم المتحدة باستئناف وفود النظام والمعارضة محادثات السلام في جنيف في الـ16 من شهر حزيران، وتكمن هنا السلبية العملية بالنسبة لموسكو في الحفاظ على حملتها الوحشية التي تتمحور حول المدنيين، إذ أن روسيا تريد إجراء محادثات سلام ذات نهاية مفتوحة، لتخدير الغرب وللحفاظ على هدفها المتمثل في التوفيق ما بين الأسد وواشنطن من أجل إيجاد جبهة متحدة مضادة لتنظيم "داعش"، تلك التنمية التي من شأنها أن تمكن موسكو من إعلانها بإنقاذ "الدولة السورية" من مكائد الإمبريالية الأمريكية، ولكن المعارضة السورية لا يمكنها مطلقاً أن تلعب الدور المنوط بها في ما يمر بعملية السلام السورية بينما يتعرض شعبها إلى كل تلك المجازر التي لا يمكن تصورها من قبل الأسد وبطله الأجنبي.
إن النهج العملي لروسيا يكمن باستدراج الولايات المتحدة إلى علاقة تعاونية مع الأسد، بينما تقوم بإيقاف حملات قصفها على الأحياء السكنية وإلزام عميلها السوري بفعل ذلك أيضاً، والتركيز كلياً على المنطق الذي ذكر في تدخل الـ 30 من سبتمبر من عام 2015: ضرب تنظيم "داعش"، إن روسيا يمكن أن تعمل مع المعارضة السورية لتحقيق وقف إطلاق النار في كل الأرجاء السورية حيث لا وجود لتنظيم "داعش"، بحيث تتم مغادرة المقاتلين الأجانب من المليشيات الإيرانية، وما سيتبقى جيش النظام سيستطيع الزحف تحت غطاء جوي روسي، نحو الرقة، عاصمة تنظيم "داعش" في سوريا.
حتى الآن النهج العسكري الأمريكي إزاء تنظيم "داعش" في سوريا، يتألف من الهجمات الجوية الدورية والعمليات البرية المقيدة للقوات غير النظامية التي يسيطر عليها الأكراد: والتي لا تكاد تكون صيغة لنتائج حاسمة، ماذا سيفعل التحالف الذي تقوده أمريكا المضاد لتنظيم "داعش" إن كانت كل من روسيا وإيران ونظام الأسد قد حولت تركيزها من العقاب الجماعي للمدنيين السوريين نحو محاربة تنظيم "داعش"؟ هل ستختفي طائرات التحالف ببساطة حينها من سماء سوريا؟ هل يمكن مقاومة النداءات الروسية لعمليات جوية مشتركة ضد تنظيم يتمنى له الرئيس أوباما "التحلل والتدمير"؟ هل لدى واشنطن أي خيار آخر سوى تسهيل استعادة سلطة نظام الأسد للشرق السوري، وترك هذا النظام حراً للذهاب من باب إلى باب في بحثه الفتاك عن نشطاء المجتمع المدني الذين عارضوا كلاً من نظامه وتنظيم "داعش"؟
ورغم وجود تقارير تفيد باستعدادات جيش النظام لهجوم على الرقة، فإن هنالك عدم ميل من بشار الأسد لمحاربة تنظيم "داعش"، ولربما في النهاية قد يدخر واشنطن لتلك المعضلة القاسية المذكورة أعلاه: المعضلة التي تحققت بسنوات من نقص السياسة الأمريكية في تحدي روسيا، ومع ذلك التركيز على استمرار عملية السلام التي ببساطة لا يمكنها المضي قدماً في ظل الظروف الراهنة، ولعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشعر بأنه يتم التلاعب به من قبل الأسد، وفي الوقت نفسه يحتاج إليه لتجسيد آماله في هزيمة الزعم الأمريكي في "الديمقراطية وحملة تغيير النظام" أو لربما كان يريد أن يمهّد من أجل تقبل واشنطن للأسد، من خلال مساعدة الأسد أولاً ومن ثم تحييد كل الجماعات المسلحة المضادة له، باستثناء تنظيم "داعش"، وبالتالي وضع عملية السلام في خطر مميت.
إن أولويات الأسد ليست في الواقع، ذات الأولويات لموسكو، إذ أن روسيا كدولة عظمى لا تفتقر إلى النفوذ، ويستطيع بوتين سراً تسليم الرسالة التالية لموكله: لن أصرّح بأي شيء علناً، ولكن من هذا اليوم فصاعداً، إن لم تقم بفعل الأشياء بطريقتي، فلن تحصل على أي شيء منا، لا دعماً جوياً، لا المزيد من الامدادات العسكرية، وبالتأكيد لا دعم في مجلس الأمن الدولي، فقط عندما يأتي المبعوث الخاص للأمم المتحدة ليخبرنا بأنك تقوم بالتعاون مع الأمم المتحدة بشكل كامل عندها سوف نستأنف دعمنا.
إن لم تقم موسكو بفعل ذلك حقاً، فإن الولوج الروسي دونما توقف يجب عليه أن يرقى إلى مستوى التزاماتها، على سبيل احترام الذات إن لم يكن لأي شيء آخر، يجب أن يتوقف، للأسف ومع ذلك، هذا ليس سوى كلام أجوف يمكن للغرب حشده من وجهة نظره، إذ أن الأسد هو في النهاية رجل طهران، والتي لربما لا تزال تحمل وزناً في واشنطن، وفي الحين الذي يطلق فيه الغرب العيارات السياسة الفارغة، فإن المدنيين السوريين يشعرون بشيء آخر كلياً: رصاص ومواد شديدة الانفجار ولهب حارق يخترق أجسادهم، والمقدّم من قبل ما يسمى "برئيس الدولة" والذي تدعمه عدة عوامل أجنبية، وبالنسبة للغرب في العقد الثاني للقرن ال21، "وعود لن تتكر المجازر أبداً" لا يبدو أنها تملك أي إمكانية لتطبيق أي إجراء لتقديم أي حل في سوريا، بغض النظر عن التكاليف البشرية والسياسية أياً كانت.