"إسرائيل وإيران" تخادم استراتيجي أبعد من التطبيع.. صفقات سلاح وتبادل للأدوار - It's Over 9000!

"إسرائيل وإيران" تخادم استراتيجي أبعد من التطبيع.. صفقات سلاح وتبادل للأدوار

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)  

خلال أقل من أربعة عقود توغلت إيران في عدد من الأقطار العربية وفق خطة سرية متداخلة مع "إسرائيل" تحقق طموحات كل منهما فيما يتعلق بتدمير العالم العربي، والذي بلغ بين أعوام "2010-2020" في المشرق العربي حد الكارثة على كافة الأصعدة، والعالم يتفرج ويسكت عنها بتأثير التخادم الإيراني الإسرائيلي الذي يرعاه الغرب. وبالعودة إلى تاريخ "إيران وإسرائيل" قديمه وحديثه فإننا سنخلص إلى أربع نتائج:

الأولى: هي أن "إيران وإسرائيل" لا تعرفان في كل علاقاتهما السياسية والدينية والاقتصادية مع شعوب المنطقة المبادئ الإنسانية التي تقوم على أساسها العلاقات الدولية التي فرضت عليها الجغرافيا العيش في دول متجاورة ولها حدود مشتركة فيما بينها، ربما تكون موضع نزاعات وحروب قد تنتهي بحل متفق عليه لتعود مبادئ العلاقات الإنسانية تحكم العلاقة الجديدة بينها، فيما يبقى الخلاف وأسبابه مسألة تخص التاريخ وحده. والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة، وأحدثها العلاقات بين ألمانيا وبين الدول الأوربية التي تحاربت معها حربين مدمرتين خلال النصف الأول من القرن العشرين.

والثانية: أن إسرائيل وإيران في كل منطقة عربية احتلتاها تستخدمان كل وسائل القهر، لترحيل أصحاب البلاد الشرعيين ودفعهم إلى التشرد خارج الحدود وفقا لنظرية "الإخلاء والحلول".

والثالثة: هي أنه ليس لـ" إيران وإسرائيل" مطالب محددة في الزمان والمكان، وسلوكية كل منهما نجدها في قضية معاصرة، تتمثل في العدوان الإسرائيلي الإيراني المستمر على المشرق العربي ومطالبات كل منهما لم تتوقف طيلة قرن كامل تبادلتا فيه الأدوار لإنهاك المنطقة وتدميرها بالحروب. منذ قبول إسرائيل بقرار التقسيم الأممي رقم (181) العام 1947 وحتى يومنا هذا. فيما الصراع العربي الفارسي لم يتغير منذ عهد الإخميني مروراً بالصفوي والقاجاري وصولاً للخميني.

والرابعة: كل من إيران وإسرائيل تحملان مشروعا خاصا، لاحتلال منطقة الشرق الأوسط -استنادا لمعتقدات دينية متخيلة لتبرير الاحتلال- إلا أن كلا منهما عون قوي للآخر في تدمير دول المنطقة.

تحالف استراتيجي أبعد من التطبيع

اعترفت إيران زمن "الشاه" بإسرائيل بعد عامين من تأسيسها عام 1948، واتخذت العلاقات بينهما أبعادا مختلفة في أواخر عقد الخمسينات بلغ حد التحالف الاستراتيجي في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، مستغلة العداء العربي الإسرائيلي في عهد الرئيس عبد الناصر والرئيس عبد الكريم قاسم والملك فيصل بن عبد العزيز.

واستطاعت إيران الشاه الحصول على السلاح الذي تحتاج إليه من إسرائيل، واستفادت أيضا إيران في مشروعاتها الزراعية والصناعية كمشروع قزوين الزراعي الصناعي، واستثمر أصحاب رؤوس الأموال الإسرائيليون في عدد من البنوك المختلطة وشركات الإنتاج والخدمات الإيرانية، كما أتاحت العلاقات مع إيران لإسرائيل، الخروج من حصارها السياسي والإقليمي بتدعيم علاقاتها مع دول الجوار غير العربية، ومع أفول عصر الشاه ووصول الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979 كانت الحرب قائمة ضد العراق ولم يفعل العراق أكثر من أنه أعلنها رسميا. وذلك لعدة أسباب، السياسة التوسعية لدولي الملالي وفق استراتيجية "تصدير الثورة الإيرانية"، وتحديد الخميني خرائط استقرار جيش العراق حتى 100 كم داخل العمق العراقي. وقصف إيران الأهداف المدنية والعسكرية والاقتصادية بالمدفعية ما مجموعه 244 حادثة خلال الفترة من يونيو 1979 إلى سبتمبر 1980، ووصف الخميني الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بـ"الفارغ من العقل والملعون الذي يريد إرجاع الأمة الإسلامية إلى عصر الجاهلية".

صفقات الأسلحة

يقف محللون سياسيون وعسكريون متابعون للشأن الإيراني عند جزيئات، تقع على حواف الصراع الدائر بين إيران ودول الجوار العربية، من دون اختراق عمق الأطماع الإيرانية وجوهرها، نظرا لحالة الالتباس الذي أحدثه انقلاب الخميني من جهة، والتداعيات الاجتماعية التي قد تنشأ نتيجة التناول الصريح لقضايا حساسة كالمذهبية، والعرقية، وهو موقف تجلى في حرب الخليج الأولى (1980-1988) من خلال الفضيحة السياسية الأشهر "إيران غيت" أو ما تسمى "الكونترا" وتم الاتفاق حينئذ بين جورج بوش الأب، نائب الرئيس ريغان، ورئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور آري بن ميناشيا مندوب المخابرات الإسرائيلية الخارجية "موساد". و"إيران غيت" عبارة عن اتفاق سري بين أميركا وإيران -التي كانت تخوض آنذاك حربا ضد العراق- وينص على تزويد طهران بأسلحة متطورة، تشمل قطع غيار طائرات "فانتوم" وحوالي ثلاثة آلاف صاروخ من طراز "تاو" TOW مضاد للدروع وصواريخ "هوك" أرض جو HAWK مضادة للطائرات مقابل إطلاق سراح مواطنين أميركيين كانوا محتجزين في لبنان. وبموجب الصفقة تم إرسال 96 صاروخا من طراز "تاو" يوم 20 أغسطس/آب 1985 انطلقت من إسرائيل إلى إيران على متن طائرة من نوع "دي سي 8".

ويوم 14 سبتمبر/أيلول من نفس العام أرسلت شحنة إضافية تضمنت 408 من نفس الصواريخ، تلتها شحنة حجمها 18 صاروخا مضادا للطائرات من نوع "هوك" انطلاقا من البرتغال وإسرائيل يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وتبعها ألف صاروخ "تاو" على دفعتين يومي 17 و27 فبراير/شباط 1986.

ويوم 24 مايو /أيار 1986، أرسل 508 صواريخ "تاو" و240 من قطع الغيار لصواريخ "هوك" إضافة إلى خمسمئة صاروخ "تاو" يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.

وبدأت الفضيحة تظهر إلى العلن بعد نشر مجلة الشراع اللبنانية يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1986تحقيقا حول الموضوع، ذكرت فيه أنه تم اكتشاف هذه العملية السرية بعد إسقاط جسر جوي من الأسلحة على نيكاراغوا.

وفي السياق، يقول الكاتب الأمريكي تريتا بارسي، "إيران وإسرائيل" ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون، وذلك كون المصالح الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل تتقاطع في أكثر من مفصل وتحكمها البراغماتية لا غير، بعيدا عن أي خطاب أيديولوجي.

تبادل الأدوار في تدمير المنطقة

إثر سقوط بغداد في قبضة الأمريكيين في أبريل/ نيسان عام 2003م، وبصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع نهج وسياسة حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إلا أنه عطّل المشروع الإيراني في المنطقة لمدة ربع قرن، وبعد إسقاط حكمه بالتعاون الإيراني مع "الشيطان الأكبر والأصغر" بات الطريق أمام جحافل إيران مفتوحا اتجاه بغداد ودمشق وبيروت بامتداداته نحو عمق المنطقة العربية لتصدير أفكار الخميني ولكن هذه المرة ليس بالأدوات والوسائل الناعمة، إنما بالقوة المفرطة من خلال مرتزقة يتحدرون من خلفيات شيعية، وعنصرية تعبد الولي الفقيه مقابل إغراءات مادية وأخرى مهدوية تضحك على جهالتهم باقتراب خروج المهدي من سردابه تارة من بغداد وأخرى من صنعاء، وفي دمشق نقلوا مشهدا مسرحيا يتقدمه المهدي يستل سيفه لقتل النواصب "السنة".

طائفيون يدورون في فلك إيران خدمة لإسرائيل

حافظ الأسد

كانت دمشق لقمة سائغة كما اشتهاها ملالي طهران، فحافظ الأسد (1970-2000) انتهج استراتيجية طائفية بالتحالف مع المحور الشيعي امتدادا من لبنان حتى حدود باكستان، بعدما هزت أركان نظامه أحداث السبعينات والثمانينات، حيث ارتمى في الحضن الإيراني لتعزيز حكمه مقابل اقتطاع مستوطنة لهم في ضاحية دمشق الجنوبية "السيدة زينب". ومنها بدأت عملية احتواء وتطويق دمشق تدريجيا وتقويض نسيجها الاجتماعي والنفاذ إلى داخل الأحياء الشيعية في دمشق القديمة "حي الأمين، والجورة، وزين العابدين".

وريثه

ومع بلوغ بشار الأسد السلطة بالتوارث (2000-2020)، توغلت إيران في العاصمة، حتى باتت المستشارية الثقافية في حي المرجة مركزا للغزو الفكري، وسفارتها الكائنة في أوتوستراد المزة مزارا لرجالات الأسد ليلا يتلقون منها التعليمات والترقيات ورسم السياسة العامة للبلاد. أما دمشق فقد انتزعت أثوابها الزاهية التي حوت اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء، واتشحت بالسواد بفنادقها وحاراتها العتيقة ومساجدها، وأضحت ميدانا للردح واللطم والتطبير وبيوت "الدعارة" حتى تخالها صورة مصغرة عن مدينة قم الإيرانية. حيث كان المطبرون يسيرون في شوارع دمشق ويرفعون في وجه الأهالي شعارات طائفية تنال من رموزهم الدينية بحماية الأجهزة الأمنية التابعة للأسد دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض.

صحفيون وكتاب وإعلاميون طائفيون

قبل ذلك، تطور النشاط الإيراني في المنطقة العربية بشكل ملفت للنظر، خاصة في العراق ولبنان؛ ويعود ذلك إلى دور المخابرات الإيرانية التي تمكنت من تجنيد عشرات الصحافيين والكتاب والإعلاميين العرب، من كل من: لبنان، وسوريا، ومصر، واليمن، وآخرين ممن يقيمون في بعض الدول الأوروبية، ليكونوا في خندق الدفاع الأول عن إيران ومنبرا لاستمالة الشعب العربي، مع تركيزهم على دعاوى الخميني في إزالة الكيان الصهيوني عن الخارطة، واعتباره سرطانا يهدد العالم. وحفاظه على لهجة معادية لإسرائيل لتكريس صورته "المقاومة" في الذهنية العربية وأطلق ما عرف بيوم القدس، ووصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر. وإسرائيل بالشيطان الأصغر، في الوقت الذي كانت تعقد فيه صفقات الأسلحة الكبيرة مع "إسرائيل".

وهنا يأتي دور بعض الإعلاميين والصحفيين العرب لتلميع صورة إيران، والدفاع عن سياساتها، والعمل على إبرازها في مقاومة "الشيطان الأكبر" والاحتلال الصهيوني. يقابل ذلك تشويه ممنهج لبعض الدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية.

زرع ميليشيات طائفية لحماية حدود "إسرائيل"

حزب الله اللبناني

وُلد حزب الله اللبناني في السفارة الإيرانيّة في دمشق في حقبة السفير علي أكبر محتشمي. ومنذ البداية، اقتصر منتسبوه على الطائفة الشيعية فقط، وتولّى قيادته رجال دين يؤمنون بـ "ولاية الفقيه" الخمينيّ، وبات لبنان يدور في فلك السياسة الإيرانية إثر تصاعد دور حزب الله وانخراطه في الحرب العراقيّة – الإيرانيّة من خلال الاغتيالات وتفجير السفارات وخطف الأجانب، فضلاً عن دعوة قيادة الحزب إلى إقامة "جمهوريّة شيعية" في لبنان قبل أن تصدر التعليمات من إيران بالتخلّي عنها لاحقا.

 نشأ حزب الله كحركة مقاومة ضد إسرائيل، لكنه في سر المؤسس "إيران"، والمطور الحقيقي له نصر الله نواة لدولة سياسية مؤدلجة، جامعة لكل الشيعة داخل لبنان، وتشكيل هوية وثقافة إيرانية، وتوظيفها في سياسات واستراتيجيات وأهداف إيرانية كان من نتائجها القضاء على الحركة الوطنية اللبنانية واستئصال الشخصيات الوطنية من المشهد اللبناني لترسيخ دولة الحزب وخطف لبنان العربي إلى هوية مغايرة، والمضي به إلى متاهات وحماقات حزب يفعل ما تأمره به طهران لابتزاز إسرائيل وتوظيف ذلك لمصالحها الخاصة، وقد مثلت الأحداث المتعاقبة منذ العام 2000م تمردا لحزب الله ومحاولة إيهام الرأي العام بانتصاره على إسرائيل، وحقيقة ذلك أن إيهود باراك تعهد في حملته الانتخابيّة في مارس (آذار) 1999 بانسحاب أحادي من لبنان، مستجيباً لرغبة الرأي العام الإسرائيليّ.

ومنذ ذلك الوقت، واجه نصر الله نفوذ الدولة في العاصمة بيروت على مدى عقدين، حيث أعلن أن سلطته فوق الجميع، لذلك بادر بمعزل عن الشعب اللبناني بالتمرد على القرارات السيادية اللبنانية بتنفيذ التوصيات الايرانية، ثم انطلق لتحقيق الهدف الرئيس من نشأته وتوسيع دائرة نشاطه العسكري بالاستدارة عن مواجهة إسرائيل وانخراطه في قتل الشعب السوري الثائر، وكل من يقف حتى موقف المواجهة الفكرية والسياسية من إيران. ولم يعد هناك أي شك في أن ميليشيا حزب الله مجرد قوات زرعتها إيران في المنطقة العربية، لتنفيذ مخططاتها بالتوسع والسيطرة، وأن هذه الميليشيا لم تكن يوما تدافع عن لبنان أو تقاوم العدو الصهيوني، انما كانت تقوم بذلك لتثبيت النفوذ الإيراني في هذه المنطقة الجغرافية المهمة والمؤثرة دوليا. ولم يعد هناك شك في أن ميليشيا "حزب الله" رفعت شعار المقاومة لشرعنة ترسانة الأسلحة التي تملكها بهدف خلق دويلة إيرانية تبتلع لاحقا الدولة اللبنانية. وقد كشف الحزب عن حقيقته مرارا، منها عندما اغتال الزعيم السياسي السني رفيق الحريري، وعندما قامت الميليشيا باحتلال مدينة بيروت عام 2008.

عربيا: انتهى زمن مقاومة "حزب الله" عمليا قبل 16 عاما، صرّف في غضونها طاقته في القوة والعنف، في الصراعات الداخلية على السلطة في لبنان، وفي تدعيم محور إقليمي بعينه تأسّس على التحالف بين سوريا وإيران. ثم كان سقوطه كحزب مقاوم حيث تغيرت صورته في إدراكات الحواضن الشعبية العربية، على امتداد الساحة بعد دخوله سوريا تحت شعار الدفاع عن المراقد الدينية، ومع طول الحرب، بات يبرر ذلك بقتال الإرهابيين، لتغطية وضعيته كعصا إقليمية لإيران. وأن شعارات "حماية المراقد" أو "قتال الإرهابيين" و"يا حسين".. لم تعد صالحة للمقاتلين على الأرض بعد أن اقتنع مقاتلوهم أنهم جزء من قوة عسكرية تقاتل لصالح أهداف روسية وأنهم مجرد مرتزقة.

حتى الآن أتم "حزب الله" المسرحية بنجاح مبهر، حين تماهى تماما مع الاستراتيجية الإسرائيلية، ففي بداية الثورة السورية كانت "إسرائيل" تتفرج على تغول "حزب الله" في الدم السوري، واقتصرت هجماتها على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى "حزب الله"، أو نقل الأسلحة إلى مناطق الجنوب السوري، ومع مطلع 2018، بدأت "إسرائيل" توسع دائرة قصفها، لتشمل أي وجود إيراني خطير في سوريا، وكان هذا سبب الهجمات العديدة ضد مواقع إيران وأذرعها العسكرية عبر الاستمرار في توجيه ضربات استباقية، والحيلولة دون اندلاع مواجهة مباشرة مع ميليشيا "حزب الله"، كما أن توسيع دائرة الهجمات يضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤوليتها للضغط على "حزب الله" الذي أسقط لبنان، وأعاد صياغة المشهد السياسي ماسكا بزمام الأمور، وسط تصفيق حار من "إسرائيل" استكمالا لهيمنته على مؤسسات الدولة، فارضا أبجدياته وإرادته وفق الإملاءات الإيرانية؛ لتقويض أركان الدولة اللبنانية والسيطرة على مفاصلها، ولا يختلف الحشد الشعبي في العراق أو الحوثيون في اليمن عن تركيبة حزب الله اللبناني في تنفيذ سياسة إيران لزعزعة الأمن في المنطقة العربية.

خلاصة

مع انكسار أسوار الحواضر العربية في العراق وسوريا إثر التواطؤ الإيراني مع إسرائيل والغرب، تستكمل إيران مشروعها في تحويل الحواضر العربية إلى خرائب تتشح بالسواد، والانتقال بها من مدن مفتوحة على الثقافات العالمية إلى أخرى يحاول الإيرانيون العودة بها إلى القرن السابع الهجري، فالصور المتناقلة من بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ليست تعبيرا عن طقوس وشعائر دينية فحسب، إنما هي غزو ثقافي إيراني تحميه ديكتاتورية فكرية وعسكرية، بهدف ثأري انتقامي من التاريخ والجغرافية، حيث كانت تلك المدن تعج بثقافات متنوعة تحوي داخل أسوارها اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء. ولا يمكن لها تحقيق مشروعها دون التواطؤ مع أنظمة الحكم الطائفية في نشر التشيع السياسي والذي يصب في خدمة الطرفين، فالأسد رمى نفسه كليا في حضن إيران منذ اندلاع الثورة السورية لتثبيت بقائه والدفاع عن حكمه، ضاربا بعرض الحائط حجم المخاطر الجمّة التي تهدد النسيج السوري، فقدّم تسهيلات كبيرة لدخول الشيعة وتوطينهم وانتشارهم وتمكينهم بحجة حماية المقدسات الشيعية الموجودة في مناطق السنة، واستثمرت التسهيلات من حليفها الأسد لتنفيذ مشروعها السياسي التوسعي في ظروف الحرب الراهنة، وبالإضافة إلى إنشائها غرف عمليات عسكرية في سوريا أنشأت غرفا أخرى للتشيع، ونشرت مذهبها في الوسط الدمشقي، وبات الأسد مع طائفته يفقدون تدريجيا مكانتهم السياسية والعسكرية لصالح الإيرانيين، تزامنا مع استصدار سلّة قوانين تستبيح من خلالها العاصمة دمشق تتصدرها الإبادة اليومية في دول المشرق العربي على أيدي مجرمي محور الممانعة، باستراتيجية لا تقبل الجدل تقوم على تفريغ الحواضر العربية من أهلها الرافضين لمشروع التشيع.

أمام هذه التفاعلات المتناقضة، فالمنطقة تدخل الفصل الأخير من العبث الذي تقوده إيران وإسرائيل باتجاه ترتيبٍ جديدٍ يُدفع فيه باستهداف إسرائيل المكثف للتواجد الإيراني في سوريا إلى واجهة المشهد، وقد بدت علامات ذلك في النشاط العسكري الإسرائيلي المتصاعد، ليس في الجنوب السوري فحسب بل وحتى في جنوب لبنان وشرق سوريا، في سياق انتهاء مهمة إيران، لتصوغ إسرائيل ومعها الغرب خرائط المنطقة بعيداً عن إيران الهشة ذات البناء العمودي بينما تشكل أفقيا حالة من الفراغ وعندما تتوقف الحرب تنهار تلقائيا، وهذا ما تدركه كل القوى المنخرطة في الصراع القائم.


مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//