هل تلعبون البرجيس؟ - It's Over 9000!
austin_tice

هل تلعبون البرجيس؟

بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
تحتل الحرب مساحةً كبيرةً من حياة الناس في سوريا، حوّلت معها كلّ شيءٍ بعيداً عن عاداتهم في سهرات الأمس القريب، لكن ثمة من العائلات من عاد ليلعب "البرجيس".
تحكي "أم خالد" السيدة الدمشقية؛ أنها كانت تنتظر الساعة التاسعة مساءً بفارغ الصبر، فمجيء زوجها يعني لها السعادة باستماعٍ إلى غناء أم كلثوم، التي يفضل عادةً أن يردد معها (عودت عيني على رؤياك)، ثم يلعبان "البرسيس"، وتعلو أصواتهم خارج حدود الغرفة، حسب وصفها.
و"البرجيس أو البرسيس"؛ لعبة من التراث الشعبي، معروفةٌ وشائعة في بلاد الشام عموماً، وتحتفظ بها العائلات الدمشقية حتى اليوم باعتبارها جزءاً من مقتنياتهم الأثرية، التي تربطهم بالماضي.
وتضيف السيدة أم خالد لبلدي نيوز؛ "تحكي لي والدتي أنّ لعبة البرسيس كانت توضع في جهاز العروس (أمتعتها الشخصية)، وهو تقليد شامي".
الدكتور والباحث الاجتماعي (محمد الشيخ)، يقول "التسلية والتواصل والحماس حالة عاشتها الأسرة الدمشقية خاصة والسورية عموماً، حتى خمسينات القرن الفائت، على عكس الفترة القريبة التي سبقت الثورة؛ وأدت لشغل الناس بالقتل والسياسة والمعيشة، فضلاً عن الإنترنت".
وأضاف؛ "بالنسبة إلى لعبة البرجيس أو البرسيس، فالبعض من المؤرخين ينسبها إلى بلاد فارس، لكنها عموماً ارتبطت بالبيئة الدمشقية بشكل كبير، وبغض الطرف عن مصدرها وأصلها؛ فتعلمها أكسب الناس ميزة الصبر، ويسميها الكبار (لعبة النَفَسِ الطويل)".
تصنع البرسيس عادةً من القماش المخمل، مطرزة حوافها بخيوطٍ حريرية زرقاء وصفراء وحمراء وهو الغالب، وتأخذ أشكالاً مختلفة؛ المربع أو المعين، ويكتب بداخلها عبارةٌ باللهجة العامية، مثل؛ "يتهنى الغالب، ويساعد المغلوب".
ويدخل في تطريز القطعة القماشية، خرزٌ ناعم يسمى "السيلا"، وله قِطَبٌ تحمل اسم "التيج".
ويلفت الدكتور (محمد الشيخ) إلى مسألة هامة في ممارسة لعبة البرجيس، باعتبارها إحدى وسائل ترسيخ ثقافة المشاركة والاجتماع، معتبراً أنها باتت حالةً مفقودة في المجتمعات العربية بغض النظر عن دور الحرب.
وتعتمد لعبة "البرجيس" على الحظ، ويسمي الدمشقيون الشوط "دق برجيس" في إشارةٍ إلى بداية ونهاية اللعبة، التي تستغرق ساعاتٍ أحياناً، أو قد تنتهي بساعةٍ واحدة، وما يميز الجلسة الضحك والمشاجرة وقد تنتهي بزعل أحد الأطراف ويسمونه "حردان"، وربما يشترطون عليه تأدية عملٍ ما كالرقص وغيره في حال خسارته (الدق).
السيدة "فاطمة" من حي جوبر وتعيش في دمشق اليوم مع أبنائها، تؤكد لبلدي نيوز؛ أنّ معظم التسالي العائلية القديمة عادت بسبب الحرب؛ فبعد انقطاع الكهرباء لابد من إيجاد البدائل، ومن بينها العودة إلى الماضي، وداخل الصندوق الخشبي المركون الذي يعلوه التراب لعبة البرسيس".
وأضافت؛ "تعلمتها من والدي ووالدتي، وأنقلها إلى أولادي، شريطة إنهاء واجباتهم الدراسية"؛ معتبرةً أنّ البرسيس أفضل في إضاعة الوقت من التسكع في الطرقات في زمن انعدام الأمان.
تقول فاطمة؛ "في الشام نسميها برسيس، بينما يطلق عليها الحلبية برجيس، لكن تتوحد المسميات أثناء اللعب، فالمصطلحات واحدة مثل؛ (بنج أو دست أو شكة أو بارا)، والرابح هو من تمكن من إدخال أحجاره إلى المربع الأخضر وسط القطعة القماشية ويقال عنه، (كل حجاره طبخوا)".
أمّا عن أماكن صنعها، فالبيوت الدمشقية اشتهرت بالعناية بتصنيعها، ويلاحظ انتشارها في سوق "القيشاني" و"الجمعة" في "الصالحية"، وفي بعض أسواق "باب شرقي" ويختلف سعرها باختلاف الدقة في صناعتها والتفنن في زخرفتها.
قلةٌ من العائلات المهجرة من حملتها معها إلى إدلب، ماذا عنكم؟

مقالات ذات صلة