Foreignpolicy – ترجمة بلدي نيوز
قد يكون هناك إيقاف مؤقت لإطلاق النار في الوقت الحاضر، ولكن دعونا لا ننجرف، إن الحرب في سورية تسير بسرعة إلى "اللامكان"، وهي تترنح على طول البلاد مع انتهاكات يومية وارتفاع لعدد القلى -وهي إحدى مشكلات الجحيم هناك- حيث تختلف التقديرات لعدد القتلى الحقيقي في سورية، لكن بعض المراقبين يقدرها الآن بما يقرب من 500 ألف قتيل، أي ما يقرب من 2.5 % من عدد السكان قبل الحرب، بالإضافة إلى أن 50% من السكان لاجئين، كارثة من الصعب أن تجد لها مثيلاً بهذه النسب الضخمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد بُذلت بعض الجهود للتفاوض على حل، وقادها الدبلوماسي ممثل الأمم المتحدة "ستيفان دي ميستورا"، لكن المشكلة الحقيقية هي أن اللاعبين الرئيسيين على خلاف حاد حول مسار التقدم إلى الأمام؛ فالولايات المتحدة وروسيا يختلفون حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، وتخوض المملكة العربية السعودية وإيران صراعاً جيوسياسيا ودينيا في جميع أنحاء المنطقة، ويتخذون من سورية مكاناً لتصفية صراعاتهم، بالإضافة لكون روسيا وتركيا على خلاف مرير حول القضايا التكتيكية والاستراتيجية.
ما هو واضح بشكل متزايد وسط كل هذا البؤس، هو أن سوريا كدولة موحدة أصبحت بشكل متزايد محض خيال، ممزقة تماما بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات، وأقسام كبيرة منها مقتطعة وتحكمها جهات مختلفة بينهم عدوات مريرة، وكما الشخصية الكرتونية "هامتي دمبتي" في رواية أليس في بلاد العجائب والذي يمثل "البيضة" التي كسرت، فإن كل الاحتمالات تظهر أن توحيد سورية مرة اخرة في كيان واحد ودولة ذات سيادة منخفضة جداً، ولذلك حان الوقت للنظر في تقسيم البلاد.
نعم، إنه قرار يأتي مع العديد من المخاطر، سلبيات، ومضاعفات، قرار قد تجنبه عموم المجتمع الدولي، ولكن إن كان هناك سبيل لإخماد نيران الصراع وتمكين التفاوض، فيجب أن يكون على طاولة المحادثات في جنيف بوجود طرفي الأزمة.
والحدود السورية، كانت جزءاً من ما يدعى بـ"رجل أوروبا المريض" –وهي الإمبراطورية العثمانية– التي انهارت بعد الحرب العالمية، وجزء من أسباب انحدارها في حالة من الفوضى (بالإضافة إلى الأعمال الوحشية لنظام الأسد، ومشاكل ندرة المياه، والربيع العربي) هو أنها بالفعل مقسمة على أسس دينية وعرقية.
وقد اتخذ فعلاً بعض المراقبين نظرة أولية على التقسيم، والتي من المحتمل أن تشمل المنطقة العلوية من دمشق، إلى منطقة الساحل، ويحكمها نظام الأسد ومن يتبعه، وجزء مركزي نأمل مع مرور الوقت أنه سوف يحكم من قبل نظام سني معتدل، وذلك بعد إخضاع فصائل تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وأخيراً، والأكثر إثارة للجدل، هو منطقة كردية في الشمال، ومن الواضح، أن هذا النهج للتقسيم سيؤدي إما لتفكك كامل للبلاد، كما حدث في يوغوسلافيا، أو سيحولها إلى نظام اتحادي مثل البوسنة بعد اتفاقات دايتون، أو إلى نموذج ضعيف ولكن اتحادي نوعاً ما مثل العراق.
وبالتأكيد هناك سلبيات، والتي تحتاج إلى أن تقاس وتقارن مع القدرة على التوصل إلى حل عن طريق التفاوض، فالتقسيم يلقى رفضاً من قبل عامة الشعب ويحظى بقبول من قبل الأقليات، كما أنه قد يأجج سيناريوهات محتملة لفوضى أخرى، وهي أيضاً من الصعب التفاوض عليها، فهي تحتاج لمعرفة مفصلة للتضاريس البشرية في دولة منهارة، وإلى تنازلات معقدة غالباً لن تترك أحداً راض بالنتيجة، وبالتالي ستؤدي إلى زرع بذور لصراعات لم تظهر بعد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول المجاورة قد تعارض وجود كيانات بناءً على الأقليات العرقية والدينية (فتركيا لديها قلق عيق إزاء دولة كردية) ومن الصعب تطبيق ذلك كون الكثير من الأطراف غير راضيين عن بعض جوانب الاتفاق النهائي، وأخيراً: سيكون التقسيم أمراً صعباً بموجب القانون الدولي، والذي يفضل الدول السيادة، ويسعى إلى دعم الأراضي الموحدة حالياً، ولذلك فتوليد دعم لموضوع التقسيم صعب لأن العديد من الدول مثل (اسبانيا، تركيا - ناهيك عن أعضاء مجلس الأمن مثل بريطانيا والصين وروسيا) لديهم أقليات يتوقون للحصول على كياناتهم وبلدانهم المستقلة.
وبالنسبة للبلد المجاور: العراق، فلقد كان هناك دعوات منذ عقود لتقسيم تلك الدولة المضطربة منذ عقود، وما يجعل العراق مختلفاً عن سورية هو وجود الكثير من الموارد النفطية التي يمكن استخدامها لتهدئة مطالب الأقليات ونظام الحكومة الاتحادية المتقلقلة ولكنها على الأقل متماسكة حتى الآن، ولكن سورية لا تملك ذلك والتداعيات على حافة الهاوية.
وعلى الرغم من السلبيات، يمكن أن يستخدم التقسيم لتحريك الأطراف المتحاربة على طرفي نقيض المعركة، وبالنسبة للسكان، فما يقرب من 50 % من الشعب السوري هو لاجئ وليس هناك الكثير ليخسره، ومع التقسيم يمكن أن توفر له فرصة لمغادرة مخيم للاجئين أو تجنب رحلة طويلة وخطيرة لدولة اللجوء -وفي الواقع من شأنه خلق "مناطق آمنة" التي لم يقرها المجتمع الدولي- حتى الآن.
ومن حيث إدخال فكرة التقسيم في المفاوضات، فذلك من السابق لأوانه، حتى نعطي اتفاق إيقاف إطلاق النار فرصة لفترة، حتى لو كانت قصيرة، ثم معرفة ما اذا كان يمكن تحويله الى هدنة على المدى الطويل.
والفكرة هي أنه اتفق الطرفان على الأقل بالبدء بالمحادثات، فسيكونون قادرين، مع مرور الوقت، على الاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة.
وفكرة التقسيم، التي ذكرها وزير الخارجية جون كيري علناً في الآونة الأخيرة (على الرغم من أنه تجنبها إلى حد ما)، يمكن أن تساعد في شحذ المحادثات، وتوفر مجموعة جديدة من الأفكار للمفاوضين للنظر بها في حال تعثر المسار الحالي.
وبالنظر إلى الحالة الخطيرة للحرب السورية، وتصاعد أعداد الموت، والفوضى المطلقة على أرض الواقع، والتقدم الغير الفعال؛ فهناك حاجة لاستخدام نهج آخر، أو على الأقل التفكير بإمكانية استخدام نهج التقسيم في مسار المفاوضات والذي بجب أن يكون على جدول المفاوضات الآن.