بلدي نيوز - (خاص)
تسبب حادث سقوط الطائرة الإسرائيلية بعد قصفها لمواقع إيرانية في سوريا بالكثير من الضجة والتحليلات، وسط الكثير من الأحاديث التي حولت هذا الأمر إلى "تحول تاريخي" في المنطقة وأنه "مرحلة جديدة" في الصراع في المنطقة، وسط الكثير من الأحاديث عن رسائل مبطنة وما إلى هناك من أحاديث ملأت الفضاء الإعلامي وغطت على حقيقة ما حدث البارحة بدرجة غير مسبوقة في تاريخ الحروب.
عملياً تنقل جميع الوسائل الإعلامية الخبر من نهايته وليس من بدايته، حيث تجاهلت جلها الطائرة المسيرة الإيرانية التي أسقطت بنيران حوامة إسرائيلية، دون ذكر حتى نوعها أو سبب اختراقها للأجواء الاسرائيلية أو سبب إسقاطها، ولماذا ردت إسرائيل بقصف قاعدتها التي انطلقت منها، ودمرت جميع منصات إقلاع الطائرات المشابهة، ولا سبب الرد الغير مسبوق من نظام الأسد ولا دوافعه.
طائرة جديدة
عملياً، إيران كانت تحاول الحصول على نصر إعلامي، عبر طائراتها المسيرة التي أطلقتها لتطير فوق شمالي فلسطين للتغطية على الخسائر الكبيرة التي منيت بها شرقي سوريا خلال الغارات الامريكية على قواتها المتقدمة شرقي الفرات.
فتحليل الفيديو الذي نشره الجيش الاسرائيلي يؤكد أن هذه الطائرة المسيرة ليست من النوعيات المعتاد استخدامها في سوريا، بل هي نوعية جديدة يبدو أن إيران تحاول تسجيل نقاط إعلامية وربما تقنية عبر طيرانها فوق إسرائيل.
فهذه الطائرة كما يظهر في الفيديو هي "نسخة القرد" من الطائرات الأمريكية نوع RQ-170 تعمل إيران على تصنيعها مدعية أنها نسخة من هذه الطائرات المسيرة التي تصنعها أمريكا ووصلت إحداها (أو نموذج منها) بطريقة ما ليد إيران، حيث تدعي إيران أنها أسقطتها باستخدام وسائل تشويش روسية.
عمليا، الطائرة المسيرة التي أرسلتها إيران يفترض أن تكون شبحية، ولا يشاهدها الرادار، ولا تظهر في وسائل الاستطلاع الحرارية، لكن هذه المواصفات هي للنسخة الأمريكية، التي تبدو النسخة الإيرانية منها مجرد لعبة أطفال مسيرة بالتحكم عن بعد (نسخة القرد المشابهة بالشكل والمختلفة بالمواصفات)، فلا هي شبحية، ولا تختفي عن شاشة الرادار، وتظهر الفيديوهات سهولة كشفها حراريا، ويبدو أن وصلة البيانات فيها غير مؤمنة وسهلة الاختراق.
إيران كانت تحاول الظهور بمظهر من أحرز نصراً على إسرائيل، لكن طائرتها اكتشفت بمجرد إقلاعها، وتعرضت للإسقاط بمجرد تجاوزها الحدود، حتى أنها لم تستغرق دقيقتين لتتحول إلى رماد في الجو، ثم دمرت إسرائيل مصدر الطائرة وقتلت الطيارين والفنيين ودمرت منصات الإطلاق والتحكم، في إعلان واضح على أن إيران غير مسموح لها بمثل هذه الدعاية.
في حين يبدو أن إيران لم تتحمل الضربة ولا الرد الاسرائيلي، فدفعت النظام للرد بوابل من الصواريخ المضادة للطائرات التي لا يبدو أنه توقع أي يصيب أي منها الطائرات الإسرائيلية بناء على تجربته السابقة معها، لكن يبدو أن إحدى هذه الطائرات تعرضت لإصابة عرضية طفيفة، تسببت بسقوطها لاحقا.
سيناريو البقاع 1982
نتيجة هذه العملية أن النظام خسر مجموعة من عدة بطاريات دفاع جوي س200 و"كفادرات" بعد أن أسقطت دفاعاته الجوية طائرة إسرائيلية قصفت مواقع إطلاق الطائرات الإيرانية المسيرة في مطار التيفور .
مقابل الطائرة التي أسقطها النظام، نجد أنه وإيران تعرضا لأكبر ضربة جوية موجهة لأهداف استراتيجية منذ 1982، والتي كسر فيها ظهر الدفاع الجوي السوري في البقاع، بخسارة ما لا يقل عن 19 بطارية دفاع جوي، وإعطاب غيرها، أما اليوم فالنظام يخسر أفضل ما لديه من بطاريات س200 والتي خسر منها 3 بطاريات على الأقل، إضافة لعدة بطاريات "كفادرات-بوك" والتي شاركت في الاستهداف وهي على الأغلب من تسبب بإصابة الطائرة الاسرائيلية، إضافة لأخبار عن قصف بطاريات دفاع جوي للنظام في الشمال السوري، وسط توقع أن إسرائيل قررت إنهاء ملف بطاريات س200 المضادة للطائرات، والتي يبلغ مداها 200 كيلومتر، وتعتبر على قدمها مشكلة بسبب مداها الكبير وتهديدها للطائرات المدنية والنقل العسكري التي تحلق في إسرائيل أو وقوعها في أيد "غير أمينة" بالمفهوم الإسرائيلي.
إضافة لهذا فقد خسرت إيران أي إمكانية لاستخدام طائراتها المسيرة لكسب نقاط إعلامية بعد تدمير مركز القيادة والسيطرة في التيفور، إضافة إلى أن إيران أصبحت مقتنعة أن إسرائيل أصبحت قادرة على الرد بسرعة كبيرة جدا على أي خرق للطائرات المسيرة، ما يجعل من هذا النوع من العمليات من الماضي، وضاعت فرصة إيرانية لتحقيق نصر معنوي ما يساهم في دعايتها أنها الدولة المقاومة الممانعة وأنها مركز "محور الممانعة" والترويج للألعاب التي تصنعها.
إسرائيل من جهتها عززت فكرة الردع العسكري، والتي تمثلت بضرب التهديدات التي تمثلها بطاريات الدفاع الجوي للنظام وطائرات إيران المسيرة، واستطاعت إسقاط صواريخ دفاع جوي للنظام سقط بعضها فوق الاردن وبعضها في لبنان، ما يعني أن المحصلة ترجح لمصلحة إسرائيل التي خسرت طائرة لكنها ربحت على المستويين العسكري والاستراتيجي وحتى التقني، ولن يطول الوضع قبل أن تدمر إسرائيل ما تبقى من الدفاع الجوي للنظام بعد إعلانها أنها ستدمره بشكل كامل.