بلدي نيوز - (غيث الأحمد)
خاضت إسرائيل حرباً شرسة عام ٢٠٠٦ ضد جنوب لبنان انتهت بتدميره، وعلى الأخص الضاحية الجنوبية معقل "حزب الله" اللبناني، بعد اتفاق رعته الأمم المتحدة وصدر به قرار من مجلس الأمن حمل الرقم /١٧٠١/ يقضي بتسليم جثة الجنديين الإسرائيليين وتأسيس منطقة خالية من السلاح ممتدة من الخط الأزرق حتى نهر الليطاني.
وتمكنت إسرائيل من احتواء فورة "حزب الله" ومن ورائه إيران خلال السنوات الماضية التي تلت حرب تموز، وهو الأمر الذي أفقد طهران أدوات هامة في معركتها التفاوضية على برنامجها النووي على الرغم من الاستفادة الكبيرة من انفتاح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على التعاون مع نظام الخميني بعد تبنيه الكامل لتقرير "بيكر هاميلتون" الذي أوصى بذلك مقابل لجم روسيا.
فالمقايضة كانت على إلغاء البرنامج النووي الذي كان الشغل الشاغل لأوباما خلال فترة حكمه، مقابل توسيع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ومده إلى كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والاستفادة منه بشكل كامل على المستوى الاقتصادي.
التغول الإيراني في المنطقة جعل الدول الإقليمية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وإسرائيل تشعر بضيق شديد، وهذا ما مهد إلى استدارة كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية التي يقودها حالياً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي أوصى بها تقرير "أولبرايت – هادلي" وأكدت عليه الخطة الرابعة لمركز الأبحاث الأمريكي الشهير "راند" عبر مهاجمة إيران وقطع يدها خارج أراضيها توازياً مع التعاون أكثر مع موسكو.
أدرك الإيرانيون بسرعة أن هذا سيكلفهم خسارة امتلاك النفوذ الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، والذي كان ثمنه توقف البرنامج النووي في عام ٢٠١٥، ومع تطور الأحداث وتسارعها في سوريا عادت طهران لتهدد أمن إسرائيل عبر نشر ميليشيات تحمل عقيدة مشابهة لـ"حزب الله" في الجنوب السوري، إضافة إلى الاستفادة من مساهمتها في مؤتمر "أستانا" إلى جانب كل من روسيا وتركيا، وذلك لتثبيت تواجدها في محيط دمشق والمنطقة الجنوبية، وهو ما من شأنه في النهاية تحسين شروط إيران التفاوضية.
والسؤال: ماذا لو تحول جنوب سوريا إلى نسخة جديدة من جنوب لبنان، وانتشر فيه مثل تلك الميليشيات التي تكنّ العداء لتل أبيب؟ ماذا سيكون مصير اتفاق إبعاد الميليشيات عن حدود إسرائيل؟ ماذا لو خطفت هذه الميليشيات جنوداً إسرائيليين جدداً أو مدنيين إسرائيليين؟ بالتأكيد إن هذه الكوابيس تطارد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وقادة "الموساد"، فمعارك الجنوب السوري الملاصق لأراضيها تعنيهم بالدرجة الأولى قبل الأردن وروسيا.
وهذا ما جعل تل أبيب تخوض صراعاً كبيراً لتقريب وجهات النظر داخل البيت الأبيض والكرملين من أجل حث الطرفين على التعاون أكثر وإنجاز حل سياسي في سوريا من شأنه إبعاد طهران بشكل كامل عن تفاصيله، وتوجت جهودها بالاتفاق الأخير حول الجنوب السوري والذي كان نتاج اجتماعات طويلة في عمان على مدى الشهرين الماضيين، وقصدت إسرائيل من خلاله إبطال الاتفاقات التي صدرت عن مؤتمر "أستانا" التي تتم برعاية إيرانية، وتأسيس مسار جديد تحدث عنه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، والذي اعتبر أن هذا المسار سيتم فيه جمع كل ما نتج عن "جنيف وأستانا" لإيجاد حل سريع برعاية الأمم المتحدة.
التحدي الأبرز الذي يواجه هذا المسار يتمثل في فصل روسيا عن إيران والذي من شأنه أيضاً التأثير على نظام الأسد الذي يتعايش وينمو من خلال هذه العلاقة غير المنسجمة بشكل كامل، فطهران تريد عودة قوات النظام للسيطرة على كامل سوريا، في حين أن موسكو ترى ذلك أمراً غير واقعياً.
وبالعودة إلى الاتفاق الأخير حول الجنوب فإن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا غير مهتمتين على الإطلاق بالحفاظ على سلامة سوريا أو إيقاف إطلاق النار، ولكن أمن إسرائيل دفع إلى إيجاد منطقة عازلة على الحدود مع أراضيها بهدف منع الابتزاز الذي كانت تمارسه طهران على تل أبيب قبل حرب تموز ٢٠٠٦، وهو ما قد يوحي بالتمهيد لتأسيس أقاليم مختلفة تؤدي إلى نشوء نظام فيدرالي في سوريا على المدى البعيد.