بلدي نيوز – حمص (صالح الضحيك)
في شهادة للعقيد المنشق "يوسف واو" يستذكر الرجل مجزرة القصير في صبيحة الخامس من حزيران عام 2013 كانت النكسة الأصعب، وغير المسبوقة لأهالي منطقة القصير والتي أتت في ذكرى نكسة العرب الشهيرة في الخامس من حزيران عام 1967.
في صبيحة ذلك اليوم انطلق ما تبقى من سكان المنطقة وهم حوالي 12 ألفاً باتجاه قريتي الصالحية والبويضة الشرقية إلى الشمال من مدينة القصير.
وبعد يوم طويل وصعب ارتقى به ثلة من الشهداء نتيجة القصف الغادر لقوات النظام، تحرك الجميع ليلاً سيرا على الأقدام يحملون جرحاهم على أكتافهم تاركين وراءهم كل شيء.
أثناء المسير علمت حواجز قوات النظام المنتشرة على طول الطريق حمص- القصير بتحرك الجمع فبدأت بملاحقته بالقنابل المضيئة وقذائف المدفعية والهاون والرشاشات الثقيلة، فارتقى عدد من الشهداء.
"وصلنا فجرا إلى مشارف فتحة الموت الشهيرة بين قريتي الحسينية وشمسين وكانت الفتحة مغلقة لوجود كمين لقوات النظام فيها" يقول العقيد المنشق.
ويتابع: انتشر الجمع بين أشجار اللوز والزيتون في المنطقة، وفي التاسعة صباحا تحركت دورية لجيش النظام باتجاه المنطقة فتنادى الشباب الثوار لمواجهتها بما تيسر لديهم من وسائل المواجهة المحدودة، وأسفر الاشتباك عن تدمير بعض آليات الدورية وهروب بقية عناصرها في حين ارتقى ثلاثة عشر مقاتلا من الثوار بعد أن نزف دمهم حتى الموت لعدم وجود أي وسيلة إسعافية.
وبعد المقاومة العنيفة للدورية لجأت قوات النظام إلى قصف المنطقة عن بعد بقذائف المدفعية والهاون.
وفي ظل انعدام أي قدر من الطعام والماء أمضى الجميع يوما طويلا من الجوع والعطش والتعب والنعاس والقصف المتقطع.
وفي ليلة السابع من حزيران كان على الجميع عبور فتحة الموت ليلاً سيراً على الأقدام، وكانت الترتيبات تقضي بمرور الجرحى وكبار السن والنساء والأطفال أولا .
وكان التحرك تقريبا على شكل رتل ثنائي طويل جدا في أرض أحيانا وعرة وأحيانا بين أشجار اللوز وأحيانا أخرى في أراضٍ مكشوفة.
المرور سيكون من فتحة الموت التي تقع بين حاجزين لقوات النظام البعد بينهما حوالي /1.5/ كم. نجحت مقدمة الرتل بالمرور بسلام شرقا .
بالنسبة للجماعة التي كنت أسير معها فقد انكشف أمرها وبدأ إطلاق النار عليها من كلا الحاجزين بقنابل مضيئة يتلوها قذائف هاون ومدفعية ودبابات ورمي غزير من الرشاشات الثقيلة .
انبطح الجميع أرضاً والرصاص يئز فوق رؤوسهم ويصيب بعضا منهم، ولا أحد يدري ماذا يفعل .
اتصل أحدهم عبر جهاز ﻻسلكي فجاء الرد أن الفتحة مغلقة ويجب العودة إلى نقطة الانطلاق وهنا بدأ الانسحاب فوضويا عشوائيا وتحت إطلاق النار الغزير. الأرض مكشوفة وفيها بقايا من قش الحصيد الذي بدأ يشتعل بسبب الطلقات الحارقة، ورجع من لم يصب إلى خلف ساتر ضخم من الحجارة .
استلقيت ظهرا على حجارة الساتر وأنا أتذكر أن صديقي الدكتور سألني عن تقديري نسبة النجاة فأجبته ﻻ تتجاوز الخمسة بالمائة.
ونحن كذلك خلف الساتر الحجري نادى أحد الثوار قائلا: "يا إخوان إن بقينا هنا فإننا سنموت جوعا وعطشا وربما يأتي الجيش صباحا ليقتل من بقي حيا فما رأيكم أن نقتحم أحد الحواجز ونفتح طريقا يمر منه الناس ولو كلفنا حياتنا ونحن بكل الأحوال ميتون"، وهنا ﻻقت الفكرة تجاوبا كبيرا فانطلقت مجموعتان مسلحتان من الثوار لفتح الطريق.
وعلى الطريق كان يوجد غرفتين زراعيتين يحتمي خلفهما مجموعة من الناس .
إطلاق النار مازال على أشده والنار أصبحت تلتهم قش الحصيد وتمتد بسرعة محولة ظلام الليل إلى نهار بفعل ضوء النار المشتعلة، مما يساعد قوات الحواجز على مزيد من الرؤية والكشف وبالتالي تسديد الرمايات والقتل على أوسع مدى .
وأخيرا كان لابد من المجازفة بالمرور تحت القصف وإطلاق النار الكثيف فتم التحرك تارة زحفا وتارة ركضا، وهكذا تجاوزت المنطقة الخطرة التي تناثرت فيها جثث الشهداء والجرحى.
وعندما وصلت إلى الأوتوستراد كان بعض الجرحى عالقين بين أشجار السرو والصنوبر المزروعة على طرفي الطريق وفي المنصف، وعندما وصلت إلى الطريق الشرقي صاح بي أحد الثوار المرابطين على فتحة الطريق: "بسرعة ياعم لقد انطلقت الدبابات".. وفعلا سمعت صوت حركة الدبابات القادمة إلى الفتحة حيث قامت بعد وصولها بحصد من صادفتهم على الأوتوستراد بنيران رشاشاتها.
مضيت مسرعا إلى شرقي الطريق ومنه إلى مدينة الأحلام حيث الهدوء النسبي.
في الصباح وصل الجميع إلى قرية الديبة، وفيها بدأ الناس يتفقدون بعضهم بدءاً من اللحظة الأولى لنفاجأ بوجود خسائر كبيرة بالأرواح .
في هذه الظروف الصعبة وقعت مجزرة القصير المنسية على فتحة الموت المرعبة والتي قضى فيها حسب مصادر الناشط الإعلامي هادي العبد الله /700/ شهيد والذين استطاع المجلس المدني للقصير توثيقهم بالاسم حوالي /400/ شهيد ارتقوا إلى جوار ربهم وهم جوعى وعطاش.
وحسب ما تسرب من معلومات قامت قوات النظام بجمع الجثث بالجرافات وإلقائها بحفرة كبيرة حيث تم حرقها وطمرها .
في يوم السابع من حزيران، وكان يوم جمعة، لجأ بعض النازحين إلى مدرسة قرية جندر فقامت طائرات النظام بقصف المدرسة ولم يسفر القصف عن ضحايا .
في ليلة الثامن من حزيران كان على الجميع التحرك باتجاه مدن القلمون بواسطة شاحنات كبيرة تبرع بها أهالي المنطقة لنقلهم .
كانت الشاحنة تأتي إلى ساحة قرية الديبة بالقرب من الجامع، وبعد لحظات تمتلئ الشاحنة وقوفا بحيث تحمل الشاحنة الواحدة ما يزيد عن المئة شخص.
كان تحرك الشاحنات على طرق زراعية التفافية متجنبة ثكنات ومواقع الفرقة (11) التابعة لجيش النظام والسير ببطء وبدون أضواء، فوقعت بالطريق إحدى الشاحنات بكمين لدبابة شيلكا التي فتحت النار على الشاحنة من مسافة قصيرة فقتل جميع ركاب الشاحنة حوالي /100/ شخص ولم ينجُ منهم إلا رجل واحد روى ما حدث في تلك المجزرة الرهيبة.
لم تستطع الشاحنات نقل الجميع بتلك الليلة وبقي قسم منهم بجامع الديبة وحوله وفي يوم الثامن من حزيران تعرض محيط الجامع لغارة جوية ارتقى بنتيجتها عدد من الشهداء .