في 6 سنوات.. كيف باع بشار الأسد سوريا ليواجه ثورة شعب؟ - It's Over 9000!

في 6 سنوات.. كيف باع بشار الأسد سوريا ليواجه ثورة شعب؟

بلدي نيوز - (محمد خضير)
بدأت الثورة السورية عام 2011، لتكون واحدة من ثورات الربيع العربي، فلم تكن لتزهر لولا كم الظلم الخرافي، الذي كان يعيش السوريون تفاصيله اليومية، فمن مصادرة الحريات إلى مصادرة الأرواح، عاش السوريون عقوداً تحت حكم أحد أسوأ الأنظمة القمعية التي عرفها التاريخ.
قاوم النظام بشدة للحفاظ على حكمه لسوريا، فهو يعتبرها مزرعته التي ينمي عبرها ثرواته، التي وصلت آلاف المليارات من الدولارات (وليس المئات كما يشاع)، عبر التحكم في كل شاردة وواردة فيها، وبيع كل ما يمكن بيعه، والمتاجرة بكل ما يمكن المتاجرة به، فالنظام له تاريخ من عمليات البيع، بداية ببيع الجولان لإسرائيل ثمناً لبقاء الأسد الأب في الحكم، ثم باع الفلسطينيين في لبنان، وشارك في مذابحهم وتهجيرهم مقابل الصمت على مجازره في حماة، حتى وصلت الحيوانية بالنظام، لدرجة دفن النفايات النووية في صحراء تدمر، التي تعتبر اليوم واحدة من أعظم المناطق حيث يحدث استنزاف النظام فيها، ويخسر الكثير من العناصر كل يوم في معارك مع تنظيم "الدولة".
فمع بدء توسع الثوار وتحريرهم للمزيد من المدن، أصبح النظام يدرك أنه بحاجة لدعم أكبر من القوى التي تسانده، وليس فقط الدعم المعتاد الذي حصل عليه خلال الأشهر الأولى للثورة، والتي اتسمت بسلميتها الكاملة، فبعد أن استقوى فيها النظام بشبيحته، وأرسلهم لقتل المدنيين العزل، تحولوا فجأة من صيادين لطرائد بمجرد أن بدأ المدنيون بالدفاع عن أنفسهم، واكتشف النظام فشلهم وعجزهم، رغم ضخامة جثثهم وكثرة عتادهم، وحقدهم الطائفي الثأري.
فأرسل جيشه برفقة أمنه، ولكن جيشه ما لبث أن انهار، لعدة أسباب، أولها الانشقاقات، وثانيها أنه لم يكن جيشاً مؤهلاً لهذه الحرب أو أي حرب، ولم يمر عام على بداية الثورة، حتى أصبح انهيار النظام قاب قوسين أو أدنى.
لكن النظام وقبل أسابيع من انهياره، بدأ باستجلاب الإيرانيين بكثافة أكبر من الأيام الأولى للثورة، وبدأوا يتزايدون ويكثر عددهم، مقارنة بعدد عناصر ميليشيا حزب الله الإرهابية اللبنانية، التي كانت أول الحاضرين للمشاركة في قتل السوريين.
ومع تزايد أعداد الإيرانيين والتورط الكبير لإيران، والتي اعتقدت هي الأخرى أنها ستكون قادرة على إنهاء الحرب خلال أسابيع إلى أشهر، واضطرارها لاستجلاب أعداد ضخمة من الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وغيرها، بدأت إيران تحصل من النظام على ثمن الخدمات التي تقدمها، حيث كانت إيران سابقاً تملك نسبة معتبرة من الاقتصاد السوري، عبر الكثير من الشركات والمنتجات وبخاصة السيارات وغيرها من الأمور التي كانت إيران تغرق السوق السورية بها، بدون وجود أي فرصة للمنافسة، لكن هذا ولى إلى غير رجعة، مع انهيار الاقتصاد في مناطق النظام ووصول سعر الدولار لعشرة أضعاف السعر قبل بداية الثورة، ورغبة إيران في الحفاظ على مكتسباتها في سوريا، بعد أن أصبح التدخل الدولي في سوريا أكثر وضوحاً وكثرة اللاعبين، وتهديداً لمشروعها التوسعي العقائدي.
مع بدء إيران بتحصيل (مستحقاتها)، أدرك النظام أن المؤسسة "الخيرية " الوحيدة التي تسانده بدون مقابل، وتطعم جنوده وتداوي جرحاه هي منظمة الأمم المتحدة، راعية الديكتاتوريات والأنظمة الارهابية في العالم.
ومع انهيار الوضع الاقتصادي للنظام، بدأ بالحصول على القروض من إيران، والتي يضاف إليها تكلفة حمايته وتكاليف العمليات العسكرية التي تنفذها إيران في سوريا دعماً له، وتثبيتاً لحكمه الأمر الذي تبجحت به غير مرة.
عندها بدأ النظام بتقديم المزيد من التنازلات، ومنح ايران ما يمكن اعتباره "إقطاعيات" ضمن المناطق التي تهمها جغرافياً واستراتيجياً، على مبدأ أن إيران سوف تتحمل العبء الأساسي للعمليات المختلفة، وأن النظام سيكون مستفيداً على المدى البعيد، خصوصاً عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي، والتي لا يستطيع النظام تنفيذها وحيداً، بسبب عدم قدرته على ملء الفراغ الذي سينشأ عن تهجير السكان.
مع هذا النهج الذي اعتمده النظام، بدأت إيران بالتوسع بشكل حقيقي وقانوني في سوريا، مدعومة باتفاقيات منها معلن وغير معلن مع النظام، إضافة للقروض الهائلة التي حصل عليها منها، والتي تحولت لسندات تستطيع المطالبة بها في أي وقت.
ما حول ويحول مناطق واسعة وبخاصة في ريف دمشق إلى مناطق تابعة لإيران، تزرع فيها عائلات ميليشياتها وتحولها لأحياء إيرانية شيعية كاملة، على بعد أمتار من قلب العاصمة دمشق.
كيان "شريطي"
مع استمرار الحرب وعجز إيران عن النصر بها، وسع النظام صلاحيات الميليشيات الانفصالية الكردية PYD التي أنشأها ودعمها سابقاً، لاستخدامها في الضغط على تركيا الخصم الإقليمي القوي، فسمح لها بالتمدد وضرب بها الثوار شمالي شرق سوريا، لاستنزافهم ومنعهم من التمدد باتجاه الغرب، ثم قدم لها الكثير من الأراضي والأسلحة، حيث استطاع عبرها إعادة سحب جزء من قواته من الحسكة باتجاه المناطق الساخنة، بهدف الدفاع عنها، واستنزاف الثوار بمعارك مع هذه الميليشيات، التي كان يقدم لها السلاح و الدعم والأراضي مقابل قتال الثوار ومنعهم من السيطرة على المزيد من المناطق، والذين يشكلون تهديداً حقيقاً له في الشرق، ولمنع تحرير محافظة الحسكة التي كانت مؤهلة جداً للتحرر، لولا الميليشيات الانفصالية الكردية، التي حلت محل النظام في قتال السوريين.
ومع كل معركة كان النظام يوسع سلطاتها ومناطق نفوذها، ويسلمها المزيد من الأسلحة والموارد، لتصبح أقوى وتضغط على تركيا التي تدعم الثورة السورية، باعتبارها امتداداً للميليشيات بي كا كا الكردية الارهابية في تركيا، ولتصبح المسيطر على قمح سوريا، ونسبة معتبرة من نفطها، والكثير من الثروات الأخرى التي تتركز في المناطق التي تحتلها.
ما تسبب بنشوء كيان "شريطي"، يمتد من القامشلي إلى الفرات غرباً، ويسيطر على عفرين، والذي أعلنت فيه الإدارة الذاتية، الأمر الذي يمهد فعلياً لانسلاخه عن سوريا، بسبب الوضع الذي تسبب به النظام من دعم للميليشيات الانفصالية، التي كان في يوم من الأيام يضطهد عناصرها، الذين يموتون دفاعاً عنه اليوم، ويمنع عنهم حتى بطاقات الهوية السورية، وأبسط الحقوق الإنسانية.
بعد هذا كله، استجلب الايرانيون الذين فشلوا مع النظام في قمع الثورة الجيش الروسي، فهرع إلى سوريا طمعاً بالوصول للبحر المتوسط، الذي حلمت به روسيا القيصرية لقرون، ولتكون أول قاعدة جوية روسية في البحر المتوسط، حيث استجلب الروس طائراتهم التي شرعت تدمر كل ما أغفلت طائرات الأسد أو عجزت عنه.
وباعتبار روسيا بوتين ليست "الأمم المتحدة"، وليست جمعية خيرية، فقد سيطرت على العديد من المناطق والنقاط والمواقع الاستراتيجية في سوريا، كبدل أتعاب على الدعم الكبير الذي تقدمه في سبيل إبقاء الديكتاتور في موقعه.
تمثل ما سيطرت عليه روسيا بالساحل السوري ككل، والذي يشمل استثمار القواعد البحرية والجوية في الساحل، لمدة لا تقل عن 75 عاماً، إضافة لسيطرتها ونهبها لآثار تدمر، والكثير من المواقع في الساحل و دمشق وغيرها من المناطق، التي تعتبر الآن مواقع تحت سلطة الروس وليس سلطة الأسد، الذي أصبح جيشه الحلقة الأضعف في المعادلة السورية، ولكنه ما يزال الواجهة التي يجب وجودها، للحفاظ على الاستثمارات المختلفة ايرانيا وروسيا.
أما للدول الديموقراطية العظمى، فكان لها نصيب من الكعكة التي وزعها الأسد على الراغبين، مقابل أمور "تافهة" تتمثل بإبقائه في الحكم، والتغاضي عن ما فعله بالسوريين قتلا وتهجيراً.
لتحصل أمريكا على عدة قواعد ومطارات عسكرية في المناطق التي تحتلها الميلشيات الكردية، تعتبر ذات موقع مميز، تساعدها لاحقاً في حربها ضد التنظيمات السنية، التي ستستمر بالظهور في المنطقة بسبب تفاقم حالة الظلم لدرجات غير مسبوقة تاريخياً، الأمر الذي يساعدها أيضا في الضغط على تركيا، المارد الذي يستيقظ من جديد.
كذلك حصلت فرنسا وألمانيا على قواعد عسكرية في الشمال السوري، وحصل الأردن على منطقة نفوذ داخل الأراضي السورية (عبر جيش سوريا الجديد وبعض الفصائل في الجنوب)، وأصبحت الأراضي السورية مرتعاً لكل أنواع الميليشيات الإرهابية في العالم، من مجاهل أفغانستان حتى غابات الامازون.
أخطر ما في الأمر أن الأسد مستمر في البيع، ولا يمانع في الحصول على المزيد من الدعم مقابل المزيد من التنازلات، ولعل أخر ما قدمه كان دفعة مقدماً لإيران تمثلت في قاعدة بحرية واستثمارات للنفط والغاز والفوسفات ومشغل هواتف خلوية ثالث، إضافة لحزام دمشق بالكامل ومناطق من حلب وحمص والقلمون والحدود السورية اللبنانية، والكثير الكثير الذي لا يعرف عنه وستكشفه الأيام وأي اتفاقية "سلام" مع النظام، ما يجعل الأسد أسوأ رئيس دولة عبر التاريخ البشري.
إعادة الإعمار
تعتبر سوريا دولة مدمرة، وتشبه دولة خارجة من الحرب العالمية الثانية، بكل مقاييس الدمار والانهيار على جميع المستويات، الأمر الذي يعتبر فرصة مذهلة جديدة للأسد ليبيع ويشتري.
فهو الآن جاهز لتقديم عقود إعادة إعمار ضخمة بعشرات مليارات الدولارات، للشركات المختلفة والتي تقف خلفها دول وكيانات سياسية ضاغطة ولوبيات مال وسياسة، مقابل متابعة حكمه لسوريا، وبخاصة بعد نجاحه المنقطع النظير في الترويج لنفسه كمحارب "للإرهاب"، وأنه نظام علماني متناغم مع الغرب الذي يعاني من الهجمة "الإرهابية الأصولية" التي تهدد علمانيته وقيمه "الديموقراطية".

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//