بلدي نيوز – (نور مارتيني)
فيما يحتفل العالم الذي يدعى بـ"المتحضّر"بيوم السلام العالمي، تنعقد في مبنى الأمم المتحدة في "نيويورك" جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع في سوريا، بعد أن أطلق النظام السوري وحلفاؤه الروس رصاصة الرحمة على ما وصفوه سابقاً بأنه اتفاق "الفرصة الأخيرة".
فرعاة الاتفاق أنفسهم اكتشفوا مقدار انفصالهم عن الواقع، من خلال تصريحاتهم تحت قبة مجلس الأمن، حيث قال زير الخارجية الأمريكي في تصريح له: "حين استمعت لتصريحات نظيري الروسي شعرت أنه من عالم آخر"، ما يظهر البون الشاسع بين الرؤية الأمريكية والروسية، وما ينذر بمزيد من الضحايا السوريين الأبرياء، الذين سيقدّمون قرابيناً على مذبح "السلام" المزعوم.
أولى البوادر، تجلّت في وقف الأمم المتحدة لأعمالها في سوريا، فوراً بعد إعلان النظام السوري انتهاء الهدنة، واستهداف قافلة المساعدات الإنسانية، التابعة للهلال الأحمر، من قبل الطيران الروسي، وهو ما نفته روسيا، محاولة إلصاق التهمة بطيران التحالف، وهو ما استنكره وزير الخارجية الأمريكي، موضحاً أنهم عندما يقعون في خطأ ما، يسارعون إلى الاعتذار عنه فوراً، كما حصل معهم عندما اعتذروا للنظام السوري، بعد استهداف قواته في "دير الزور".
أما "البشائر" الأخرى، فتتجلّى بتصاعد العمليات العسكرية في سوريا، وفي محافظة "حلب" على وجه التحديد، حيث أوضح عدد من الناشطين أنهم وثقوا قرابة 100غارة جوية على حلب وريفها، خلال أقل من 12 ساعة، في يوم السلام العالمي، ما يترك الباب مفتوحاً على العديد من التساؤلات حول مصداقية هذه المسمّيات الرّنانة، ومدى التزام الدول دائمة العضوية بفحواها، فالكثير من متابعي المشهد العام في سوريا، اتهموا الأمم المتحدة بالتخلي عن مسؤولياتها تجاه الشعب السوري، وانتصاراً للنظام وآلة القتل التي يديرها مع حلفائه وميليشياته الطائفية، وأنها سلاح يضاف إلى أسلحتهم، من خلال القتل "تجويعاً".
تجدر الإشارة إلى أنّ فرع الهلال الأحمر في "إدلب" علّق مساعداته الإنسانية، على خلفية استهداف قافلة "الهلال الأحمر"، وحول أسباب هذا القرار يوضح مدير فرع الهلال الأحمر السوري في إدلب "مأمون خربوط" قائلاً: "قمنا بإيقاف عملنا نتيجة الاستهداف للقافلة، حدادا ًعلى أرواح الشهداء، وتضامنا ًمع العاملين في المجال الإنساني".. مبرراً قرارهم هذا بأنه "لاحترام الشارة".
وأضاف "خربوط" قائلاً: "ونحن بدورنا، ندين استهداف القافلة الإنسانية والتي كانت ستوزع للفئات الأشد ضعفاً بالمجتمع، وندعو كافة الأطراف لاحترام شارة الهلال، ليتسنى لنا تقديم خدماتنا للفئات الأشدّ ضعفاً"، وختم مدير فرع الهلال الأحمر في إدلب بالقول: "نتمنى لجميع العاملين بالمجال الإنساني التوفيق والسداد، والرحمة على أرواح الشهداء".
حول مفهوم يوم السلام العالمي، يقول الصحفي "غازي دحمان": "رغم كل ما مرت به البشرية من كوارث، لم يصل العالم بعد إلى تكريس أسس متينة للسلام العالمي، وقد كشفت الأحداث في سوريا عن هذه الحقيقة المؤلمة، فبالإضافة إلى اختلاف مفاهيم القوى الدولية حول السلام وطبيعته، كذلك الافتقاد إلى وجو آليات لإرسائه،" ويلفت الصحفي "دحمان" إلى أن "الأمم المتحدة ومجالسها ومنظماتها ليست أدوات قادرة على القيام بهذه المهمة ذاتياً، فهي في النهاية ليست سوى انعكاس لإرادة القوى المقررة فيها، فلم يستطع مجلس الأمن على مدار خمس سنوات من اتخاذ قرار ذو أهمية يوقف نكبة الشعب السوري، كما أن الأمم المتحدة اقتصرت أدوارها على القيام بمهام ديكورية، لم تصل إلى درجة من الفعالية تذكر".
ويؤكّد "دحمان" أن "الانحراف والفساد في بعض مؤسساتها جعلها تقف في الصف الآخر، من خلال ما ثبت عن دعمها لبعض الأذرع المالية لعائلة الأسد. لا شك أن السلام العالمي سيبقى مرهوناً بإرادة القوى الدولية الفاعلة، وشكلت عوامل عدم التوافق على مفاهيم محددة للسلام العالمي وقواعد لتطبيقه، أحد أهم الثغرات والعيوب في مجال صنع السلام العالمي"، ويرى الصحفي "غازي دحمان" أنّه "يمكن تصنيف المرحلة الراهنة بأنها من أسوأ مراحل العمل الدولي المشترك في هذا المجال، حيث يقف العالم شاهد زور على نكبة كبرى تقع على الشعب السوري، دون أن تستطيع كل ادعاءاته في إنقاذ طفل من قصف نيران دولة تدّعي أنها حارسة قيم السلام العالمي".
مفاهيم فضفاضة، تطرحها مؤسسات من المفترض أنها أسست لتشريع قوانين تضبط مسار العدالة في العالم، غير أن ما يجري في سوريا فضح دورها الخفي في تكريس قواعد خاصة بخرق أسس هذه العدالة، على حسابات الشعوب، والانتصار للأقوى.