يوما سن (ترجمة بلدي نيوز)
أعلنت حكومة الولايات المتحدة في 29 من آب في خطوة مثيرة للجدل أن 10،000 لاجئ سوري تم توطينهم في بلادها حتى الآن، بحيث تحقق الهدف المقرر من قبل إدارة أوباما في عام 2016.
وبدعوة هذا الرقم بكونه "أرضيةً، لا سقفاً"، وعد مسؤولو الإدارة باستقبال المزيد من اللاجئين السوريين في المستقبل كموجات صغيرة عقب عملية الفحص الدقيق لمدة عامين.
وعلى الرغم من أن الأرقام متواضعة، خمس من واحد في المئة ممّا يقرب من أكثر من 5 مليون لاجئ سوري، فإن 10.000 هم أفضل بكثير من صفر، كما دعاهم بعض المرشحين خلال حملة الانتخابات الرئاسية.
ولكن نظراً لضخامة وإلحاح الأزمة الإنسانية في سورية، ينبغي أن تكون حصة الولايات المتحدة أكثر من 100،000 في عام 2016 وحده ! فالإبادة الجماعية هي من أخطر الجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، حيث إن الرعب المتفاقم، وغايات النظام السوري في استهداف وقتل مواطنيه على أساس الخلفية العرقية أو الدينية أو السياسية، أثر بشكل مباشر في حركات اللجوء، إذ ووفقاً للمراقبين والصحفيين الدوليين قام نظام بشار الأسد بارتكاب جرائم القتل الجماعي ضد المدنيين باستخدام القنابل البرميل والأسلحة الكيميائية، وتدمير المستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية للمحاصرين منهم، ولذلك يجب أن يكون أمر إيقاف الإبادة الجماعية متصدّراً قائمة الأولويات الأميركية، مهما كان الثمن والتضحية، بعيداً عن مخاوف الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية، فالولايات المتحدة لديها التزام أخلاقي لمنح اللجوء لأولئك ضحايا، وتقديم المساعدات الإنسانية، والقيام بكل ما هو ممكن دبلوماسياً وعسكرياً لوقف آلة القتل.
ولكن أين هو الغضب الأخلاقي؟ أين هو النقاش السياسيّ العامُ والنّشِطُ بشأن أفضل السُّبل للعمل في مواجهة الإبادة الجماعية؟
ففي موسم الحملات الانتخابية والتي تهيمن عليها الهجمات الشخصية وتوافه المشاهير، فإن العديد من وسائل الإعلام تتجاهل إلى حد كبير مصير تلاشي الطوائف الدينية والعرقية في سوريا والعراق، والتي اختارت بدلاً من ذلك تقديم دفق مستمر للأمريكيين من "الأخبار العاجلة" حول أحدث إهانة لترامب أو رسائل كلينتون لترامب.
وفي بعض الأحيان، فإن صورة قوية أو قصة من سوريا ستخترق تلك الضوضاء لتلمس قلوب الجمهور الأميركي، فلقد ذُرِفَت الكثير من الدموع لأجل صورة صبي سوري يبلغ الخمسة أعوام اسمه عمران، وهو يجلس مذهولاً مُدمّاً في سيارة إسعاف في مدينة حلب، لقد أصبح عمران لفترة وجيزة وجه المأساة الإنسانية الجارية في سوريا.
ولكن وكما كتب الدكتور زاهر سحلول لصحيفة الغارديان "إن ذرف الدموع لأجل أولئك الأطفال المصابين في سوريا لا يكفي مطلقاً، إننا نقول بأنها صورة قاسية، ولكن هل ستُتَرجَم هذه المشاعر إلى إجراءات مجدية لحماية هؤلاء الأطفال؟ إنهم ليسوا مُجرّد دُمى لنبكي عليهم ومن ثم ننساهم، وإن هذا لأسوأ شيء يتم فعله، إن الجميع ينظر في هذه الصور، ولكن من يا ترى سيقوم بفعل أي شيء؟".
الطبيب سحلول المتمرّس والذي قام بعشرات البعثات الطبية إلى سوريا، كان قد شهد معاناة لا توصف: "في كل مرة أعمل هناك أعالج الكثير من الأطفال، غالباً ما كانوا مصابين بشكل رهيب، ويؤلمني بعض الأحيان أن أتساءل عمّا إذا كان أولئك الأطفال الناجون أقلّ حظّاً من أولئك الذين لقوا حتفهم".
إذاً، ما الذي يمكننا القيام به لعمران وغيره من 8.4 مليون طفل سوري المتضرّرين جرّاء النزاع في سوريا؟ إن قليلاً منّا يمكنهم الانضمام إلى الدكتور سحلول على الأرض في سوريا (على الرغم من أن عدداً لا بأس به من الأطباء الأمريكيين ومتطوّعي الإغاثة قد فعلوا ذلك بالفعل)، ولكن كل أميركي يستطيع أن يقوم بثلاثة أشياء على الأقل في الوقت الراهن:
أولاً
القيام بالتبرّع، إن العمل الوحيد الأكثر أهمية وضرورة والذي نستطيع القيام به، هو إرسال الأموال إلى أحد المنظمات البطولية التي تمارس عملها في الخطوط الأمامية لإنقاذ الأرواح وإعطاء الملجأ للّاجئين، تلك الجمعيات الخيرية التي حصلت على أعلى تصنيف بتقديمها للإغاثة الإنسانية للسوريين، وتشمل على اللجنة الأمريكية للّاجئين، أطباء بلا حدود، والّلجنة الدولية للإنقاذ.
ثانياً
التحدث بصوت عالٍ لقبول المزيد من اللّاجئين السوريين والتطوع لمساعدة الأسر في إعادة توطينها في الولايات المتحدة، ودعم مساعدات الولايات المتحدة لأصدقائنا وحلفائنا في جميع أنحاء العالم الذين يكافحون من أجل إعادة توطين الملايين من الناس ذوي الموارد المحدودة.
ثالثاً
المساعدة في وضع حدّ للإبادة الجماعية ليصبح الأمر في صدارة جدول الأعمال الوطني، الأمر الذي يتطلب من مرشّحي الرئاسة تقديم خطط دبلوماسية وعسكرية جدّية وشاملة لمعالجة الأزمة في كل من سوريا والعراق.
فالذي ستتذكره أجيال المستقبل طويلاً حول هذه اللحظة من التاريخ، لن يكون الخطاب المُنَمّق حول جدران الحدود، أو حول رسائل البريد الإلكتروني المحذوفة لأحد السياسيين، بل إن الأجيال القادمة ستقوم بتذكّرنا والحكم علينا، بما قمنا أو لم نقم بفعله لوقف الإبادة الجماعية، والنكران المطلق للحرية الدينية.
-تشارلز سي هاينز هو نائب رئيس معهد النيوزيام والمدير المؤسس لمركز الحرية الدينية.