الهافينغتون بوست – (ترجمة بلدي نيوز)
إن الحفلة الدعائية الروسية للموسيقى الكلاسيكية من قبل الموسيقيين العالميين الروس، على مسرح مدينة تدمر، المكان السابق للإعدامات الجماعية، لأعداء تنظيم "الدولة" الإرهابي، والذين قامت بوقت لاحق القوات المدعومة من الروس بإعادة السيطرة عليه في آذار من عام 2015، وتم التهليل له حتى في الغرب على أنه نجاح لروسيا التي لا تهاب تنظيم داعش"، كما ذكرت مورنينغ نيوز في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين قال موقع Spiked Online بأن "الحفل الروسي في تدمر، يكشف ما يفتقر إليه الغرب".
إن الشيء المثير للسخرية حول علاقة وسائل الإعلام الغربية مع الدعاية الروسية، أنها بقدر ما تشجبها عندما تكون موجهة ضد الغرب، فإنها تغفل عنها كلياً، عندما يكون الأمر متعلقاً بسوريا،
في حين ركزت وسائل الإعلام العربية على قصة أخرى بعد بضعة أيام من الحفل، قصة لم تعرها وسائل الإعلام الغربية وبشكل غريب، أي اهتمام على الإطلاق.
وعلى الرغم من الدعم الجوي الروسي الثقيل، قطع تنظيم "الدولة" طريق الإمدادات الرئيسي للقوات الموالية للأسد، الموجودة في مدينة تدمر، وربما مع القوات الروسية في الداخل، بينما كان يطوق المدينة عن قرب، عدا الغرب والجنوب، حيث كان التنظيم يبعد فقط قرابة 10 كيلومترات عن مكان انعقاد الحفل الكلاسيكي نفسه، والسبب في عدم اهتمام وسائل الإعلام الغربية بالتطويق القريب من مدينة تدمر، هو أنه يتناقض مع الرواية السائدة بكون أن التدخل الروسي كان حاسماً في تقرير مصير الحرب.
ولهذا السبب نفسه لم يتم ذكر قصص أخرى مثل سيطرة تنظيم "الدولة" على حقل غاز الشاعر بالقرب من تدمر من أيدي قوات النظام السوري، وأزمة الغذاء الجارية في مناطق سيطرة النظام في العاصمة دمشق وحصارات التجويع التي يفرضها النظام السوري على مناطق المعارضة، والخسائر الفادحة للجنود الإيرانيين والمواقع التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة جنوبي مدينة حلب، لم يتم ذكر أي من ذلك حتى بصورة عابرة مقارنة بأداء الموسيقي الروسي لسيمفونية لباخ وبروكوفييف.
إن حقيقة أن الأسد وروسيا على ما يرام ليست أكثر من قصة معاكسة، ولم تكن دائماً كذلك كما كان الحال في أوائل عام 2014، فمع سيطرة الثوار على المحافظة الإقليمية إدلب، كانت رواية وسائل الإعلام بشكل عام تشير إلى أن زوال الأسد أصبح مؤكداً، وبأن الثوار سينتصرون في الوقت القريب، وهكذا في أوائل عام 2014، كانت الأخبار عن انتكاسات الثوار، وإنجازات النظام أقل أهمية في ذلك الوقت، في حين أن العكس هو الصحيح الآن، فقد قام التدخل الروسي بتغيير تلك الرواية، فالهزيمة في تدمر إن كانت لتحدث، من شأنها أن تغير مرة أخرى الطريقة التي ذُكِرت فيها الحرب في الإعلام الغربي، بتغير شديد بالإشادة من قوة روسيا- إلى الضعف الروسي.
إن الحقيقة هي أن الحروب معقدة، لكن الحرب السورية أكثر تعقيداً من غيرها، إن معظم الشعوب يفضلون الروايات البسيطة القابلة للهضم بسهولة، عن تلك التقارير الأكثر دقة والتي تتّسم بالتعقيد، إن ردة الفعل الأكثر شيوعاً لأولئك الذين لا علاقة لهم مباشرة في الصراع الدموي في سورية هو إغلاق التلفاز وعدم متابعة الاخبار التي باتت معقدة وتعيسة بشكل ممل ، بل والمزعجة في متابعتها.
وفي الواقع، لربما نشهد الآن عدم وجود اهتمام حقيقي من الشعوب بسوريا، بنفس الطريقة ذاتها التي شهدنا فيها انخفاض الاهتمام في العراق في أوساط الجماهير في نهاية تلك الحرب، حيث هناك فقط الكثير من المعاناة المتكررة والضيق، يمكن لأي شخص عادي بأن يشعر بها ويتعاطف معها في البداية، قبل أن تتطور لإرهاق وإجهاد شامل من القصص التي لم تعد تؤثر به مطلقاً.
ولا توجد أي وسيلة تستطيع من خلالها تلخيص الحرب في سوريا ببساطة إلى رواية الخير مقابل الشر، لنشرات الأخبار المسائية أو مقالات الرأي في صحيفة شعبية، إذ لم يبق أحد لم يعاني،
لكن هذا لا يعني بأننا يجب أن نتجنب تغطية الأحداث، أو بأن نصبح غير مبالين وعديمي إحساس لما يحدث في أكبر أزمة تمر على العالم في الوقت الحالي، ولكن ذلك يعني بأن علينا أن نكون أكثر حذراً حول ما يقدمه أي طرف في الصراع من دعاية سياسية وأن نخضعها للتفكير النقدي، إن هذا ينطبق على الحفل في تدمر، كما على تلك الصحف الشعبية أيضاً والتي تقوم بطيش بتقديم دعاية فظائع تنظيم "الدولة" الإرهابي، بهدف كسب القرّاء.
إن الحقيقة معقدة، ولكن هذا لا يعني بأننا يجب أن نشوّه أو نحرف ما يحدث على أرض الواقع، من أجل ترتيبه بطريقة أكثر سهولة وتيسيراً، مقلّبين وجهات نظرنا كل بضعة أشهر، بينما يقوم أحد الأطراف بكسب الزخم على الآخر.
إن من الأفضل والأصح بأن نقوم بتقديم ما يحدث في سورية بدقة وتفصيل، تقديم حقيقة الأزمة حتى وإن لم يكن ذلك مثيراً لاهتمام الجماهير، كما حال التقارير التي تمّ تجميلها وتزيينها، لجعلها أكثر سهولة، إذ أن ذلك يقلل من إمكانية فهم الطبيعة الحقيقية للصراع.