بلدي نيوز – ياسر الأطرش
بدت الأمور تتوضح أكثر فأكثر، أو أن الخارطة السورية قد رُسمت فعلاً، والآن يتم تحديدها على الأرض ورسمها بالنار.
منذ إعلان بدء معركة "تحرير" الرقة، أيام قليلة كانت كفيلة بكشف الكثير، فالمعركة متعددة الأطراف، بهدف واحد، وبمشاركة كل الحلفاء، ضمن غرفة عمليات واحدة.. الأمريكان والروس ووحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية وكثير من العشائر العربية إضافة لتنظيم "لدولة"، كل هؤلاء الآن، يرسمون الحدود الجديدة، بالنار، تنفيذا لاتفاق تم إنجازه سياسياً، فيما يبدو، ونحن السوريين منشغلون بالموت والقوت والبكاء على شهدائنا ورصد حالة البحار وقيمة المساعدات في دول اللجوء، والبحث عن حليف صرنا واثقين من استحالة وجوده.
وحدها تركيا تتألم مثلنا، علينا أو عليها، فالكل خذلها هي الأخرى، بعدما حملوها ما لا تطيق على صعيد اللاجئين وعلى صعيد تنشيط التخريب وإقلاق الأمن الداخلي فيها.
أكثر من إشارة
كثيرة هي الإشارات المتتالية المتسارعة التي تؤكد أن حدود سوريا الجديدة باتت ناجزة، فمن تصريح صالح مسلم عن معركة "تحرير" الرقة، التي تضطلع بها ميلشيات كردية بغية ضمها إلى الفيدرالية كما صرحوا علناً، إلى التكليف الرسمي لهذه الميلشيات من قبل الولايات المتحدة بإعادة احتلال هذه البقعة، إلى تصريحات الخارجية الأمريكية اليوم بأن "وحدات حماية الشعب" ليست إرهابية ولا علاقة لها بحزب العمال الكردستاني، وأنها ستواصل دعمها، إلى انخراط جنود أمريكيين في المعركة بزي الوحدات الكردية، وصولاً إلى تكبيل المعارضة المعتدلة وتهديد الأمن التركي بتنشيط داعش على الحدود شمال حلب واحتلاله مناطق جديدة هناك.. كل هذا يشير بوضوح لا يخفى على أعمى بصر ولا بصيرة، إلى أن الحدود تُرسم، وأن التحاصص قد بدأ، لتقاسم سوريا "المفيدة"، وتخصيص قسم من الصحراء للثوار الذين لن يرضخوا لهذا الحل.
وفي الجانب الآخر من البلاد، تتسلم روسيا وإيران وميلشياتها الطائفية من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان، ومعهم ما تبقى من جيش الأسد، يتسلمون إدارة المعركة في حلب وحماة وحمص ودمشق وريفها وحوران، مع بقاء إدلب وحدها خارج السيطرة لحد الآن، إلا أن بقاءها كذلك، مرتبط حتماً بعدم خنقها بقطع إمدادها مع تركيا. وهذا ما يمكن أن تفعله داعش مستقبلاً.
يحدث هذا بينما يشتغل دي مستورا بلا كلل أو ملل على إعداد "طبخة" سياسية تناسب الحال، ليخرج بقرار دولي ملزم تحت الفصل السابع، يعيد إنتاج نظام الأسد بالمشاركة مع "معارضته" التي أعدَّت في موسكو والقاهرة والداخل.
يحدث هذا أيضاً جراء تسليم "المعارضة المسلحة" رقبتها ورقبة البلاد لمن ظنوه حليفاً، حيث تحرص الولايات المتحدة على تفتيت المفتت، فشرط الدعم ألا يتجاوز عدد التشكيل الواحد 300 عنصر، وألا ينخرطوا في معارك مع النظام، بل ضد "الإرهاب" فقط، ومن قبلوا ذلك ليسوا قلة أبداً..
وكذلك، فالذين يقاتلون دفاعاً عن مبادئهم وحرياتهم وانتمائهم، ليسوا قلة، وإن كانوا متروكين وحدهم في مواجهة قوى الشر مجتمعين.