The New Arab- ترجمة بلدي نيوز
ها نحن نعيد الكَرَّة مرة أخرى، شبح المفاوضات يخيم على سوريا، لقد كشفت الثورة السورية بطرق كثيرة العلاقات القوية القائمة بين إسرائيل ومؤيديها الدوليين ضد فلسطين، ولكن بشكل أكثر زخماً أزاحت الستار عن موت الفلسطينيين البطيء تحت الاحتمال الدائم لعملية السلام.
اليوم يتم تدمير سوريا بشكل سريع من كلا الطرفين على حد سواء أكان ذلك من قبل أعدائها أو من قبل ما يسمى بأصدقائها - كما في مجموعة "أصدقاء سورية" والتي تقودها الولايات المتحدة، حيث المحادثات السياسية عديمة الجدوى، في حين أن مفاوضات السلام تلك تدعو للتشاؤم، حيث أنها لا تكاد تكفي لتقوم بدعوة حقيقية لعملية سلام مزعومة في سوريا المدمرة.
إن النظر إلى أن القوى العظمى لا زالت غير قادرة على التوصل لتوافق على موعد للمفاوضات، يوضح مدى الفوضى التي يغرقون بها، ولكن هذه المسرحية الهزلية هي مجرّد نتيجة لحقيقة أن تلك المفاوضات لم تولد عن رغبة حقيقية لدى اللاعبين الرئيسيين-غير السوريين، (الولايات المتحدة وروسيا وإيران)، برؤية سلام عادل.
تريد الولايات المتحدة ببساطة جر الثورة إلى جانب واحد، فبدل دعم السوريين الذين يقاتلون من أجل نيل حريتهم ضد الأسد وحلفائه، تريدهم راضخين لمصلحة الولايات المتحدة "فقط" في مقاتلة الشر الأقل وطأة بالنسبة لهم وهو تنظيم "داعش" وترك الأسد.
وبالنسبة لكل من إيران وروسيا، فإن الحسابات بسيطة، ليس هنالك من خسارة على الإطلاق بالنسبة لهم إن شاركوا بهذه المفاوضات، لقد كان التدخل الروسي فعالاً بوحشية، بحيث قام بإرسال رسالة إلى الثوار ومؤيديهم بأن موسكو ستقوم باستخدام القوة العسكرية الصريحة للتأكد من أن التفوق العددي لقوات الثوار لن يستطيع تهديد الوجود البعثي، ومع ذلك فقد ثبت بأن النظام الأسدي وحتى مع التدخل الروسي، بالإضافة لتدخل القوات الإيرانية على أرض المعارك الضخم ، والذي يتضمن ما لا يقل عن نصف القوات المتحالفة مع النظام، لم يكن للأسد أي فرصة أبداً في تحقيق النصر العسكري الشامل على قوات الثوار.
وقد يعتقد المرء أن طريق النظام أصبح مسدوداً وبأنه في ورطة، وبالتالي المضيّ قدماً لإلقاء نظرة على الوضع العام، كما لو كان الثوار والنظام على قدم المساواة- ولكن للأسف، هذا ليس هو الحال على الأرض. فالحقيقة هي أنه نظراً لقدرة الأسد على الاعتماد على الموارد والدعم الخارجي والتدخل العسكري المباشر من قوة إمبريالية مثل روسيا وقوة "شبه إمبريالية" كإيران، فهو قادر على البقاء وبشكل مريح على الـ 25 % من الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرته، في حين يستخدم بكثافة وحشية غارات سلاح الجو، جاعلاً من حياة السوريين الذين يعيشون في بقية الأراضي السورية الخارجة عن سيطرته حياة جحيمية.
لا يمكن القول عن الحرب في سوريا بأنها حرب استنزاف، إذ يصح القول بأنها حرب إبادة تدريجية ضد الشعب الأعزل، حيث أن محصلة القتلى والنازحين وأزمة اللاجئين تشهد بذلك، وليس هنالك من سلام في أي مكان، حتى بالقرب من معاقل الأسد، فكل من إيران أو روسيا تقومان بعرقلة المفاوضات جاعلين من فرصة المحادثات الحقيقية مهمة مستحيلة وذلك باستمرار مطالبتهم بأن الأسد يجب أن يبقى رئيساً للبلاد.
وخلال هدنة "وقف إطلاق النار" والذي احتفى به السيد جون كيري بشكل كبير، قام كل من الأسد وروسيا بشن واحدة من أعنف وأشرس حملات الغارات الجوية طويلة الأمد على مدينة حلب الحرة، بحجة استهدافهم لمواقع جبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وفي الواقع، كان الثوار السوريون والذين يسيطرون على أكثر أحياء المدينة، هم المستهدفون حينها.
وإن كان هنالك من ما زال يشكك في مواقف الولايات المتحدة من كل هذا، سيفهم تورطها في أول رد فعل لها على الغارات الجوية على مدينة حلب، داعمة وبشدة تلك الغارات الروسية، وذلك من خلال متحدث أخذ يكرّر الأكاذيب بأن تنظيم القاعدة يسيطر على أكثر أحياء المدينة، تصريح كان الأمريكيون قد تراجعوا عنه في وقت لاحق وذلك بعد ضجة حول حقيقة هذه السخافة، لكن روسيا بدت مدعومة بمثل هذا الإقرار، إلى حد ما جعلها الآن تقوم بدعوة الأمريكيين للقيام بشن هجوم روسي-أمريكي مشترك على ما أطلقوا عليه "الجماعات الإرهابية" في سوريا.
ولكن زلة الولايات المتحدة تلك لم تكن عن طريق الخطأ، إذ أنها تقوم بلعب لعبة، تحاول فيها الحفاظ على حلفائها في كل من السعودية وتركيا وقطر إلى جانبها، تلك الدول الثلاث الوحيدة المتبقية والتي تدعم الثوار، في حين أن واشنطن، بسبب وجهة نظرها في سوريا، والمتمحورة حول تنظيم "داعش"، تميل نحو روسيا وإيران ونظام الأسد من خلال التنحي وترك المجال كاملاً للقوات الحكومية ضد الثورة الشعبية غير المنظمة.
إن الولايات المتحدة تتحدث في المقام الأول عن لغة المصالح الذاتية، السلطة و"الاستقرار" بينما تتحدث الثورة المضادة في سوريا (وغيرها) باللغة نفسها.
وهذا هو بالضبط ما يكمن وراء المفاوضات في سوريا، ففي حين تدّعي الولايات المتحدة بأنها تسعى لدفع الأسد للتنحي عن السلطة، كشرط مسبق أو كنتيجة للمفاوضات، كانت قد صرحت في وقت سابق بالعكس تماماً، إن لهجتها ستبقى فارغة تماماً وجوفاء إذا ما استمرت في رفض دعم الثوار في أي معنى يتخطى التصريحات، وذلك بإعطاء بضعة ألوية منهم بعض الأسلحة الخفيفة، وذلك قبل أن ينتهي بها المطاف باتباع سياسة كارثية فقط بتسليح أولئك الثوار الذين يقاتلون تنظيم "داعش" فقط. في حين أنها تواصل التأكد من أن قوات الثوار لن يتم منحهم الفرصة حتى للدفاع المشروع عن أنفسهم من التهديد الجوي للأسد وروسيا، من خلال فرض حظر عليهم، بتلقي الأسلحة المضادة للطائرات.
إن انتقاد الولايات المتحدة بشأن هذه المفاوضات، لا يعني فقط بأن واشنطن مجرد طرف محايد، بل هي طرف أساسي يكبّل أيدي الثوار السوريين وراء ظهورهم.
لطالما يعلم الأسد وإيران وروسيا بأن الثوار يفتقرون إلى الدعم الدولي، لن يقوموا بتقديم أي حوافز حقيقية للتفاوض من شأنها أن ترضي الثوار، وهذا من شأنه أن يسمح لهم بالتغلب دبلوماسياً على الحواجز التي منعت الثورة السورية من أخذ مجراها الطبيعي، بل إنهم يستطيعون الآن أن يأملوا باستخدام الولايات المتحدة في الضغط على الثوار، لقبول السلام "غير العادل "، في حين نعلم ماذا يعني "السلام" لكل من الأسد وإيران وروسيا، أولئك الذين قاموا بقتل مئات المدنيين في شهر واحد فقط من "وقف إطلاق النار"، وضرب مخيمات اللاجئين وتدمير المستشفيات مخلّفين مئات الضحايا والكثير من الأنقاض.
إن حلفاء الأسد يريدون أن يقوم الثوار بتوقيع مذكرة إعدامهم، وإن رفض الثوار ذلك، فإن النظام الدموي وحلفائه، سيستمرون في العملية الباطشة كالمعتاد، ولكن هذه المرة سترافقهم أبواقهم الإعلامية، المستعدة للافتراء على الثوار بـوصفهم "رافضي السلام" والإشارة إلى أنصار الثورة بـ"دعاة الحرب". إنها لغة الأسد وحلفائه في "سلمية" براميلهم المتفجرة وقذائفهم المتساقطة.
لسوء حظ السوريين، فإن السيناريو الكابوسي قد تحكم بمصائرهم، فالعالم يهتم أكثر بتنظيم "داعش" حيث أن وجوده يشكل تهديداً لعالمهم "المتحضر" كما يقولون، بينما كارثة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الأفجع لهذا القرن والتي يقودها الأسد، والتي حلت ببلاد عظيمة تم تنحيتها كلياً عن منظورهم. وقبل العالم بشكل أو بآخر وبصورة غريبة أن الأسد أقل شراً من تنظيم "داعش"، واعتبروه" شراً لا بد منه."
من خلال الطريقة التي سمحت بها كل من إيران وروسيا للأسد بأن يبقى متشبثاً بالسلطة، فإن العالم اعتبر أن الثوار والأسد هما طرفان متساويان في حرب أهلية داخلية، وعوضاً عن الدعم والقتال في خندق واحد مع الثوار لتحقيق أهداف الثورة الشعبية ضد الطغيان الذي دمر البلاد كلها للحفاظ على سلطته الغير شرعية...أعطى العالم الضوء الأخضر لنظام الأسد الدموي، ولمرة أخرى، وقف مع القوة الباطشة الغاشمة ضد المظلومين.