بلدي نيوز - (فراس عز الدين)
مقدمة:
يجمع المحللون وخبراء اﻻقتصاد على أنّ عالم ما قبل "كورونا" مختلف عما بعده، والتداعيات ستفرض تغيرات جذرية على المجتمع الدولي في حال استمرار انتشار الوباء.
وتشير المعطيات إلى أن "كورونا" بات نقطة فارقة بين حقبتين، من الحرب العالمية الثانية إلى انهيار جدار برلين، وصولا إلى تداعي وتفكك المعسكر الاشتراكي إلى حقبة ما بعد "كورونا"، ويعنينا في هذا المقام بحث أثر "كورونا" على الملف السوري، لاسيما من الناحية العسكرية وتداعياته في حال نفذ النظام هجوما يستعيد فيه السيطرة على الشمال المحرر.
أثر كورونا على روسيا
تؤكد المعلومات أنّ فيروس "كورونا" يكبد روسيا مليار روبل يوميا، نظرا لطبيعة العلاقات الاقتصادية مع الصين "بؤرة المرض"، وحجم التبادل التجاري بينهما، إضافةً لعوامل أخرى.
وعلى الطرف المقابل؛ من المتوقع أن ينخفض حجم استهلاك النفط هذا العام مقارنة بالعام الفائت، وبالتالي التأثير على الأسعار وعلى مداخيل روسيا.
وأجمع تسعة من كبار المحللين في بنوك ومؤسسات مالية روسية كبرى على أن الفيروس سيؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي بمعدل لا يزيد عن 0.11 نقطة، وأن الأسعار سترتفع بمعدل 3.53 في المائة فقط، وفق صحيفة "إزفيستيا" الروسية.
المستنقع السوري
روسيا لم تتأثر فقط بـ كوفيد - 19 بل إنّ تداعياتٍ أخرى تأخذ بعين اﻻعتبار في دراسة سيناريوهات الملف السوري بالتحديد، من جملتها "حجم اﻹنفاق، والفاتورة" التي سددتها موسكو للحفاظ على بقاء "اﻷسد" في السلطة.
ويمكن القول أن الوضع اﻻقصتادي ازداد حرجا إبان التدخل العسكري في سوريا لصالح اﻷسد، لاسيما وأنها تأثرت أيضاً بالعقوبات الثنائية الأمريكية والأوروبية على خلفيّة احتلالها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، على اعتبار أن الاقتصاد الروسي يعتمد بشكل رئيس على السوق الأوروبية.
اﻹنفاق الروسي على الحرب في سوريا
ويقدر المعهد البريطاني للدفاع "أي.إتش.إس جينز" في تقرير أصدره بتاريخ 26 تشرين اﻷول/أكتوبر 2015 ونشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، وتحديدا بعد أقل من شهر على بدء الطلعات الجوية الروسية في السماء السورية، فإن موسكو أنفقت ما بين 2.3 مليون دولار و4 ملايين دولار يومياً على عملياتها العسكرية في سوريا.
وكانت نشرت مجلة "جينز" العسكرية البريطانية دراسة في ذات الشهر من العام 2015، قدّرت فيها الإنفاق اليومي على عمليات موسكو العسكرية في سوريا بـ 2.4 مليون دولار إلى 4 ملايين دولار.
وتشير الدراسة أنها شملت الإنفاق على الأسلحة والصواريخ والقنابل المستخدمة في القصف، إضافة إلى الخدمات التقنية وصيانة المعدّات المشاركة في العمليات، ونفقات المورد البشري.
وقدّرت الدراسة تكلفة عمل الطائرة الحربية الروسية في الساعة الواحدة بقرابة 12 ألف دولار، وانتهت الدراسة إلى أن روسيا تنفق قرابة 440 ألف دولار على الرواتب الشهرية والمكافآت للضباط الروس العاملين في قاعدة "حميميم" في سوريا، بما فيها الطعام وخدمات أخرى.
كما قدّرت ذات الدراسة تكلفة الصاروخ الواحد الذي تطلقه السفن الروسية باتجاه سوريا بـ 1.2 مليون دولار.
وكشفت صحيفة "جازيتا" الروسية في 9 كانون الثاني/ يناير 2016، في تقديرات جديدة لتكلفة الحملة العسكرية الروسية، انتهت إلى أنّ موسكو أنفقت 4 ملايين دولار يومياً منذ 30 أيلول /سبتمبر 2015 وحتى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام.
وكان أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 17 آذار/مارس 2016، أن تكلفة عمليات بلاده في سوريا بلغت 478 مليون دولار، وخلصت دراسة شاملة لموقع "الخليج أون ﻻين" بناءً على تلك المعطيات، أن التكلفة اليومية للعملية العسكرية بعد 167 يوما من انطلاقها بلغت قرابة 2.87 مليون دولار.
وقالت مؤسّسة (IHS) الدولية وتعدّ مصدراً مهمّاً للمعلومات والتوقّعات العالمية في تقرير نشرته بتاريخ 18 أيار/ مايو 2016، إن تكاليف مشاركة روسيا في الحرب السورية اقتربت من 700 مليون دولار، خلال الـ 167 يوما الأولى من العمليات العسكرية، ما يعني أن النفقات الروسية اليومية على الحرب تبلغ نحو 4 ملايين دولار.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
ومن السيناريوهات المتوقعة إحجام روسيا عن التدخل نتيجة الظرف الراهن، أو التعافي وبالتالي العودة إلى سيناريو الهجوم والدعم، فقد أوردت الصحيفة ذاتها أن قدرة العالم على احتواء هذا الفيروس هو الذي سيحدد حجم الخسائر الاقتصادية، وانطلاقا من ذلك يمكن تحديد شكل المرحلة المقبلة، إﻻ أنها على اﻷرجح في الوقت الراهن متوقفة حتى تتضح الكثير من اﻷمور.
الدور الإيراني في ظل "كورونا"
تشير تقارير إلى أنّ إيران اليوم تشكل نقطة الضعف العالمي، وصّدرت المرض إلى العراق ولبنان ومناطق سيطرة اﻷسد عبر ميليشياتها، ورغم أنها تحاول الحشد على جبهات إدلب والشمال المحرر، إﻻ أن الواقع اﻻقتصادي داخل إيران وسرعة تفشي الوباء، باﻹضافة إلى نداء اﻻستغاثة الذي أطلقه وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، لنجدة بلاده من الفيروس، ينفي قدرتها على الدخول في صراع جديد، فضلا عن كشف الكثير من التقارير اﻷممية ضعف قدرات إيران الطبية.
وهذا يؤكد أن إيران حليفة اﻷسد داخلة ضمن معادلة المواجهة المباشرة مع "كورونا"، وليست بمنأى عنه بل من أبرز المتضررين.
من يساعد اﻷسد؟
الحقيقة أنّ ملف إدلب والشمال السوري مرتبط باستعادة تلك الدول عافيتها، واﻷولويات تفرض عليها التريث، لكن لا يعني بحالٍ من اﻷحوال الركون إلى ترك الشمال في يد "المعارضة".
ويمكن قياس أي مساعدة إلى نظام اﻷسد سواء مالية أو عسكرية، بقدرة حلفائه على الشفاء من فيروس "كورونا"، وتؤكد التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المختصة أنّ "الترياق" قد ﻻ يكون متاحا إلا في العام القادم 2021.
والدعوات اﻷممية لرفع العقوبات عن اﻷسد ونظامه باتت مكشوفةً وعملية مناورة لتخليصه من الغرق، لكن ﻻ توجد مؤشرات لقبول واشنطن بالعرض اﻷممي الذي يمكن تسميته "كورونا النظام الدولي"، ربما ﻷنه أشبه بالفيروس الذي لم يميز بين الجلاد والضحية.
تفاهمات سياسية بعيدا عن "كورونا"
على الصعيد السياسي المقترن باﻷجواء المعقدة اقتصاديا بسبب جائحة "كورونا"، ﻻ يبدو اﻷمر مختلفا رغم أنّ اﻷطماع قائمة لدى جميع الشركاء واللاعبين الكبار في الملف السوري بوجه عام، وهو ما يبقي الملف طي الكتمان ريثما تتضح بعض اﻷمور، وهذا ما يرجحه مقال في صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الذي يشير لوجود تفاهمات معينة على اقتسام الكعكة إلى مناطق نفوذ.
وجاء في مقال الصحيفة الروسية، أنه رغم المواجهات العسكرية في منطقة إدلب لخفض التصعيد، فقد حافظت موسكو وأنقرة على علاقة صحية.
ولفت المقال إلى انعطاف موسكو وأنقرة الحاد من حالة المواجهة إلى التفاهم المتبادل، ونوهت إلى إدراك الطرفين ماوصفته بـ "تساوي القوى" السائد في المنطقة، إضافةً لعدم جدوى المواجهة المسلحة، وتوقف إيران التي تدعم بشار الأسد عن النشاط العسكري. حسب الصحيفة.
خلاصة
شركاء النظام يعيشون أزمة "كورونا" على المستوى اﻻقتصادي وتأخير سيناريو السيطرة على كامل الشمال ليس متوقفا، ربما جرى تأجيله، والراجح العمل على فتح الطرقات الدولية ﻹنعاش الميت سريريا في غرفة العناية المركزة، عبر اﻷدوات السياسية والجراحة الصغرى، بدﻻ من العمليات الجراحية الكبرى.