ما هو ملجأ الأوروبيين الآمن خلال الحرب العالمية الثانية؟ - It's Over 9000!

ما هو ملجأ الأوروبيين الآمن خلال الحرب العالمية الثانية؟

PRI International - ترجمة بلدي نيوز
منذ اندلاع الحرب في سوريا منذ خمس سنوات، سعى ملايين اللاجئين السوريين نحو الملاذ الآمن في أوروبا براً وبحراً عبر تركيّا والبحر المتوسط، و كان اللاجئون يعبرون هذه المعابر نفسها قبل 70 عاماً، لكنهم لم يكونوا حينها سوريين، بل أوربيين اتخذوا الاتجاه المعاكس في ذروة الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت إدارة الإغاثة واللاجئين في الشرق الأوسط (MERRA)، تدير مخيمات في سوريا ومصر وفلسطين حيث لجأ عشرات الآلاف من المدنيين من مختلف أنحاء أوروبا هرباً من الحرب الدامية .

 (MERRA) هي جزء من شبكة متنامية من مخيمات اللاجئين، تنتشر في جميع أنحاء العالم، حيث كانت تعمل ضمن مساع مشتركة من قبل الحكومات الوطنية، والمسؤولين العسكريين ومنظمات الإغاثة المحلية والدولية، ومجموعة الرعاية الاجتماعية بما في ذلك خدمة الهجرة الدولية، والصليب الأحمر، ومؤسسة الشرق الأدنى وصندوق إنقاذ الأطفال. وهكذا اجتمعت هذه المنّظمات لمساعدة (MERRA)، في حين انضمّت إليهم الأمم المتّحدة لإدارة تلك المخيمات.
ويوفّر سجل المحفوظات، معلومات محدودة عن التركيبة السكانية حينها لمخيمات لاجئي الحرب العالمية الثانية في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك فإن المعلومات المتوفّرة، تُظهر بأن مسؤولي المخيمات كانوا قد توقّعوا بأن تلك المخيمات ستأوي المزيد من اللاجئين مع مرور الوقت. كما أن المعلومات الجغرافية عن مواقع المخيمات، تأتي من سجلات الخدمة الاجتماعية الدولية، وسجلات الفروع الأمريكية، في أرشيف تاريخ الرعاية الاجتماعية في جامعة مينيسوتا.
في أذار عام 1944، كان المسؤولون الذين عملوا لحساب منظّمة (MERRA) ودائرة الهجرة الدولية، والتّي أصبحت تسمّى فيما بعد (الخدمة الاجتماعية الدولية) قد أصدروا تقاريراً عن مخيّمات اللاجئين تلك، تهدف فيها إلى تحسين الظروف المعيشيّة هناك.
هذه التقارير توفّر نافذةً وثائقيّة، على الحياة اليوميّة للّاجئين الأوروبيين، القادمين بشكل رئيسيّ من بلغاريا وكرواتيا واليونان وتركيا ويوغوسلافيا، والذين كانوا قد اضطّروا إلى التكيّف مع الحياة داخل مخيّمات اللّاجئين في الشرق الأوسط، خلال الحرب العالمية الثانية.
حيث وبمجرّد وصول اللاجئين إلى أحد المخيّمات العديدة في مصر وفلسطين وسوريا، كان على اللاجئين أولاً التسجيل لدى مسؤولي المخيم والحصول على بطاقات هوية صادرة عن المخيم. والتي يتوجّب عليهم حملها طوال الوقت، حيث كانت تتضمّن هذه الهويات معلومات تحتوي على اسم اللاجئ، ورقم تعريف مخيّمه، كما ومعلومات عن تاريخه التعليمي والعملي، كذلك عن أي مهارات خاصة لديه.
و حافظ مسؤولو المخيّم على السجّلات التي كان مسجّلاً فيها رقم الهوية والاسم الكامل والجنس والحالة الاجتماعية، والمهنة ورقم جواز السفر، والتعليقات الخاصة، وبالتأكيد تاريخ وصوله - وأخيراً، تاريخ مغادرته.
وتوثق المحفوظات، أن الوافدين الجدد كانوا يأخذون مباشرة إلى الفحص الطبي الشامل، حيث يتجهون حينها نحو ما كان يشبه المرافق المؤقتة للمستشفى، والتي عادة ما كانت خياماً، ولكن أحياناً كانت تستخدم المباني الفارغة في أغراض الرعاية الطبية، حيث ينزعون ملابسهم وأحذيتهم، ويتمّ غسلهم حتى يتم الوثوق في أنهم قد عُقِّموا بما فيه الكفاية. بل أن بعض اللاجئين كاليونانيين، والذين وصلوا إلى مخيم حلب من جزر دوديكانيز في عام 1944 كادت الفحوصات الطبية أن تصبح جزءاً من روتين حياتهم اليومية، حيث حرص مسؤولو المخيّم على أنهم بصحة جيدة، بما فيه الكفاية للانضمام إلى بقية المخيّم، وكان يتم تقسيم اللاجئين إلى أماكن المعيشة الخاصة بهم، حيث كان يوجد قسم للعائلات ، قسم للأطفال الذين لا يرافقهم أحد، قسم للرجال العازبين، والنساء العازبات.
وما إن يتم تخصيص القسم المعين للاجئين في المخيّم، يستطيعون حينها التمتّع بفرص الخروج، وأحياناً كانوا قادرين على الذهاب في نزهات تحت إشراف مسؤولي المخيم.
فعلى سبيل المثال، عند قيام اللاجئين في مخيم حلب، بنزهة قصيرة إلى مركز المدينة، يستطيعون زيارة المحلات التجارية لشراء اللوازم الأساسية، مشاهدة فيلم في السينما المحلية، للحصول على تسلية من رتابة الحياة في المخيمات.

وعلى الرغم من أنّ مخيّم بئر موسى، كان يقع على أكثر من 100 فدان من الصحراء، حيث لم يكن على مسافة قريبة من المدينة، تمّ السماح للاجئين بقضاء بعض الوقت كل يوم في الاستحمام في البحر الأحمر القريب من المخيّم.
وبطبيعة الحال، فقد كان الطعام جزءا أساسياً من الحياة اليومية للاجئين. فاللاجئون في مخيمات MERRA خلال الحرب العالمية الثانية عادة ما يحصلون على نصف جزء من حصص الجيش كل يوم، كما كان قد صرّح مسؤولون حينها، بأنه عند توفر الإمكانية، ستكون الحصص متكاملة من الأطعمة التي تعكس العادات الوطنية اللاجئين وممارساتهم الدينية.
أولئك الذين كانوا محظوظين كفاية للحصول على بعض المال، استطاعوا شراء الفول، والزيتون، والزيت، والفواكه، والشاي والقهوة والمواد الغذائية الأخرى من المقاصف في المخيم أو أثناء زياراتهم إلى المتاجر المحلية، حيث بالإضافة إلى المواد الغذائية استطاعوا شراء الصابون وشفرات الحلاقة، وأقلام الرصاص والورق والطوابع وغيرها من المواد.
المخيمات التي لم يكن فيها ضغط، كانت قادرة على توفير غرف للاجئين لإعداد وجبات الطعام. ففي حلب، على سبيل المثال، كان قد تم تخصيص غرفة في مخيم للنساء لجمع وإعداد المعكرونة مع الطحين الذي يقدم إليهم من مسؤولي المخيم. البعض، وليس جميع المخيّمات، طلبت من اللاجئين العمل، في حلب، وتم تشجيع اللاجئين، بدون إلزام، للعمل كطهاة وعمّال نظافة وإسكافيين.
لم يكن العمل إلزاميا أبداً في مخيم النصيرات، ولكن مسؤولي المخيم كانوا يحاولون خلق فرص للاجئين لاستخدام مهاراتهم في النجارة والدهان وصناعة الأحذية وغزل الصوف، وذلك لينشغلوا في العمل، وكسب القليل من الدخل من اللاجئين الآخرين الذين كانوا يستطيعون تحمل نفقاتهم الشخصية.
وفي الوقت نفسه، في بئر موسى، كل يطلب من اللاجئين الذين كانوا أصحّاءً جسدياً، العمل في مجموعة متنوعة من المهن، فمعظمهم عملوا حينها كأصحاب متاجر، عمال نظافة، خيّاطين، بنّائين، نجّارين وسبّاكين. في حين أنه "وبشكل استثنائي" كان الأشخاص المؤهلين قد شغلوا منصب معلّمي مدارس، أو رؤساء عمّال، في حين قامت النساء بأعمال منزلية إضافية، مثل الخياطة، وغسل الملابس، وإعداد الطعام.
بعض المخيمات كانت حتى قد أتاحت الفرص للاجئين لتلقّي التدريب المهني، ففي الشّط وبئر موسى، كان موظفو المستشفى قلائل حينها، الأمر الذي ضاعف برامج التدريب التمريضيّة في المخيمات، للاجئين من يوغوسلافيا واليونان وكذلك للسكان المحليين على حد سواء.
وفي مقالة لمجلة الأمريكية خاصة بالتمريض، وكذلك في العديد من التقارير التي أصدرت من دائرة الهجرة الدولية، كانت قد لاحظت ممرضة بارزة "مارغريت آرنشتاين" بأن الطلاب في تلك البرامج كانوا يدرسون التمريض العملي، وعلم التشريح، وعلم وظائف الأعضاء، والإسعافات الأولية، والتوليد، وطب الأطفال، بالإضافة إلى القواعد واللوائح العسكرية التي كانت تنظم تلك المخيمات، في حين أن معظمهم لم يكن لديه التعليم الرسمي ما بعد المدرسة الثانوية، ولاحظت آرنشتاين، بأن المنهاج التمريضي كان يدرّس "بعبارات بسيطة" في حين كانت تعطى الأولويّة للتجربة العملية على النظرية والمصطلحات.

إن إدارة برنامج تأهيل الكادر التمريضي كانت تحرص على أن المتدربين في نهاية التدريب سيتمكنون من الحصول على ترخيص رسمي، يمكّنهم من ممارسة التمريض بعد مغادرتهم للمخيّمات، وفي ذلك الوقت، كان طلاب التمريض في مخيمات اللاجئين، قادرون على علاج المرضى، لأنهم كانوا "ممرضي طوارئ" يعملون بالضرورة أثناء الحرب.
كما اتّفق مسؤولو (MERRA) على أنه من الأفضل للأطفال في مخيمات اللاجئين بأن يكون لهم روتين اعتيادي، في حين كان التعليم جزءا أساسياً من ذلك الروتين، فبالنسبة للجزء الأكبر، كانت الفصول الدراسية في مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط تحتوي على عدد قليل جداً من المعلمين مقابل أعداداً كبيرة من الطلاب، كما كانت تفتقر إلى المستلزمات الكافية، وتعاني من الاكتظاظ.
ولكن ليس كل المخيمات كانت مضغوطة بهذا الشكل، حيث أنه في مخيم النصيرات على سبيل المثال، قام لاجئ والذي كان فنّاناً، برسم العديد من اللوحات ومن ثم تعليقها في جميع أنحاء روضة أطفال داخل المخيم، جاعلاً بذلك الفصول الدراسية "مشرقة ومبهجة"، كما أن الأشخاص ميسورو الحال في المنطقة، قاموا بالتبرّع بالألعاب والدمى إلى الرّوضة.

وفي الوقت الذي لم يكن اللاجئون فيه يعملون أو يذهبون إلى الدراسة، كانوا يستمتعون بوقتهم في الأنشطة الترفيهية المختلفة، فيلعب الرجال كرة اليد وكرة القدم، ويتبادلون الأحاديث الاجتماعية و يدخنون السجائر، وأحيانا قاموا باحتساء الجعة والنبيذ، إذا ما كانت متوفرة في المقاصف داخل المخيم.
بعض المخيمات كانت توفّر الملاعب والأراجيح وكذلك منزلقات اللعب، حيث تمكن الأطفال أن يستمتعوا بوقتهم، كما استضاف مسؤولو المخيم بالتنظيم مع السلطات المحلية، والعاملين في الصليب الأحمر حفلات راقصة، والتي قامت بأداء عروض فنّيّةٍ لسكان المخيم.
وفي حين حصل الأوروبيون، الذين كانوا قد فرّوا من ويلات الحرب سابقاً إلى مخيمات اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط على أقرب ما يمكن من الحياة الطبيعية، فإن اللاجئين السوريين اليوم، والذين كانوا قد أداروا سابقاً مخيمات للاجئين الأوربيين في بلادهم، يطالبون بردّ الجميل، والذي كانوا قد قدّموه من قبل.
فوفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاّجئين، هنالك ما يقارب 500،000 شخص سوري، مسجّل كلاجئ في مخيمات اللجوء اليوم. في حين كان قد نزح ما يقارب من خمسة ملايين شخص بسبب الصراع هناك.
أنتجت هذه القصة بمساعدة من لينيا أندرسون، أمينة قسم أرشيف تاريخ الرعاية الاجتماعية في جامعة مينيسوتا، والتي قد وفّرت وصولاً خاصاً وإذناً باستنساخ سجلات الخدمة الاجتماعية الدولية والفروع الأميركية، هذه السجلات التي تشكّل أساساً وثائقياً عن سجلّات حياة اللاجئين.
تم إنتاج هذا التقرير بالتعاون مع مركز بحوث تاريخ الهجرة في جامعة مينيسوتا.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//