بلدي نيوز – راني جابر (محلل عسكري)
أصداء حرب أوكرانيا التي أشعلها بوتين تتردد الآن بوضوح في سوريا، فالجيش الروسي الذي دخل بشكل مستتر إلى أوكرانيا واستطاع اقتطاع جزء كبير منها، شمل القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا الذي تدعي روسيا أن فيه كتلة سكانية مرتبطة بها "تعاني الاضطهاد" ما دفعها للتدخل لحمايتها، يسعى الآن لاقتطاع جزء من سوريا لكن هذه المرة بعد تهجير أهلها وتوطين ميليشيا مكونة من الأفغان والإيرانيين مكانهم.
فروسيا التي دعمت انفصاليي أوكرانيا بكم كبير من الأسلحة والدعم المختلف الأنواع سواء بالأسلحة الفردية أو الثقيلة، أرسلت الكثير من جنودها للقتال مع الانفصاليين بدون أن تعلن عن ذلك صراحة، وبدون أن يحمل الجنود شاراتهم العسكرية أو ما يدل على وحداتهم التي يتبعون إليها بشكل صريح، فهي غير قادرة على دخول الحرب بشكل علني ضد أوكرانيا، التي تعتبر بوابة أوربا والجدار الأخير قبل الدخول في مواجهة مباشرة مع حلف الناتو، فعملية إنشاء امتداد استراتيجي داخل أوربا يسمح بتهديد أكبر ضد مكونات الدرع الصاروخي الغربي تعتبر أحد العوامل المهمة في التدخل الروسي في أوكرانيا، في حين تعتبر شواطئ المتوسط والثروة النفطية في الشرق الأوسط ككل، والبعد الاستراتيجي للمنطقة ضد تركيا الناهضة، والتي تشكل خطراً استراتيجياً هائلاً على روسيا من أسباب التدخل الروسي في سوريا.
توقف القتال في أوكرانيا دفع روسيا للاستفادة من جنودها الذين حصلوا على خبرة عسكرية ميدانية في معارك ضد الجيش الأوكراني "المسلح جيداً"، وذلك بإرسالهم إلى سوريا للقتال ضد الثوار الذين امتلكوا خبرة هائلة في القتال ضد وحدات تفوقهم في العدد والقدرة النارية والدعم الجوي.
حيث ظهر هؤلاء الجنود الروس الذين كانوا في أوكرانيا بصفة "متطوعين" يقاتلون بصفتهم مواطنين روس أو أوكرانيين أو عسكريين "سابقين"، لكن ما تظهره الصور التي بدأ الجنود الروس بنشرها من سوريا يظهر حقيقة أخرى.
"المتطوعون" ذاتهم الذين كانوا يقاتلون في أوكرانيا ظهروا في الكثير من الصور التي نشرت من سوريا و بالأخص من منطقة تدمر وحميميم.
فعلى الرغم من انتشار وحدات مختلفة للجيش الروسي في سوريا، لكن الوحدات التي خدمت في أوكرانيا بشكل مخفي هي التي شاركت في أهم معارك النظام في سوريا و تحديداً معركة تدمر.
فبناء على ما نشره موقع "نابالم" المهتم بتحليل المعلومات حول التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وسوريا، فقد نشرت روسيا في سوريا أجزاء من بعض الوحدات العسكرية (تشمل وحدة المدفعية من اللواء 120 مستقل، و أجزاء من لواء 61 (مشاة بحرية) واللواء 21 واللواء 28 واللواء 74 واللواء 34 واللواء 336 واللواء 810).
لكن منذ بدأ التدخل الروسي في سوريا لم تحدث معارك برية بضخامة معركة تدمر، فبيئتها المميزة والمقاومة الشرسة المتوقعة فيها دفع الروس لاختيار أكثر وحداتهم خبرة من بين ما يمتلكون في سوريا، وهو اللواء 61 الذي حارب عناصره قبلاً في أوكرانيا.
فهذه الوحدة لديها خبرة قتالية لمدة عامين تقريباً في أوكرانيا، وشاركت في العمليات التي تسببت بعمليات تهجير ونزوح لعدد كبير من الاوكرانيين "غير الموالين لروسيا"، فقد نجم عن الحرب في شرقي أوكرانيا اقتطاع أجزاء منها ضم بعضها لروسيا كالقرم الذي تسكنه أقلية "التتار" والذي أجري فيه استفتاء شكلي على انضمامه الى روسيا، لا يختلف كثيراً عن أي استفتاء يجرى في ظل نظام الأسد.
القوات الروسية ذاتها التي دخلت إلى أوكرانيا بحجة "حماية الروس" هناك، تعمل الآن في سوريا ودخلت لحماية النظام، وتساهم مرة أخرى في اقتطاع أجزاء من سوريا حسب حاجتها، لكن بشكل واضح وصريح وبدون إخفاء هوياتها أو شاراتها، فسيناريو أوكرانيا يتكرر بشكل أو بأخر في سوريا بنفس القوات ونفس الأهداف لكن مع اختلاف التفاصيل.