بلدي نيوز - (تركي المصطفى)
وحده "حزب الله" من أدخل لبنان وسوريا، في دوّامة الصراع المرير الذي نعيشه اليوم وخضنا تفاصيله وشهدنا جرائمه، جريمة تلوى الأخرى منذ تصفية القوى الوطنية في لبنان وعلى رأسها الرئيس رفيق الحريري، حتى إسقاط بيروت مرورًا بحربه على الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد الاستبدادي، وصولًا إلى المشهد الأخير من مسرحية المواجهة الهزلية في الجنوب مع "إسرائيل" التي أطلق عليها الموقع المتخصص بالشأن الإيراني "إيران إنسايدر" مصطلح "حرب العشر دقائق".
فصول المسرحية
بعد أسبوع من الاستهداف الإسرائيلي بالطائرات المسيرة لمعقل "حزب الله" في الضاحية الجنوبية، وكذلك استهدافها لأحد مقراته في بلدة عقربا في سوريا ومقتل عنصرين لميليشيا الحزب إثر غارة نفذتها طائرات إسرائيلية؛ أعلنت ميليشيا الحزب استهداف آلية عسكرية بداخلها دمى وهمية، وردت "إسرائيل" بإطلاق أكثر من ١٠٠ قذيفة مدفعية على بلدتي مارون الراس ويارون، وهدد رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو"، ميليشيا الحزب قبل دخوله إلى جلسة تقييم الوضع في وزارة الأمن، أن "لبنان سيدفع الثمن"، وبحسب بيان ميليشيا الحزب الذي أطلق على عمليته اسم عنصريه اللذين قتلا في الغارة الإسرائيلية في سوريا قبل أسبوع: "عند الساعة الرابعة و15 دقيقة من بعد ظهر اليوم الأحد بتاريخ 1 أيلول/ سبتمبر 2019، قامت مجموعة بتدمير آلية عسكرية إسرائيلية عند طريق ثكنة أفيفيم وقتل وجرح من فيها"، في وقت أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي على لسان المتحدث باسمه "رونين مانيليس"، أنه "جرى إطلاق عدة قذائف مضادة للدروع نحو موقعٍ وسيارة إسعاف عسكريين من دون وقوع إصابات"، فور انتهاء العملية "المسرحية" والرد الإسرائيلي عليها، أعلن جيش العدو إعادة فتح الطرقات شمال فلسطين المحتلة، كما أعلنت قيادة "الجبهة الداخلية" في جيش الاحتلال السماح للمواطنين في المناطق الحدودية الشمالية العودة للحياة الاعتيادية، وذلك بعدما كان قد فرض قيوداً على حركة المستوطنين طالباً منهم فتح الملاجئ في المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية.
المشهد الهزلي
ليست المسرحية هذه الأولى بين ميليشيا الحزب و"إسرائيل"؛ فقد سبقتها عدة مسرحيات خلال العام 2015 وقبله، ولكن الفرق بين المسرحيات السابقة والمسرحية الحالية، أن "إسرائيل" هذه المرة لم تقصف بالطائرات مثلما فعلت من قبل، فهناك مساعٍ حثيثة تدفع "إسرائيل" إلى تجميل صورة ميليشيا "حزب الله" الساقطة من الذهنية العربية والإسلامية، وبالمقارنة ما بين العنف الدموي وطرائق القتال التي سلكها الحزب ضد الشعب السوري، لم يعد هنالك ما ينطلي على الشارع العربي من زيف مشروع "حزب الله" اللبناني الذي أدرك أن ما جرى في جنوب لبنان مسرحية لها مبرّراتها التكتيكية، فرضتها المواقف الناشئة، في محاولة إعادة تلميعه وغسيله إسرائيليا من دماء الأطفال السوريين، وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي "ايدي كوهين"، أن اندلاع القتال بين ميليشيا "حزب الله" اللبناني و"إسرائيل" على الحدود، الأحد الماضي، هي مسرحية متفق عليها مسبقاً، وفق قوله، وقال "كوهين" خلال مقابلة على قناة "بي بي سي": "أنا أرى تراجع بوتيرة خطاب نصرالله، واعتقد أن الأمريكان والروس دخلوا على الخط وسيتم احتواء الموقف، يعني للحفاظ على ماء وجه نصرالله، سيكون هناك ضربة متفق عليها بين "حزب الله وإسرائيل" عبر وسيط فرنسي أو أمريكي روسي، لإنهاء هذه المسرحية لا أحد يريد الحرب قبل أسبوعين من الانتخابات، ونصرالله الذي يعنتر لا يريد الحرب، وسوف يتم ضرب موقع متفق عليه".
وعلق المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، على هذه المسرحية، معتبراً أن ما قام به الجيش الإسرائيلي بعد إطلاق الحزب للقذاف بنقل جنود بمروحية عسكرية إلى مستشفى "رمبام" ليس سوى خدعة، متحدثاً عن احتمالين: إما أن "حزب الله" اختار عمداً هذه الأهداف لعلمه أنه لن يكون هناك مصابين لدى الجيش الإسرائيلي، أو أنه علم ببساطة أنه سقط في الفخ، وافترض فيشمان أنه لم تعد هناك شرعية لنصر الله، لا داخل لبنان ولا خارجه، لشن هجوم ثانٍ، بل على العكس، أي هجوم جديد سيصوره كمن يستبيح أمن لبنان ويمنح إسرائيل شرعية لتوسيع نيرانها، وإذا نجح في إقناع الجمهور اللبناني بأنه سجل "إنجازاً عسكرياً" بإصابة موقع الجيش الإسرائيلي، فعلى الأرجح أنه سينزل عن الشجرة، أما إذا تحول هذا الحدث إلى سلاح سياسي ضده داخل لبنان، فإنه قد يزج به في الزاوية ويرتكب الخطأ الذي سيشعل حدود لبنان.
التصفيق الإسرائيلي
حتى الآن أتم "حزب الله" المسرحية بنجاح مبهر، حين تماهى تماما مع الاستراتيجية الإسرائيلية، ففي بداية الثورة السورية كانت "إسرائيل" تتفرج على تغول "حزب الله" في الدم السوري، واقتصرت هجماتها على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى "حزب الله"، أو نقل الأسلحة إلى مناطق الجنوب السوري، ومع مطلع 2018، بدأت "إسرائيل" توسع دائرة قصفها، لتشمل أي وجود إيراني خطير في سورية، وكان هذا سبب الهجمات العديدة ضد مواقع إيران وأذرعها العسكرية عبر الاستمرار في توجيه ضربات استباقية، والحيلولة دون اندلاع مواجهة مباشرة مع ميليشيا "حزب الله"، كما أن توسيع دائرة الهجمات يضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤوليتها للضغط على "حزب الله" الذي أسقط لبنان، وأعاد صياغة المشهد السياسي ماسكًا بزمام الأمور، وسط تصفيق حار من "إسرائيل" استكمالا لهيمنته على مؤسسات الدولة، فارضًا أبجدياته وإرادته وفق الإملاءات الإيرانية؛ لتقويض أركان الدولة اللبنانية والسيطرة على مفاصلها، إثر تطور النشاط العسكري الإيراني خارج حدوده بشكل ملفت للنظر، خاصة في لبنان، ويعود ذلك إلى دور المخابرات الإيرانية التي تمكنت من تجنيد آلاف اللبنانيين الشيعة ليكونوا في طليعة المدافعين عن إيران وتجميل صورتها في الذهنية العربية، والدفاع عن سياساتها وتوجهاتها والعمل على إبرازها في مقاومة الهيمنة الغربية والاحتلال الصهيوني، من هنا اعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أن هجوم "حزب الله" اللبناني على القاعدة الإسرائيلية هو "رد بالمثل"، وحسب التصريحات التي نقلتها وكالة "إرنا" الرسمية، قال شمخاني إن "سياسة حزب الله تستند إلى الدفاع عن مصالح لبنان"، على حد قوله.
نبرة نصر الله المصطنعة
بعد أن تحولت الضاحية الجنوبية إلى مركز العمليات العسكرية الإيرانية والميدان الذي تدار فيه ومنه معارك الدفاع عنها ومهاجمة خصومها، مدفوعين بدوافع تنبع من التزام أيديولوجي يقوي زعامتهم القائمة على الكيان الشيعي اللبناني، ويدعم طموحهم في التنافس مع "إسرائيل" في المنطقة، فكان من أبرز من أنتجتهم إيران: حسن نصر الله في لبنان وإظهاره كبطل قومي، زاحمت صورته الإيرانية صور الأحداث في الجنوب اللبناني التي شغلت الإعلام الإقليمي والدولي، وكان على قائمة تلك الصور ما جرى في الجنوب اللبناني، وما رافق ذلك من نبرة عالية في الخطاب الإعلامي لـ "حسن نصر الله" التي ضُخِّم فيها حجم ضربة "أفيفيم الوهمية"، لكن الإعلام المموَّل يصرف النظر عن مشاكل إيران إلى ما يدور خارج حدودها، وهو يدافع عنها ويصنع من أذرعها العسكرية كيانات خرافية القوة.
خلاصة
هكذا جرت المسرحية بامتياز وسط حفاوة من رعاتها الذين أشرفوا على تنفيذ المشهد الأخير في الجنوب اللبناني، الذي وضع الأهالي في مشهد تراجيدي مؤلم كالذي حدث في العام 2006، تجسد في حركة نزوح واسعة متصلة بضريبة دم كبيرة يدفعها الشعب والحكومة اللبنانية المعلّقة بضعفها، هي الأخرى تتفرج على ما حدث وما سيحدث.