The New York Times - ترجمة بلدي نيوز
نور، وهو قائد ميليشيا موالية للحكومة السورية قرب دمشق، يعتقد أن الرئيس السوري بشار الأسد سينتصر في الحرب الأهلية في سوريا، ولكن على الرغم من ذلك، قد قال أنه سيستغرق بلاده جيلاً حتى تتعافى: "بعد أن تنتهي هذه الحرب، فإننا سوف نقضي 10 سنوات أخرى في تنظيف البلاد من البلطجية وأمراء الحرب" قال لي ذلك عندما التقيته في ضاحية دمشق "جرمانا"، في شقة تطل على الطريق السريع حيث يشتبك الثوار والقوات الحكومة ليلاً.
وكان ذلك في الخريف الماضي، وبعد فترة وجيزة بدأت روسيا تدخلها العسكري في سورية دعماً لحكومة الأسد، وكان لقوة ضرباتها الجوية ونيرانها أثراً في تغيير مسار الصراع بعد سنوات من الجمود، وتداعت الحرب الأهلية في سورية أكثر ولكن ذلك لم يجعلها جاهزة للتسوية بعد.
واستأنفت المفاوضات حول مستقبل سوريا في جنيف الأسبوع الماضي، وسط تفاؤل حذر حول ما إذا كان النظام والمعارضة مستعدين أخيراً لمناقشة اتفاق سلام، كما أن الدبلوماسيين الروس والأمريكيون يتحدثون عن أهداف مشتركة، ويبدو أن كلا البلدين أخيراً على استعداد قوي لتسليح عملائهما لتقوية وضعهم على طاولة المفاوضات.
وتقول جماعات معارضة ورعاتها أنهم حققوا مستويات من الوحدة ستمكنهم من انتزاع تنازلات من الحكومة، بل إن البعض قد أقر على العلن استعداده للعمل مع بعض عناصر النظام، ولكن كل هذا يبتعد عن النقطة المركزية: سورية، واحدة من أهم الدول في العالم العربي، والتي انهارت، ولا يمكن لأي تسوية سلمية أن تعيد بناءها مرة أخرى.
وعلى الرغم من الحديث عن "النظام" و"المعارضة" فقط، إلا أن سورية اليوم عبارة عن فسيفساء من إقطاعيات صغيرة، فقد تخلت الحكومة السورية عن مساحات من الأراضي السورية لإيران وروسيا وحزب الله، ويتراوح معارضيها من تنظيم الدولة الإسلامية المروع، إلى جماعات معارضة صغيرة يقودهم أمراء حرب محليين يعتمدون على المانحين الأجانب.
و على طرفي الصراع، يتم تحديد الأراضي والإقطاعيات بنقاط التفتيش المسلحة، ولأن هؤلاء الزعماء قد اختبروا قدراً ولو صغيراً من السلطة، فمن الصعب أن نتصور أنهم سيتنازلون عنها بسهولة لأي حكومة وطنية.
إن انهيار سوريا يشكل تهديداً كبيراً للاستقرار في الشرق الأوسط، وسواء للخير أو السوء، سورية كانت دائماً لاعباً رئيسياً في العالم العربي منذ الحرب العالمية الثانية، فكان لها ادواراً مختلفة، فأحياناً المخرب، وتارة الممسك بزمام الأمور، أو المنقذ في الصراعات التي عصفت بجيرانها، واللاعب الرئيسي أمام حشد من القوى الأجنبية التي تدخلت في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، وجاء ذلك الصراع إلى نهايته مع الاحتلال السوري للبنان مع مباركة الولايات المتحدة.
ودون حكومة دمشق، لم تكن لتبقى الحركات الجهادية المتشددة حتى الآن، فقلد نشأ حزب الله كلاعب إقليمي قوي بفضل المساعدات المستمرة من سوريا، ونجا قادة حماس في المنفى في دمشق، كما أن العديد من الجماعات الإرهابية قد وجدوا ملجاً في سورية، وساعدت رعاية حكومة الأسد المتمردين العراقيين ضد الاحتلال الأمريكي، وقدمت الدعم المبكر الحاسم للمتطرفين الذين أصبحوا اليوم " تنظيم الدولة الإسلامية".
ورغم ذلك، ومع كل هذه التحركات المزعزعة للاستقرار، كانت سوريا نقطة محورية متماسكة في منطقة يعجز فيها القادة على التعامل والأداء السياسي، وفي بعض الأحيان، حتى الولايات المتحدة وإسرائيل كانوا على تعاون وثيق مع دمشق.
والآن، يبدو أن سوريا متجهة إلى التأثير على المنطقة ليس بوصفها اللاعب الرئيسي، بل كـ" ثقب أسود"، فالحرب السورية قد ولدت بالفعل حالة من الفوضى، وملايين اللاجئين بحثوا عن الامان خارج حدود البلاد، بالإضافة إلى ظهور تنظيم الدولة، وحركة التهريب الهائلة للأسلحة والمال والمسلحين.
الفصل القادم قد يكون أسوأ، حتى لو توصل جزء من المعارضة إلى اتفاق مع الحكومة، فالمنطقة التي سيحاولون حكمها لن ترقى لتكون دولة "عاجزة"، فقلب المنطقة الصناعية في البلاد والمدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان "حلب " قد دمرت بالكامل تقريباً .
وقبل الحرب، كانت أنظمة الاقتصاد والتعليم والصحة السورية تقوم بوظيفتها بشكل جيد وفقاً للمعايير الإقليمية؛ أما الآن فمن غير المرجح أن تتعافى هذه القطاعات، ومن المحتمل أن يلعب المشهد ما بعد الحرب دور المضيف للمتطرفين ورجال أعمال العنف والفساد على نطاق واسع.
إذا لماذا سيكون لأي أحد أمل في محادثات في جنيف؟
أحد أسباب ذلك هو السياسة العظمى، فروسيا والولايات المتحدة تبحثان عن سبل لتهدئة التوترات، ودبلوماسيي كلا البلدين يعقدون اتفاقاً يمكن أن يؤدي إلى التقدم في القضايا التي تعد أكثر أهمية مثل "أوكرانيا"، وعامل حاسم آخر هو استنفاذ القوى، فإيران وحزب الله دعما نظام الأسد لسنوات، ومن دون مساعدة روسيا، لن يكون لديهما القدرة على الصمود، ناهيك عن الفوز.
كما أن تركيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، الرعاة الرئيسيين للمعارضة، قد سحبوا دعمهم كلما تحسن وضع وكلائهم في سورية، ربما لأنهم غير متأكدين من أن الثوار سيتصرفون بمسؤولية في حال تولوا السلطة.
أما المدنيين في سورية فهم في حال يائسة جداً، فصفوف المقاتلين تتضاءل، وخاصة في الجانب الحكومي، ولم يفقد أياً من الطرفين الأمل بالفوز الكبير بالحرب، ولكن عدد متزايد من الثوار ومؤيدي الحكومة من الطبقة الوسطى يقرون أنهم أمام حلين -فإما سيضطرون إلى تسوية لبلد "منقسم" أو التحالف مع ألد الأعداء- وقال بعض قادة الثوار الذين قابلتهم في أذار أنهم يعتقدون أن الحرب قد دخلت المرحلة النهائية، ولكن هذا الأمر قد يستغرق بضعة سنوات أخرى على الأقل من القتال قبل أن تبدأ المفاوضات الجدية الحقيقية، وحتى الآن، لم يأخذ أياً من اللاعبين محادثات السلام على محمل الجد.
وقد جددت روسيا وأميركا تعهدهما بالمفاوضات وذلك بإشعار مفاوضيهم، ولكن هذا لا يعني أنه يمكن الشروع في عملية سلام حقيقية – أو أنهم يتوقعون ان يحصل ذلك قريباً، فمنافسين مثل إيران والمملكة العربية السعودية، وكذلك روسيا والولايات المتحدة، سيعملون نداً لند للوصول لاتفاق وهو ما سيستغرق وقتاً طويلاً، ولكن فكرة أن يعملوا معاً لمنع انحدار سورية المستمر لتكون منطقة عنف أكبر، هو أمر سيطول أمده أكثر.
وحتى الآن، ما يزال مفاوضي الأسد يعتبرون الثوار "إرهابيين"، في حين تصر المعارضة على ان الأسد هو "المرض الذي ضرب سورية " ويجب أن يتنحى فوراً، في حين أن الدولة التي يسامون على مصيرها "سورية" ...تبدو بعيدة كل البعد عن أي "إنقاذ".