بلدي نيوز - (ليلى حامد)
لا يزال أهالي ريف إدلب يحافظون على عاداتهم القديمة في الحدود الدنيا، ومنها إعداد مؤونة الشتاء، كما أن لها له طقوسها الخاصة، التي لا تخلو من الطرفة واﻷلفة، كما أنها إحدى مظاهر "التعاون" ضمن المجتمع السوري.
يجتمع النسوة في بيت إحدى الجارات التي تستدعيهن لمساندتها في فرز وريقات الملوخية، ليتم فيما بعد تجفيفها تحت الشمس.
وتقول "أم فاروق"، لبلدي نيوز؛ "بدأنا الجلسة في الصباح الباكر، بعد فنجان قهوةٍ بالحليب؛ كالمعتاد، تناولنها كمحفزٍ للبداية بالعمل المرهق.. إم شادي إحدى جارتي، لم تكمل فنجانها، بعد أن تذكرت بناتها اﻻثنتين التين استشهدتا مؤخراً في قصف النظام على أريحا، وقد أخذت ركناً بعيداً، ريثما تمالكت أنفاسها ومسحت دمعتها التي أججت مشاعر النسوة البقية، ثم ما لبثنا أن بدأنا العمل سريعاً؛ كسباً للوقت، وهربا من الذكريات المؤلمة".
إﻻ أنّ تبادل أطراف الحديث جرّ الجميع إلى ما هربوا منه؛ وبدأت "أم الفاروق" تقول؛ "ابني فاروق يحب الملوخية، ومضى 3 أعوامٍ لم تدخل إلى دارنا، ولم تطهَ على الموقد، لم أتخيل طعمها دون حضوره".
واستشهد "فاروق" في إحدى معارك بريف حماة، أثناء تصديهم لقوات النظام، تاركاً جرحاً في المنزل، كما تصفه والدته.
أمّا أم عبدو؛ فلا تختلف قصتها عن جارتها أم الفاروق، وتقول؛ "كان ولدي عبدالله مغرماً بالملوخية... مازلت أذكر جريه خلف البائع الجوال في القرية؛ لشرائها".
وسرعان ما سكتت الجارة "أم عبدو" وانحازت بعيداً، ليخيم السكون في المكان، قبل أن تستفتح "أم هاني الشامية" حديثها، وتقول؛ "لم يختلف الوضع في ريف الشام عنه هنا، إﻻ أننا كنا نجمع الصبيان من الحي، مقابل إعطائهم بعض المال ليساعدونا، ولم يكن يخلو الجو من البسمة، والغضب من تصرفاته.
وترمي تلك الجمع بين النسوة للهرب من الظروف، وفي الأيام الراهنة، فراراً من التفكير في وضع إدلب، إﻻ أنّ السياسة والحرب ﻻ تترك لهم مجاﻻً للفرار.
فاﻷسئلة المعتادةُ حاضرة؛ "شو بدو يصير بإدلب، وين رايحين؟"، مع دعواتٍ بالفرج، قبل انتهاء العمل.
وبحسب "أم الفاروق" فإنّ الوقت الذي يمضيه النسوة في تموين 50 كيلو غرام من الملوخية، يحتاج ما بين 4 حتى 5 ساعات من اجتماع النسوة، يتخلله سرد القصص، وذكرياتهن، وتحليلاتهن، وآرائهن في الوضع ككل.
وأضافت؛ "قديماً كانت الجارة المستضيفة، تطهو نوعين من الملوخية للحاضرات، إحداها بلحم الضأن وأخرى بالدجاج، أمّا مؤخراً فالدجاج يعتبر اﻷوفر حظاً.
تحاول النساء التغلب على ظروف الحياة وقسوتها عبر رسم ملمحٍ هو نسخةٌ عن مظاهر الألفة والمحبة التي عرف بها السوريون، وتجمع النسوة على أنّ تلك الدقائق والطقوس ﻻ تقدر بثمن؛ ويعتبرنها نافذة للسكينة وتفريغ الطاقة وبث الهموم، أو رميها بعيداً.
وتذكر أم الفاروق ضاحكةً أنّ من عادات المصريين الشهقة (الصراخ) عند سكب الملوخية، وتقول؛ يبدو أنّ هذا الطبق الذي كان يعرف باسم "الملوكية" ﻻ يستقيم إعداده دون نفثة من ثغر المرأة تسكب فيه نوعاً من همهما، إننا نستمد عاداتنا من جيراننا العرب".