هل تعتزم واشنطن بتر أذرع إيران في المنطقة العربية؟ - It's Over 9000!
austin_tice

هل تعتزم واشنطن بتر أذرع إيران في المنطقة العربية؟

بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
يبدو أن فرحة الساسة في إيران بالتوصل إلى اتفاق مع الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية لم تكتمل بعد دخول دونالد ترامب إلى البيت اﻷبيض، وإن لم يكن هو العقبة الحقيقية في عدم اكتمال مشروعها؛ فإنّ الحراك الشعبي السوري وانجرارها إلى مستنقع الحرب، وفرّ أرضية للقول بسقوطها في براثن الحظ العاثر.
ويلوح في الميدان قرع طبولِ حربٍ محتملة على إيران، يرجح مراقبون ومحللون عسكريون أن تكون اﻷرض السورية واللبنانية مسرحاً لها، وبدا واضحاً تصفيق الدول الخليجية وعلى رأسهم المملكة السعودية التي تقود محور مقارعة المشروع اﻹيراني، باللباس السياسي تارةً، والمذهبي حيناً آخر.
وما يعزز من فرضية صدام عسكري وصول بعض التعزيزات العسكرية لقوات "قسد" إلى حقل العمر النفطي بريف دير الزور، وهذا ما أكده قيادي في وحدات حماية الشعب "ي ب ك".
وفي حال حدوث عمل عسكري في المنطقة الواقعة على ضفاف نهر الفرات شرقي سوريا بالقرب من الحدود العراقية، ضد قوات اﻷسد وميليشيات إيرانية متواجدة، فإنه سيتحقق لواشنطن قطع الطريق البري أمام الإيرانيين عبر سوريا، إضافة لمنع النظام السوري والميليشيات الإيرانية من إنشاء قواعد عسكرية في تلك المنطقة.
التحركات العسكرية لم تكن مقتصرةً على قوات "قسد"، فقد سبق ذلك تحركات أخرى من جانب قوات التحالف الدولي التي أرسلت تعزيزاتٍ عسكرية (مدرعات وعربات دفع رباعي ومعدات لوجستية) إلى ذات المنطقة.
وتزامنت تلك التحركات عقب تدوال معلومات تشير إلى محاولة إيران ترسيخ قوتها العسكرية في مدينة البوكمال بريف ديرالزور على طول الحدود السورية العراقية، حيث تشكل هذه المدينة حلقةً مفقودةً في ممر إيران البري إلى لبنان عبر سوريا والعراق. وهذا ما خلق مبرراً لواشنطن لتستمر في الحفاظ على نفوذها وتواجدها على الحد الشرقي الفاصل بين سوريا والعراق، وهذا بحد ذاته سيسهم في تحقيق أمرين؛ الحيلولة دون استكمال طهران مشروعها بتثبيت الهلال الشيعي، ومن جهةٍ أخرى مواجهة محتملة مع خلايا تنظيم داعش.
بالمقابل؛ يلاحظ تحرك اللوبي الإيراني في واشنطن، الذي يتم الحديث عن إعادة تنشيطه ضمن الأوساط الأكاديمية والسياسية الأميركية، لتشكيل قوة مناوئة لسياسة البيت اﻷبيض ذات التوجه التصعيدي التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومحاولة استثمار الوقت لعدم تفويت وجود فرصة دبلوماسية، تفضي لمنع احتكاك عسكري مباشر، وهذا ما يشير حقيقةً إلى التخوف اﻹيراني، ﻻسيما أنّ تكلفة المواجهة العسكرية ستكون باهظة.
وسبق أن قدم اللوبي الإيراني نصيحةً للنظام اﻹيراني، طالبه فيها بتجنب الصدام مع الإدارة الأميركية، ونوّه أن المواجهة لن تكون متكافئة؛ مبرراً ذلك بضعف النظام الإيراني إقليمياً وداخلياً، وهذا نتيجة فضح الدور التخريبي الذي مارسته الميليشيات اﻹيرانية في المنطقة، وتصاعد وتيرة الرفض الشعبي للسياسة الداخلية التي واجهها الشارع بالاحتجاجات المتواصلة، ﻻسيما في المنطقة العربية (الأحواز)، والتنديد بتدخل بلادهم في شؤون دول الجوار الذي انعكس سلباً على واقعهم المعيشي والخدمي.
وعلى الرغم من أنّ سياسة الرئيس اﻹيراني، حسن روحاني، تتبنى النهج البراغماتي في تعاطيها مع الواقع، وتعتقد أن تمكين نفوذها في المنطقة لن يحصل بتعنتها؛ لكن الخيارات بدأت تضيق أمام اﻹيرانيين، بعد أن استشعرت واشنطن وجود إرادة روسية لتقزيم الدور اﻹيراني، جعلها تضغط بهذا اﻻتجاه لتجد نقطة توافق مع موسكو التي ﻻتزال تبدي ممانعة ظاهرية، فيما تبدو تحركاتها على اﻷرض تتماهى مع الرغبة اﻷمريكية، وهذا ما يشير إليه اﻻقتتال الذي حدث بالوكالة مؤخراً بين قوات ماهر اﻷسد وقوات العميد سهيل الحسن (المعروف بالنمر).
وتتركز جهود اللوبي اﻹيراني على إقناع الساسة اﻹيرانيين باﻻبتعاد عن تمسكهم بدورهم (التخريبي) في دولٍ كالعراق والسورية، معتبرين أنّ النأي بالوجود العسكري عن الساحة من شأنه تحقيق مكاسب أكبر من اﻻنخراط في مواجهة مباشرة، وتستند دعوات اللوبي اﻹيراني إلى مسألة النتائج، والوقاية المسبقة.
وإن كانت نادت مهددةً بدور حلفاء إيران (تقصد روسيا)، لكن يبدو مؤخراً أنّ التهديد لم يعد مجدياً، مع وصول الساحة السورية سياسياً وعسكرياً إلى طريقٍ واضح المعالم بالنسبة للجميع، وهي العقدة التي في حال انتهت ستكون ورقة المساومة لدى اﻹيرانيين ضعيفة.
بالمقابل؛ وجد توجه آخر داخل الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية، يتبنى فكرة عدم الخوض في مغامراتٍ خارجية مشابهة لما حدث في العراق ومؤخراً أفغانستان، والذي أثمر حتى اليوم تكاليف باهظة دفعتها واشنطن هي اﻷخرى، وما يضعف هذا اﻻتجاه التحركات اﻹسرائيلية التي ترى في المشهد الميداني والسياسي فرصة للانقضاض على الفريسة أو الفرائس، فمن جانبٍ تحاول تحقيق مشروع التطبيع مع بعض القيادات العربية، مستفيدةً من اﻷجواء والتهديد (الفزاعة) اﻹيراني، وحسم ملف نفوذ هذه اﻷخيرة على حدودها.
عملياً؛ تبدو الفرص ضئيلة أمام اﻹيرانيين، الذين أنهكهم اﻻنخراط (غير المدروس) في حروب بعيدة وخارج حدودها، بدايةً من العراق مروراً بسوريا إلى اليمن، وهذا ما شتت قدرات إيران عسكرياً واﻷهم اقتصادياً، ما سيعني أنّ اﻻنهيار للحكومة حتماً، وتضييع فرصة المواجهة العسكرية لن يثمر إﻻ في إطالة عمر النظام، الذي ﻻ تريد واشنطن فعلياً إزاحته، وإنما المحافظة عليه كشرطي مرور، وفزاعة، وهو ذات الهدف الروسي الذي يتلاقى مع اﻷمريكان، وبالتالي؛ تحجيم دور إيران وليس تغيير نظامها على الأقل خلال العامين المقبلين.
معظم تلك القراءة تؤكد ضعف الموقف اﻹيراني أمام المشروع الذي تقوده الوﻻيات المتحدة مدعومةً من إسرائيل، ويدخل في سياق الرغبة الروسية، التي مهما بدت منحازة ﻹيران فإنها لن تخرج عن السير خلف السرب اﻹسرائيلي.
وما يزيد من فرصة كسب الجولة لصالح واشنطن التمهيد الذي بدأ منذ اﻻنسحاب من اﻻتفاق النووي مروراً بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على حكومة طهران، وكان آخرها تصنيف الحرس الثوري اﻹيراني منظمة إرهابية.
كما أنّ تحركات اللوبي الإيراني في واشنطن تواجه عقباتٍ عدة؛ أدت إلى تراجع تأثيرها مؤخراً؛ نتيجةً لسلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية تجاه بعض أعضائه مثل إبعاد سحر نوري زاده، أحد أعضاء منظمة "ناياك".
وتعتبر "سحر زاده" صاحبة الدور البارز في المفاوضات التي أجريت مع إيران للتوصول إلى صياغة اﻻتفاق النووي في تموز/ يوليو 2015.
بالتالي؛ مجمل تلك العوامل ستسهم في إضعاف هامش التحرك الدبلوماسي اﻹيراني.
وكانت بدأت الولايات المتحدة، في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، بتطبيق عقوبات على إيران، فرضت إيقاعها سريعاً على البلاد واقتصادها، فقد شملت تلك العقوبات مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي للعملات الصعبة التي تحتاجها إيران.
التكتيك اﻷمريكي المتدرج في مواجهة النفوذ اﻹيراني حقق نتائجه وجعل تفكير اﻹيرانيين بدخول الحرب مخاطرة غير محسوبة العواقب، رغم ما يسمع من (جعجعةٍ) إيرانية، لكنها في الغالب (بلا طحن)، بعد أن كسرت اﻷنياب ويتم حالياً جولة تقليم اﻷظافر.
وهذا ما عبر عنه في وقتٍ سابق الرئيس اﻷمريكي، دونالد ترامب، الذي يرى أن الضغط الاقتصادي سيُجبر إيران على الموافقة على عقد صفقة جديدة وعلى وقف نشاطاتها "الخبيثة".
ويشير وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى نتائج تلك العقوبات بالقول؛ "إن أكثر من 100 شركة عالمية كبرى انسحبت من إيران، بسبب العقوبات الأمريكية". وأضاف إن صادرات إيران النفطية انخفضت، بنحو مليون برميل يومياً، ما يخنق المصدر الرئيسي للدخل في البلاد، وإن جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت"، ومقرها في بروكسل، يتوقع أن تقطع اتصالاتها بالكيانات الإيرانية المستهدفة بالعقوبات، مما سيعزل إيران عن النظام المالي العالمي".
ومن المنطقي أنّ سلسلة اﻹجراءات الاقتصادية تلك مع توجيه ضربات جوية إسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، سيكون له اﻷثر الكبير مستقبلاً سواءً من الناحية العسكرية أو حتى جر اﻹيرانيين للتفاوض، ضمن هامشٍ ضعيف لديها يبقي في الغالب لها دور الدولة الوظيفية التي تنفذ الأجندة المطلوبة، ومن محاولة التمدد، وهذا بالتأكيد يدفع للقول بنجاح الخطوات اﻷمريكية-اﻹسرائيلية، في التأثير على استراتيحية طهران في المنطقة العربية، وتحديداً (سوريا والعراق ولبنان واليمن).
ومع ما يثار سياسياً من معلوماتٍ حول احتمالية فرض واشنطن قراراً يقضي بفرض عقوبات على الدول المستثناة من استيراد النفط الايراني، منها تركيا واليونان وإيطاليا، سيزيد حلقة التضييق، ما يعطي مجاﻻً للقول أنّ رد الفعل اﻹيراني في حال وجد سيكون متهوراً، كالقشة التي قسمت ظهر البعير، وهذا بالتحديد ما يبرر إحجام اﻹيرانيين عن اتخاذ خطوات سريعة للرد، تتماشى مع صوتهم المرتفع (الموت ﻷمريكا وإسرائيل)، الذي سيظل في إطار الشعار على الجدران اﻹسمنتية.
لكن هل وصلت طهران لنهاية الطريق في المنطقة العربية؟ وهل انتهاء إيران سينهي بشار الأسد؟
المسألة في أقل تقدير مرتبطة بإنهاء توسع النفوذ العسكري اﻹيراني، أما نهاية الدور الوظيفي فغير قابل للمناقشة، ومن الملاحظ حتى الساعة أن التكتيكات اﻷمريكية، ﻻ تستهدف قلب المشروع اﻹيراني التوسعي، بقدر ما تسعى لتحجيمه ووضعه في إطاره المطلوب، كما أنّ مسألة بقاء اﻷسد، باتت خارج أوراق اللاعب اﻹيراني وانتقلت بحسب الكثير من المؤشرات إلى طاولة الورق والتفاهمات الروسية-اﻷمريكية، ومن يفرض وجوده اليوم ليس طهران، بل موسكو التي تلعب ﻹتمام مشروع تثبيت نفوذها، وتسجيل بعض اﻷهداف في المرمى السياسي اﻷمريكي.
بالمحصلة؛ الحرب قادمة حتى يتم إنهاك إيران، وتوفير أرضية لرضوخها، ﻻ يمنع ذلك من مناوشات على اﻷطراف، تزيد من استنزاف القوات والميليشيات الموالية ﻹيران.
فيما تبقى بدائل طهران متوفرة، وستبدأ اللعب من المربع اﻷول، بعد إعادة ترتيب أوراقها، فنفوذها اﻷقوى على اﻷرض تمتلكه عبر مشروعها الطائفي الذي لا يمكن إنهائه اقتصادياً أو عسكرياً.

مقالات ذات صلة

بريطانيا تحمل النظام مسؤولية عدم تقدم الحل في سوريا

خسائر من قوات النظام في البادية وسط سوريا

سوريا من إرث الوحدة إلى مخاض الحرية

درعا.. النظام يحاول فرض تسوية جديدة في جاسم

حلب.. مطالبات أهلية لوقف الاقتتال الفصائلي في عفرين

أمريكا تكشف عن عروضها للتعاون مع النظام بشأن قضية الصحفي أوستن تايس