قصة العقرب والضفدع: هل استغل الأسد بوتين في سورية؟ - It's Over 9000!

قصة العقرب والضفدع: هل استغل الأسد بوتين في سورية؟

The New York Times – ترجمة بلدي نيوز
قارن أحد معجبي الرئيس السوري بين بشار الأسد وشارل ديغول، القائد الفرنسي العنيد الذي كان يتمتع بثقة تكفي لتحدي حليفته القوية الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى بعد مساعداتها الحاسمة له ضد ألمانيا النازية، أما المنتقدون فقدموا تشبيهاً آخر للأسد، وهي رواية العقرب الذي أقنع الضفدع بأن يحمله ويعبر به النهر، ثم قام بلدغه وغرق كلاهما.
فروسيا التي أنقذت الأسد بضرباتها الجوية، هي الضفدع والتي تسبح الآن محاولةً التوصل إلى تسوية سياسية للحرب السورية، وتأمل في استعادة مكانتها مجدداً كقوة عظمى، ومع ذلك، ونظراً لتاريخ الأسد، فقد يفشل الرئيس السوري المفاوضات لأن عقد الاتفاقات ليس من طبيعته وبالتالي سيغرق هو وروسيا معا، وذلك بحسب ما ذكر العديد من الدبلوماسيين.
فمنذ إعلان الرئيس فلاديمير بوتين المفاجئ الأسبوع الماضي عن تراجع حملة الضربات الجوية التي يشنها في سوريا، تتأرجح التوقعات بشأن ما إذا كانت خطوة بوتين التالية تتمثل في إجبار الأسد على التوصل إلى تسوية سياسية فعالة من أجل إنهاء الحرب.
ورغم أن اعتماد الأسد على روسيا عسكرياً ومالياً وسياسياً لم يزداد إلا خلال الضربات الجوية التي شنها بوتين على سوريا على مدار الستة شهور، إلى أن الحملة قد دعمت أيضاً ثقة وطموحات الأسد، حيث أدت إلى تعزيز تواجد القوات الحكومية على الأرض.
يقول ديفيد ليش، أحد كُتاب سيرة الأسد الأستاذ بجامعة ترينيتي في سان أنطونيو: "من الواضح أن بوتين يعتقد أن سوريا تحتاج إلى روسيا بصورة أكبر من احتياج روسيا لسوريا، ولكن، على الأرجح أن الأسد ودائرته الداخلية يعتقدون بكل غطرسة أن الأمر خلاف ذلك".
فقد تولى الأسد الرئاسة عام 2000 بعد وفاة والده، الذي سيطر على الحكم لمدة 30 عاماً، ويعتمد الأسد الابن على زمرة صغيرة حاكمة، معظمهم من أفراد العائلة والمسؤولين الأمنيين العلويين، وفي حين يبدو انسحاب بوتين بمثابة مفاجأة للمسؤولين السوريين، إلا أنهم سرعان ما أخبروا الدبلوماسيين بأن الدعم الروسي لم يتراجع ورفضوا إقرار وجود أي ضغوط تتم ممارستها عليهم.
ووصفت بشرى خليل، المحامية اللبنانية التي تحظى بعلاقات متينة مع مسؤولي الحكومة السورية، والتي التقت بكبار المسؤولين السوريين مراراً خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك وزير الداخلية وأحد كبار مسؤولي الاستخبارات (علي مملوك) وصفت أسلوب عمل هؤلاء المسؤولين بكونه "نشيط" للغاية.
كما وذكرت خلال لقاء جرى أخيراً أن مستشاري الأسد يعتقدون أن الأسد لم يتجاوز فترة الخطر فحسب، بل سيظل رئيساً لسوريا؛ وكذلك فإن قدرته على مواجهة العالم بأسره ستجعله أكثر شهرة من ذي قبل ليصبح "زعيماً في منطقة الشرق الأوسط"، وأضافت قائلة إنهم يصرّون على أن روسيا حازمة ومخلصة ولكنهم يحملون بطاقة تأمين، وهي علاقتهم الوثيقة بإيران وقدرتهم على التلاعب بحليفين مختلفين تماماً.
وذكرت خليل، التي اشتهرت بدفاعها عن صدام حسين خلال محاكمته في جرائم الحرب التي اقترفها في العراق، قائلة: "إنهم يشبهون الأسد بالرجل الذي يملك زوجتين، وهناك صفات يحبها في كل زوجة".
وتعد بشرى الخليل، التي وصفت الأسد بديغول، واحدة من مؤيدي الأسد منذ وقت طويل، ولم تكن اجتماعاتها مع المسؤولين تتعلق بالحرب، بل بإحدى القضايا التي تورَّط بها ابن معمر القذافي، الدكتاتور الليبي الراحل.
ومع ذلك، فإن وصفها لأسلوب عمل الدوائر الداخلية للنظام السوري، قد انعكس على العديد من المؤيدين والمعارضين، الذين التقوا بالأسد أو مستشاريه وحلفائه خلال الشهور الأخيرة، وقد تحدث معظم هؤلاء -بشرط عدم ذكر أسمائهم- من أجل الحفاظ على إمكانية الوصول إلى مسؤولي الحكومة أو لتجنب أي عمليات انتقامية.
ووصف هؤلاء المسؤولون مراراً وتكراراً خلال لقاءات منفصلة، كيف تعمل القيادة السورية على التلاعب بحلفائها، وغالباً ما ترفض التسويات حتى في أشد حالات الإخفاق؛ وفي حالة الاضطرار لإجراء أي صفقات، تتولى تأجيلها وتعقيدها لكسب الوقت لحين تحسن موقف الأسد.
ويبدو أن بوتين مُصرّ على العودة إلى الساحة العالمية منتصراً من خلال التوصل إلى حل سياسي لسوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة، وذكر العديد من الدبلوماسيين أن روسيا قامت بتعريف الانتصار باعتباره حلاً قابلاً للتفاوض يستند إلى بقاء الأسد في السلطة –ما يوضح أن طموحات الغرب في تغيير نظام الحكم قد أخفقت– ومع ذلك، يمكن أن يدعم بوتين اتفاقاً يساعد على خروج الزعيم السوري من الحكم أو تقليص سلطاته في مرحلة لاحقة.
ورغم أن إيران تبدو أكثر تعاطفاً مع بقاء الأسد في سدة الحكم، إلا أنه أصبح من الواضح أن الدعم الإيراني دون الضربات الجوية الروسية لن يكفي لمساعدة قوات الحكومة السورية على التقدم، رغم تواجد الآلاف من القوات البرية التابعة لحزب الله والميليشيات الأخرى الموالية لإيران.
ومن ثم، فمن الأرجح أن يدرك الأسد أنه يتعين عليه المشاركة في العملية السياسية، على الأقل لإرضاء بوتين، بحسب ما ذكره ليش، كاتب السيرة الذاتية للأسد الذي كان يقوم بزيارته باستمرار بين عامي 2004 و2009 والتقى بكبار مسؤولي الحكومة السورية وأعضاء المعارضة منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.
وذكر ليش أن الحكومة السورية رغم ذلك، تمكنت من تعقيد عملية السلام والرفض 49 مرة، ثم الموافقة في المرة الخمسين، بما يشير إلى أن الأسد يعتقد أنه يستطيع التلاعب بأسلوب يحفظ له السيطرة والسلطة.
ويذكر المحللون أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن الأسد ووالده من قبله قد رسخا نظاماً يعتمد على زعيم واحد، دون وجود مؤسسات قوية أو نواب، ويعتقد البعض أنه نظام هشّ للغاية حتى أن أي تسوية من الأرجح أن تطيح به، ذلك هو التقييم الذي أدى بالأسد إلى الإطاحة بالمعارضين بدلاً من قبول إدخال تعديلات سياسية من البداية.
وكذلك أخطأ أعداء الأسد وخصومه بتقييم إرادة الغالبية العظمى من المواطنين السوريين العاديين -والذين لا يحبون الأسد– لأنهم فضلوا الصمت والهدوء خشية المجازفة ببدائل غير مأمونة الجانب ولا مضمونة.
ويمتاز الأسد باستنفاده كامل الوقت لصالحه، فمسؤولوه يأتون دائماً إلى محادثات السلام رافضين المفاوضة، ويعدون بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية في حين يرفضون معظم الطلبات.
وكان الأسد قد وافق عام 2013 بتهديد من تدخل عسكري أميركي على تفكيك وإزالة ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية، لكن الهجمات التقليدية على المناطق الآهلة بالمدنيين والاتهامات باستخدام غاز الكلور ظلت مستمرة بشكل روتيني.
ومع مرور الوقت ظهرت قضايا مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على الساحة وبدء أزمة المهاجرين بالتسرب إلى أوروبا، فتصدرت هذه أولويات الدول الغربية بدلاً من رحيل الأسد، فما عادت الولايات المتحدة تصر على رحيله مع بداية الانتقال السياسي.
ويرى الأسد وحلفاؤه أن الغرب قد توصل أخيراً إلى استنتاج أنهم بحاجة له للسيطرة على حدود سوريا لمحاربة "داعش" ووقف سيل اللاجئين، وفق أقوال مسؤولين من داخل الحكومة السورية.
ويعول مؤيدو الأسد جزئياً على التشقق والتصدع الذي سببته الحرب بقولهم أنهم لا يظنون أن روسيا ستجد ممثلي معارضة على استعداد لتشارك السلطة مع الأسد، وترضى عنهم كل الأطراف.
ولا شيء جديد بهذه السياسة، حيث يروي دبلوماسي محنكٌ ذو خبرة وتاريخ طويلين في المنطقة أن دبلوماسياً بريطانياً سأل السفير السوفييتي خلال ثمانينيات القرن الماضي عن علاقة دولته، القوة العظمة، بحافظ الأسد، فأجابه السوفييتي: "يأخذون كل شيء من عندنا، إلا المشورة".
وحاولت كثير من الشخصيات المطلعة المرموقة والموالية للأسد التقرب من أميركا وتقريبها أيضاً، بيد أنهم جميعاً أبدوا آمالاً غير واقعية وفشلوا في إدراك كم يبدو موقفهم بشعاً في عيني واشنطن، حسب ما قاله خبير غربي ومسؤول سابق التقى الأسد ومستشاريه الربيع الماضي.
أما "ليش" المؤرخ ومؤلف التراجم والسير الذاتية فقال إن بعض المستشارين قد رأوا أن تخفيف مركزية السلطة ضروري، لكن الزمن وحده كفيل بإثبات "إن كانوا يستطيعون تشكيل كتلة شعبية تطالب وتقنع الأسد بالتفاوض جدياً".

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//