مصيدة ادلب.. تسوية ظرفية لاستراتيجيات متضاربة - It's Over 9000!

مصيدة ادلب.. تسوية ظرفية لاستراتيجيات متضاربة

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

تناقش هذه الورقة أبعاد العلاقة المتضاربة بين أطراف الصراع الإقليمي والدولي في محافظة إدلب وما حولها من مناطق محررة بعد تنفيذ بنود "سوتشي" في إطار استراتيجيات مضطربة، وتتوقف عند تداعيات الاتفاق على شكل سوريا الجديدة انطلاقا من ادلب التي باتت مصيدة لكافة أطراف الصراع.

مقدمة:

يبدو أن "اتفاق سوتشي" بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في 17أيلول/سبتمبر الماضي يدخل حيز التنفيذ العملياتي من خلال تحديد المنطقة العازلة واستكمال سحب السلاح الثقيل منها, وذلك منذ يوم أمس العاشر من الشهر الجاري من طرف فصائل المعارضة المسلحة فقط, فيما لم تتغير أماكن تموضع ميليشيات الأسد أو الميليشيات الإيرانية ولا تزال بين الفينة والأخرى تستهدف المناطق المأهولة بالسكان بقذائف المدفعية, مما يشير إلى أن الاستراتيجيات المتضاربة بين تركيا ومن معها من قوى المعارضة السورية من جهة, وروسيا وأحلافها من جهة أخرى تسير نحو تعقيد شديد, فيما يفترض حسب أهدافهما المعلنة في سوتشي دعم تطبيق هذا الاتفاق الذي يتغنى صانعوه بنجاة إدلب من مصير أخواتها غوطة دمشق والجنوب السوري وريف حمص الشمالي, لكن الاستراتيجية الروسية تركز على الجدول الزمني المرفق بالاتفاق المذكور الذي يقضي بإنهاء الوجود المسلح للمعارضة هناك تحت إشراف تركيا، قبل نهاية العام. وإذا كان التركيز الآن على "هيئة تحرير الشام" وعلى السلاح الثقيل، فستكون الخطوة التالية مصير كل الفصائل الأخرى المرتبطة بتركيا من أجل إنهاء وضع المحافظة ككل وإعادتها إلى نظام الأسد. فيما تبدو الاستراتيجية التركية على خلاف ما يهوى الروس وتابعهم الأسد, فأنقرة لن تفرط بأوراق قوتها المتمثلة، بصورة رئيسية، بالفصائل العسكرية المرتبطة بها دون ثمن باهظ يضع حدّا لهواجسها الأمنية ويحقق طموحاتها في الصراع الذي دفعت في معتركه ما لا يستطيع الروس امتلاكه.

إيران أيضًا، التي قاتلت الشعب السوري بميليشياتها الطائفية المتعددة الجنسيات خلال سبع سنوات من الحرب في سوريا، تتعرض لعقوبات أميركية قاسية وعينها على ادلب وتريد أن تقول: إن سياسة التدخل في الحرب السورية كانت صائبة، وإنها تسير نحو "الانتصار النهائي", لذلك فإنها تتموضع بقواعدها العسكرية حول المنطقة المحررة في ادلب ومحيطها بانتظار ظروف دولية تمكنها من شن عدوان على المنطقة المذكورة.

وفي الوقت الحالي تبدو الاستراتيجية الأميركية عازمة على طرد الإيرانيين من سوريا، فيما تشترك الدول الأوربية مع واشنطن على عدم تسليم مصير سوريا السياسي لروسيا بدون شروط لن يقبل بها الروس لأنها تعني إفراغ كل إنجازاتها الميدانية والسياسية من محتواها.

تعتبر هذه الاستراتيجيات المتضاربة محافظة ادلب عاملًا مؤثرًا في مسار الحرب السورية, مثلما تعني أيضا مركز جذب للمختلفين والمؤتلفين ومصيدة تستنزف كل الأطراف الدولية والإقليمية وتوابعهم, وهي حال يبدو أنها كلما طالت ازداد الوضع تعقيدا حتى بين المؤتلفين الذين يتفقون نظريا ويتباينون عمليا في كيفية تحقيق مطامعهم. 

تحلل هذه الورقة أهمية محافظة ادلب ومحيطها المحرر للأطراف الرئيسية في الصراع الدائر بسوريا، وأسباب تحولها إلى مصيدة لاستنزاف كل الأطراف, وتداعيات ذلك على الصراع الدائر في سوريا.

إدلب تسوية ظرفية بحجم المصالح

تبرز التشابكات الاستراتيجية حول محافظة ادلب من خلال إعلان كل من روسيا وتركيا يوم الأربعاء، استكمال سحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة المشمولة باتفاق سوتشي، في وقت لم تتوقف فيه قوات نظام الأسد عن استهداف المنطقة الشطرية المحررة التي بدورها تشهد تعاظم عمليات الاغتيال والتصفيات البينية.

مخطط الروس

في سياق تنفيذ البنود الأولية من الاتفاق, قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن ما يزيد على ألف مسلح انسحبوا من المنطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب. وأشارت إلى أن ما يقارب 100 وحدة تقنية قتالية سُحبت من المنطقة، بموجب اتفاق إدلب، الذي أبرم بين الجانبين الروسي والتركي، الشهر الماضي في سوتشي.

من جهته، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي أمس الأربعاء، إنه من الممكن تأخير إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة الثقيلة في سوريا ليوم أو يومين، بعد الموعد المحدد عند منتصف الشهر الجاري، من دون أن يوضح سبب ذلك.

وأعرب لافروف عن تقديره لما تقوم به تركيا في هذه المهمة، قائلا إنها تأخذ الدور الرئيسي وتبذل جهودا للتعاون مع المجموعات الموجودة في المنطقة، مضيفا أن بلاده تؤيد "بنشاط هذا العمل الذي يقوم به الشركاء الأتراك".

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع التركية الانتهاء من سحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة "منزوعة السلاح". وقالت الوزارة إن نشاطها سيستمر "لإرساء السلام الدائم في محافظة إدلب"، حسب وكالة "الأناضول" التركية الرسمية بالتزامن مع إرسال تركيا سيارات مدرعة استعدادًا لتسيير الدوريات في المنطقة.

بينما تنتهج روسيا، بوصفها القطب الأكبر في "سوتشي"، التي تتحكم، فعليًّا، في إدارة المنطقة المحررة استراتيجية ضبابية لإدارة ملف هذه المنطقة التي تتمثل أبرز نقاطها الاستراتيجية بما يلي:

-إحكام السيطرة على حدود المناطق المحررة من خلال المنطقة العازلة.

- سحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة لتأمين مناطق نظام الأسد من أي تهديد.

- استنزاف فصائل الثورة والمعارضة في صراعات داخلية، لإنهاكها واستنزافها ثم الانقضاض عليها.

- الدفع التدريجي بقوى الثورة والمعارضة  إلى دوائر نظام الأسد.

من هنا فالمخطط الروسي لا يسعده انتهاء الحرب في سوريا أو حسمها في الشمال السوري، حيث أن إطالة أمد الحرب في العموم السوري، يتيح الفرصة لموسكو في إعادة ترتيب نفسها في "سوريا المفيدة" كقوة تفرض خيارها السياسي والعسكري، وهذا ترجمة عملية لاستراتيجية الروس منذ احتلالهم سوريا قبل ثلاث سنوات, وما اتفاق سوتشي سوى مرحلة على طريق الهيمنة الروسية على سوريا, ولكن أقصى ما تقتضيه الاستراتيجية الروسية الراهنة تفكيك فصائل المعارضة ودمجها بقوة عسكرية واحدة وفق ضوابط  تركية.

استراتيجيات متضاربة

رغم  توجهات وأهداف روسيا، إلا أن تركيا تثابر، لإفشال أي مسعى روسي يجعل من إدلب نسخة أخرى لدرعا، في الهيمنة المطلقة على القرار، واستنساخ قوى مؤيدة لها وعملاء عسكريين على شاكلة "أحمد العودة"، ويساعد أنقرة على تحقيق ذلك الصراعات الدولية السائدة في المنطقة لترسيخ وجودها بشكل دائم في إدلب, وأفاد متحدثون باسم الفصائل المعارضة عن تلقيهم ضمانات حول توجّه تركيا لتعزيز وجود قواتها على الجبهات الأمامية مع قوات نظام الأسد، أي في المنطقة العازلة, ولا يمكن لروسيا الاعتراض على تركيا باعتبارها شريك في إدارة إدلب ومحيطها المحرر من جهة, ولا يوجد أمامها خيار أفضل في الوقت الراهن من جهة ثانية، ولرغبتها بتبريد المنطقة لمواصلة محاولتها ابتزاز الغرب لإعادة إعمار مناطق نفوذ الأسد من جهة ثالثة.

وتبذل تركيا جهودا كبيرة في ترسيخ وجودها في الشمال السوري, وهي غير مستعدة للتخلي عن هذه المناطق التي ترى فيها عمقا استراتيجيا لمواجهة ما تراه تهديدا إرهابيا كرديا على طول حدودها، وتعمل على تنظيم المناطق الواقعة تحت نفوذها من خلال إرساء نظام حكم جديد, وتقديم خدمات أساسية, وتمييز نفسها عن باقي حلفائها من إيرانيين وروس يعيثون فسادا في المناطق التي يحتلونها.

من المبالغ القول: إن لأطراف الصراع ثوابت استراتيجية طويلة الأمد للسيطرة على إدلب؛ بل كل ما لديهم، أنهم يتبنون خططًا ظرفية متفرقة أجلّت هجوم ميليشيات إيران والأسد من أجل السيطرة على إدلب، لكنها لن تتمكن من منع شن عدوان جديد رغم الاتفاق الهش, وتغريدة وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف، التي أثنى فيها على اتفاق سوتشي ووصفه بأنه جزء من "دبلوماسية كثيفة ومسؤولة" لتجنب الصراع. ومع ذلك، أكد ظريف في نهاية تغريدته على تويتر التزام كل الأطراف بـ"محاربة الإرهاب المتطرف"، تاركا بذلك الباب مواربا أمام القيام بعمل عسكري في المنطقة مستقبلا. لذلك تغازل إيران الغرب في تصدرها لما تسميه "الإرهاب" وتقديم نفسها نيابة عن الأميركيين والغرب والروس والإسرائيليين وفق أجندات تتقاطع مصالحها بمنافع مشتركة مع إيران التي تعاني انقساماً حاداً في كيانها الداخلي، ومواجهة مرتقبة مع واشنطن, لذلك تقدم نفسها من خلال نشاطها الدبلوماسي في المنطقة بطريقة مبتذلة كشفت حقيقة مقاصدها في الدعوة إلى تغيير شكل المنطقة العربية.

من جهة أخرى، تدرك الإدارة الأميركية أن تورط روسيا العسكري المباشر في سوريا منذ خريف 2015 لم يحقق الكثير من المكاسب السياسية حتى الآن. وبالتالي، فإن عودة إدلب لسيطرة نظام الأسد، والقضاء على قوى المعارضة المسلحة، تعزز صورة بوتين لدى الرأي العام الروسي، وسيكون لها تداعيات على صياغة الدستور السوري الجديد بحسب الرؤية الروسية، وبالتالي تسليم مصير سوريا السياسي لروسيا مجانا.

خاتمة

لا يعني أنّ التضارب الاستراتيجي إهمال أهمية اتفاق سوتشي، ولا تجاهل تأثيره، لكنه يشخِّص الكيفية التي عمد من خلالها الأتراك والروس وأحلاف كل منهما، إلى استثمارًه بما يلائم مصلحة كل منهما، ومن الواضح أن الخلل في آلية تنفيذ سوتشي سيمثِّل محطة فارقة في علاقات تركيا وروسيا، لأنه هذه المرة سيستهدف تركيا وأمنها بصورة مباشرة. ويبدو أن روسيا تتصرف على أساس أن تركيا هي الطرف الأضعف في الشراكة البينية في سوريا، وعملت على استخدامها جسرا لتحقيق أهداف تعزيز سيطرة نظام الأسد والظهور بمظهر المنتصر.

ولكن أنقرة تؤكد من خلال تعزيز تواجدها العسكري في المنطقة العازلة على أنها ليست الطرف الأضعف، كما يرى شركاؤها في إيران وروسيا، وأن بنود سوتشي لا يمكن أن تنفذ دون أخذ مصالحها في الاعتبار. إلّا أنّ مؤشرات تحول إدلب إلى مصيدة من خلال تنفيذ سوتشي قد تدفع إلى المواجهة المباشرة بين تركيا، من جهة، وروسيا وإيران، من جهة أخرى، خاصة بعد تصاعد الدور الأميركي في سوريا ومحاكاته للرؤية التركية, واستعجال كل الأطراف لإنجاز تسوية سياسية تلبي مطامع كل طرف بقدر ما يملك من قوة على الأرض. 

 

مقالات ذات صلة

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

أردوغان: لدينا تواصل مستمر مع الإدارة الجديدة في سوريا

تجار هولنديون يبدون رغبتهم لتجديد تجارتهم في سوريا

قسد تقترح حلا لمدينة عين العرب شمال شرق حلب

مشروع خط غاز "قطر - تركيا" يعود إلى الواجهة من جديد

أزمة حادة في اليد العاملة بتركيا بعد عودة عدد كبير من العمال السوريين إلى بلدهم

//