بلدي نيوز – (تركي المصطفى)
مقدمة
تناقش الورقة أبعاد معركة إدلب والخلاف الدائر حولها بين أطراف الصراع الإقليمي والدولي، وتكشف زيف الادعاءات الروسية المتمثلة في نيّة المعارضة استخدام الأسلحة الكيماوية التي لا تملكها، وتركز على ذريعة روسيا في تبرير عدوانها على إدلب لمحاربة ما تسميه "الإرهاب"، وتطرح سيناريو لمآل الشراكة القائمة بين تركيا وروسيا من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى، وتتوقف عند تداعيات عودة واشنطن بقوة إلى الملف السوري، وتختم الورقة برؤية استشرافية لمصير محافظة إدلب ومحيطها المحرر في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتشابكة.
تصاعد الخلاف الروسي- الإيراني
مع الضغط "الأميركي – الإسرائيلي" على إيران، تزداد فجوة الخلاف بين إيران وروسيا عمقا واتساعا، خاصة بعد طي ملفي الغوطة الشرقية والجنوب السوري، وسعي الروس للاستفراد بكل مكامن القوة في سوريا، فإيران وتحسبا لأي تحول تجد فيه نفسها هدفا مستباحا للروس و"الإسرائيليين" والأميركيين، تعمل على خلط الأوراق لقطع الطريق على أية تفاهمات تتعلق بإخراجها من سوريا، بعد أن أدركت روسيا أن استحقاق إخراج الإيرانيين من سوريا بات أولوية أميركية لا بدّ من أن تأخذه في الاعتبار، لذلك فهي لا تمانع الضربات "الإسرائيلية" التي تطال البنية العسكرية الإيرانية، بالإضافة إلى وضع نظام الأسد أمام خيار طلب الانسحاب الإيراني ضماناً لبقائه، ما يجعل روسيا مضطرة للتخلص من الشريك الإيراني، لضمان استمرار نفوذها في سوريا من جهة، ولأن إيران باتت عبئا على الروس من جهة أخرى، لذلك تتجاهلها في الحديث عن معركة إدلب.
وفي سياق ذلك؛ قال الصحفي أيمن مصطفى محمد الخبير بالشأن الإيراني: "للمرة الأولى "حزب الله" يتمرد على إيران ويرفض المشاركة في معركة إدلب، الموقع الذي سرّب هذه المعلومة هو موقع مخابراتي "إسرائيلي"، فتأتي وسائل إعلام المعارضة كعادتها لتنشر الخبر، "حسن نصرالله" صبي إيران، فارسي الهوى والمنشأ، فكيف لنا أن نصدق ما نشره "ديبكا"؟.
وأضاف محمد؛ "باعتقادي أن إيران نفسها ترفض المشاركة في معركة إدلب وخاصة بعد استبعاد مشاركتها من قبل الروس في معارك غوطة دمشق ودرعا والقنيطرة وريف حمص، و لو تهمها معركة إدلب لما سمحت لميليشياتها بالانسحاب من كفريا والفوعة".
ومما زاد من تصاعد الخلاف واتساع فجوته بين الجانبين، الاقتتال الدائر بين الميليشيات الإيرانية وميليشيات الأسد في محافظة دير الزور، ومقتل عدد من عناصر ميليشيا "حزب الله" اللبناني جراء الاشتباكات في مدينة البوكمال من قبل ميليشيات الأسد، وقيام " الحشد الشعبي" العراقي بطرد قوات نظام الأسد من مقراتهم القريبة من الحدود العراقية، والاحتشاد المسلح عند مداخل دير الزور والمناطق التابعة لها، وتفُسِّر هذه التصرفات بأنها ردة فعل على التنسيق "الروسي – الأميركي" المتعلق بالشأن الإيراني والميليشيات المحلية الخاضعة للنفوذ الإيراني، وتحذيرها المتكرر بالضرب على أيدي مثيري الفوضى بالملاحقة وسوء المصير، والمقصود هنا كل الميليشيات الخارجة عن حظيرة نظام الأسد والمرتبطة بإيران ماديا وعقائديا.
كثير من السجالات التي تدور بين الروس والإيرانيين، هي حول من سيقاتل في إدلب ومن سيقود المعركة؟، عادة ما يكون موقف إيران في المعارك السابقة قويا، ولكن في ظلّ الحديث الأميركي عن حصار إيران وعزلها دوليا، وتماهي الروس مع التوجه الدولي ضد طهران، يبدو موقف الإيرانيين ضعيفا.
واقعيًّا، لم يعد للإيرانيين من النفوذ المباشر في سوريا، ما يُبنى عليه من تأثير يمكن أن يُحسب لهم في إدارة الحرب وقيادة المعارك، ضمن شراكتهم مع الروس، باستثناء ما يمثِّله وجودهم العسكري من ثقل في المنطقة الشرقية على الضفة اليمنى للفرات من دير الزور نزولا إلى البوكمال، وذلك نتيجة هيمنة الروس على المفاصل الحيوية لنظام الأسد، لكن تظل هناك زوايا صغيرة يحضر فيها نفوذ إيران المباشر، مثل أذرعها العسكرية "حزب الله" والميليشيات المحلية ذات الطابع الطائفي والمنتشرة في مناطق العلويين الذي يشرف عليها أقرباء الأسد.
وبالنتيجة؛ فإن إيران غير متحمسة للقتال في إدلب، ولكنها تتعامل بشيء من الحرص والمراوغة والمخاتلة السياسية للحفاظ على الشراكة الجامعة لها مع الروس، أمّا ما يحدث من مواجهات مسلحة بين ميليشياتها وميليشيا الأسد في وادي الفرات، فإنها لا تعدو أن تكون تصرفات تمليها الضرورة وفي حدود المسموح به، التي تقتضيها حسابات كل طرف، ولا أدل على ذلك من زيارة وزير الدفاع الإيراني الأخيرة لدمشق، في ظرف اعتقد فيه الكثير أنهما مقبلان على مواجهة وشيكة، ومع ذلك لم تنكمش فجوة الخلاف، بل تراجعت ظاهريًّا، تزامنا مع قرع طبول الحرب على إدلب.
التضليل الروسي.. ابتزاز رخيص
في ظل الشحن والتراشق الإعلامي المتبادل، وتركيز وسائل الإعلام الدولية على إدلب، أوشك الوضع على الانفجار واقتربت المعارك من الاندلاع، وفي السياق العام للاستعداد لمعركة إدلب الوشيكة، لعبت الآلة الإعلامية الروسية دورًا بارزًا في توجيه متابعي الأحداث نحو الأهداف، التي أعلنت عنها موسكو، وقد حشدت في سبيل ذلك مجموعة من الحيل الإعلامية التضليلية، التي عادة ما وظفتها في كثير من المعارك التي خاضتها ضد الشعب السوري، ولعل من أبرز ذلك ما يلي:
التهديد بالأسلحة الكيماوية في إدلب
درجت الاستراتيجية الروسية في أي عدوان تشنه ضد الشعب السوري على اتهام فصائل المعارضة التي تصفها بــ "الإرهابية"، الاستعداد لتنفيذ "هجوم كيماوي لاتهام قوات نظام الأسد به"، الأمر ذاته تكرر في حلب الشرقية والغوطة الشرقية ودرعا.
وفي هذا الإطار؛ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، إنّ "الإرهابيين من جماعة هيئة تحرير الشام يستعدون لعمل استفزازي من أجل اتهام دمشق باستخدام الكيماوي ضد المدنيين في محافظة إدلب"، وأضاف أن "مسلحي التنظيم قد نقلوا 8 حاويات مليئة بالكلور إلى مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب، لتنظيم مسرحية الهجوم الكيماوي المزعوم"، وأوضح كوناشينكوف أن "تنفيذ هذا الاستفزاز الذي تشارك فيه بنشاط المخابرات البريطانية، سيصبح حجة جديدة لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضد دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية".
ووصلت إلى منطقة جسر الشغور، وفق "معلومات" وزارة الدفاع الروسية، "مجموعة خاصة من المسلحين الذين مروا بفترة تدريب على استخدام المواد السامة تحت إشراف خبراء من شركة أوليفا العسكرية البريطانية الخاصة، ومن المتوقع أن يقوم هؤلاء المسلحون مرتدين لباس الخوذ البيضاء بتقليد عملية إنقاذ المصابين في الهجوم".
ومنذ حاولت المخابرات الروسية اغتيال العميل السابق المنشق، سكريبال وابنته في بريطانيا، بسلاح كيماوي، وما تبعها من توتر العلاقات مع لندن إلى حدّ القطيعة، لا تكل موسكو من اتهام بريطانيا بالتحضير لهجمات بالأسلحة الكيماوية، رغم أن كل التقارير الدولية، وتحقيقات المنظمات الدولية، أشارت بشكل واضح إلى عدم تخلص نظام الأسد من ترسانته الكيماوية واستخدامها مراراً وتكراراً في الغوطتين الشرقية والغربية، وفي خان شيخون، وتهدف المعلومات التي تقدمها وزارة الدفاع الروسية إلى تضليل الرأي العام العالمي بأخبار كاذبة.
الادعاء بمحاربة الإرهاب في إدلب
لعب اللوبي الإعلامي الروسي مع شقيقه الإيراني، دوراً فاعلاً في تشويه "فصائل الثورة السورية" المناوئة للميليشيات الشيعية خلال سني الحرب الجارية في سوريا؛ حيث دمغ المقاومة ذات التوجه السني فيها، بأنها قاعدية أو داعشية أو تكفيرية، ودارت المعركة معها على هذا التشخيص عبر مختلف وسائل الإعلام، للتحريض ضد مجاميع المقاومة السنية التي تحارب الاحتلال الروسي وحلفائه الإيرانيين، وكذا الموالين المحليين الذين ساعدوا على احتلال البلاد، فكانت تهمة " الإرهاب" جاهزة، فوقع الغرب في هذه المصيدة الإعلامية، وتقوَّت روسيا والميليشيات الشيعية المسلحة لتتصدر مواجهة ما يسمى "الإرهاب السني" بالإنابة عن الأمريكيين والغرب وفق أجندات ومنافع مشتركة.
ورغم أن "هيئة تحرير الشام" قد اتخذت العديد من الخطوات، بإعتبارها إحدى قوى المعارضة السورية، عبر فك ارتباطها بالقاعدة مروراً بتحالفاتها مع الفصائل ومشاركتها في عمليات عسكرية ضمن تشكيل جيش الفتح، وكذلك بقبولها انتشار النقاط التركية في مناطق نفوذها لم يشفع لها من التخلص من التوصيف الروسي والغربي في دمغها بــ" الإرهاب"، ونتيجة تزايد الضغوط المحلية والإقليمية على الهيئة كتب عضو "مجلس شورى الهيئة " أبو ماريا القحطاني على حسابه في التلغرام: "يطالبون الهيئة بحل نفسها، ونقول لمن ينصح بحل الهيئة، نقدر نصحك، لكن السؤال موجه لك، هل الفيلق الرابع الذي شكله الثوار في حمص نفع مع الروس والنظام، أم أن جيش الاسلام الذي عرض نفسه ليكون مخفرا في دوما وتعهد بقتال الهيئة وبقية الثوار تم اخراجه بالباصات، نصيحتي لجنود الهيئة وقادتها وبقية المجاهدين الصادقين جهزوا أنفسكم لمواجهة الحملات الرافضية ولا تلتفتوا لبنيات الطريق".
واشنطن العائدة بقوة من بوابة إدلب
أمام ما تواجهه واشنطن من سخط شعبي عارم ضد سياسة الرئيس دونالد ترامب، من قضية الانتخابات التي تلاحقه إلى الملف السوري، باتت الإدارة الأميركية تدرك بأنها في مأزق، وأن شأنها في ذلك شأن من دخل حربًا دون استراتيجية واضحة المعالم؛ ولذلك فالخيار الأنسب لها هو ما أوضحته في أن وجودها و"التحالف الدولي" في شمالي سوريا، سيستمر علاوة على محاربة تنظيم" داعش" لهدفين: مراقبة الوجود الإيراني والضغط لانسحابه، والعمل لتحقيق حل سياسي وفقاً للقرار الدولي 2254، وإن تعمّدها التأكيد على ذلك يتضمّن ضغطاً على موسكو التي ابتعدت كثيراً عن روح القرار الدولي وأهدافه، ولا تزال تطلق إشارات إلى أنها في صدد اعتماد "مسار استانا – سوتشي" بديلاً من "مسار جنيف"، فالأول يحصر الحل السياسي بتوافقات روسيا مع تركيا وإيران، أما الآخر فيستلزم شراكة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من هنا، تحركت واشنطن عسكريا تزامنا مع الاستعدادات الروسية لشن هجوم على محافظة إدلب ومحيطها المحرر، ويبدو أن واشنطن انتهت من تهيئة تحالف دولي واسع لمنع العمليات العسكرية الروسية في إدلب، لأنها تدرك أن نجاح روسيا في السيطرة على إدلب، سيسفر عن نتائج مديدة على الوضع في سوريا وسيخرج واشنطن من المعادلة السياسية في سوريا، إن تمكن الروس من خلال سيطرتهم على إدلب من تحويل المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة من إدراج جنيف إلى حاويات سوتشي، وستؤدي إلى فرض أمر واقع في سوريا تكون اليد العليا فيه للروس.
وفي هذا الإطار؛ ذكر الصحفي أيمن مصطفى محمد: "يبدو أن التعزيزات العسكرية الأميركية التي تعلن روسيا عن وصولها إلى منطقة العمل ضد نظام الأسد، تعتبر جزءا من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا، فالقاذفات الأمريكية والمدمرة التي انتشرت في البحر الأحمر والخليج العربي، تعتبر مع بطاريات الرادار وربما بطاريات الدفاع الجوي التي تنشر في الشمال السوري بعضا من التطبيق العملي للاستراتيجية الجديدة في المنطقة ككل، ولعلّ الرئيس الأميركي ترامب يضغط على الروس والإيرانيين والنظام، ويلوح بالحرب في سوريا لأهداف متعددة، لتثبيت سطوة واشنطن في الشرق الأوسط، وتفريغ أزمات إدارته الداخلية نحو الخارج".
وقد قال كوناشينكوف: "لهذا الهدف وصلت إلى الخليج العربي منذ أيام المدمرة الأميركية The Sullivans وعلى متنها 56 صاروخاً مجنحاً، كما وصلت إلى قاعدة العيديد الجوية في قطر المقاتلة الاستراتيجية الأميركية В-1В وعلى متنها 24 صاروخاً مجنحاً من طراز AGM-158 JASSM".
وأشار إلى أن "التصريحات غير المبررة لعدد من المسؤولين الكبار في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حول نيتهم الرد بشدة على "استخدام الكيماوي من قبل الحكومة السورية، تمثل دليلا غير مباشر على تحضير الولايات المتحدة وحلفائها لعدوان جديد ضد سوريا".
لذلك وجد الروس أنفسهم في مأزق المواجهة الفعلية مع إدارة أميركية مأزومة وهائجة في حال ارتكابهم حماقة استخدام الكيماوي مجددا، في ظلّ ظروف دولية مغايرة عمّا سبق.
السجال التركي- الروسي حول إدلب
لم تنجح الاستراتيجية الروسية في فكّ الارتباط الوثيق بين تركيا وفصائل المعارضة السورية، وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام"، حيث جرى تنسيق علني بين أنقرة و"تحرير الشام" وباقي الفصائل في تثبيت مراكز المراقبة التركية داخل إدلب، في الأشهر الأخيرة، وتنسيق في مجالات خدمية أخرى، وهو ما تراه روسيا ورقة تركية ضاغطة تراهن عليها أنقرة لتكون سدّا منيعا أمام تمدد الأسد وإيران وروسيا.
وتدرك روسيا أن تركيا قادرة على تهديد مصالحها في المنطقة، ولا يمكن لها الاستغناء عن الشريك التركي في إدارة الجزء الفاعل من قوى المعارضة السورية، لتنفيذ أجنداتها السياسية لأنها على ما يبدو تعمل على احتلال مزمن وغير مكلف لسوريا، لذلك لا بد لها من التعاون مع تركيا.
وبالمقابل لم يتوقف الدعم التركي على الجانب العسكري فحسب، فالدعم اللوجستي التركي ظهر جديّا في تسليم فصائل المعارضة لائحة بأسماء شخصيات ووجهاء محليين في إدلب ومحيطها، على تواصل مباشر مع النظام والقوات الروسية، وكانوا في المراحل الأخيرة من التنسيق وتهيئة الظروف المناسبة لدخول المليشيات إلى مناطق ومحاور متعددة، خاصة في محاور ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، والمناطق المواجهة لخطوط التماس شرقي وجنوبي إدلب.
ويمثل التدفق المستمر للأسلحة من تركيا إلى صفوف المعارضة، تحديا وتهديدا أشد خطرا على ميليشيا الأسد، إذ تسهم هذه الأسلحة في ضرب تجمعات الميليشيات المهاجمة في المناطق المستولى عليها في هذه الجبهة.
ورغم السجالات القائمة بين أنقرة وروسيا، فإن الأخيرة تفضل ترك ملف إدلب لتركيا مؤقتا، مع بقاء الضغط الواضح عليها من أجل انهائه بسرعة توازي التقدم الذي تحسبه موسكو أنه انجاز كبير لها في مسار "التسوية السياسية" ولا شك أن عملا عسكريا سيوتر العلاقة التي أشاد بها بوتين على الصعيد الاقتصادي.
من هنا، فقرار الحرب على إدلب مرهون بتفاهمات تركية – روسية تتباين فيها المصالح، وتحدّ من طموحات الروس ونظام الأسد في التغول بدماء السوريين في إدلب.
وبالنتيجة، فإن تركيا تمتلك أوراق قوة تحتاج روسيا وإيران والدول الأوروبية الفاعلة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، للتفاعل معها.
خلاصة
تبرز مسألة استغلال فجوة الثقة المتراجعة بين الروس والإيرانيين، بعد الهجوم "الإسرائيلي" المتواصل الذي تعرضت له الميليشيات الإيرانية بموافقة روسيا، ومقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، حيث بادر الروس إلى إحلال قادة محليين وضباط موالين لموسكو، كإسناد مهمة قيادة وحدات عسكرية من قوات الفيلق الخامس، لتبدو الخطوة عملا إقصائيا صريحا لميليشيات إيران، واحترازيا من أي خطوة تستهدف مستقبلا الوجود الروسي في المنطقة، وهنا يمكن الاستفادة من هذا الاحتقان السائد بين الحليفين الروسي والإيراني.
عمليا، لدى المعارضة المسلحة فرصة للحفاظ على إدلب ومحيطها في حال تمكنت من الصمود في المعركة، فالنظام غير قادر على الاستمرار في معركة لعدة أشهر، بل يحتاج إلى معركة تشابه معركة درعا هي عملية استسلام منظم فقط، وفي حال واجه مقاومة حقيقية فسوف تكسر قواته، فإدلب اليوم هي داريا وجوبر، وهي النخبة التي رفضت البقاء في درعا والغوطة، وهي البقية الباقية من العناصر الذين فضلوا القتال والثورة على النظام، ما يعني أن نظام الأسد أمام خيارين، إما الدخول لمعركة إدلب واستخدام السلاح الكيماوي، أو الهزيمة التي تعني نهايته في سوريا، ونهاية أي قدرة لديه على شن هجوم لاحق على إدلب.
الأمريكان يدركون هذا، وترامب بحاجة إلى ذريعة مباشرة لضرب النظام، والكيماوي هو الذريعة الأكثر أخلاقية لفعل ذلك.
التحدي الأبرز أمام معركة إدلب، حيث تقف وراءه دول عظمى كالولايات المتحدة، وروسيا، وأوربا الغربية ومعها دول إقليمية فاعلة في الملف السوري "إيران وتركيا" لتحقيق مصالح استراتيجية تبادلية مع طرفي الصراع المحليين "نظام الأسد والمعارضة السورية"، فمع نية قيام الحلف الروسي بالعدوان، برزت محاولة إجهاضه على نحو ما قامت به تركيا من مطالبة فصائل المعارضة بالرد على المعتدين بعنف، مما أجبر الروس على طلب هدنة، وكذلك يهدد الأميركيون نظام الأسد, ويعمل الأوربيون على منع نشوب معركة شاملة ضد المناطق المحررة خوفا من موجة نزوح جديدة تشكل كارثة إضافية على أوربا.
لذلك, فالكرة في ملعب فصائل الثورة في التوجه نحو اندماج حقيقي ضمن تشكيل عسكري موحد لصدّ العدوان المفترض على آخر معاقل الثورة.