The New York Times – ترجمة بلدي نيوز
إن سياسة بوتين في سوريا واضحة بما فيه الكفاية، ففيما يستمر في تطويق مدينة حلب التي يسيطر عليها الثوار، يفر عشرات الآلاف من السوريين باتجاه الحدود التركية.
وكل ذلك من أجل ترسيخ الحكم الوحشي لبشار الأسد للسيطرة على الجزء المفيد من الأراضي السورية، وقصف المعارضة المعتدلة حتى الخضوع، ومنع أي احتمال لتغيير النظام بتحريض من الغرب، واستخدام وسائل دبلوماسية "لا معنى ولا قيمة لها" في جنيف كغطاء لتغيير الحقائق على الأرض، وربما في خامس أو سادس أسفل القائمة، تعزيز الجيش السوري إلى حد أن يصبح في يوم ما قادراً على مواجهة معقل جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية".
لكن الشيء المقلق هو أنه بات من العسير تمييز سياسة بوتين في سوريا عن سياسة أوباما، فرغم أن إدارة أوباما ما زالت تصرح بالكلام المعسول بأن "الأسد هو جزء من المشكلة وليس الحل"، وأنه إن بقي الرئيس السوري في الحكم خلال الفترة الانتقالية السياسية، فلا يمكن أن يبقى لأبعد من ذلك، إلا أن كل هذا مجرد كلام، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من يقوم بتغيير الأمور في سورية، في غياب أي التزام أو تطبيق لسياسة التصريحات التي يتبعها أوباما.
حلب، أكبر المدن السورية، يطوقها الآن جيش الأسد، والحرب السورية قد أودت بحياة ما لا يقل عن ربع مليون قتيل، وأكثر من 4.5 مليون لاجئ، ونحو 6.5 مليون شخص من النازحين داخلياً، كما زعزعت استقرار أوروبا من خلال تدفق أعداد كبيرة من الناس المروعين من هول الحرب، وفيما تستمر معاناة هذه المدينة، سنشهد المزيد من موجات اللجوء الضخمة.
وقد تكون حلب هي سراييفو سورية، وهي التي أثبتت مسبقاً أنها ميونيخ أيضاً، فالمدينة التي تتعرض لمحنة اليوم، هي عرضة لنزوات بوتين وأساليب الأسد العديمة الشفقة التي يعيد استخدامها اليوم في المدينة، وما يحصل هو نتيجة عجز إدارة أوباما عن أن يكون له هدف طوال السنوات الخمس الماضية.
فقد تجنب الرئيس الأمريكي ومساعديه في أوقات مختلفة الأزمة السورية، بسبب مفهوم أن سورية هامشية حتى النخاع للمصالح الوطنية الأمريكية، وبأنهم قد أدركوا سلبيات التدخل في سورية أفضل من غيرهم، بالإضافة إلى عدم ثقتهم بالأطراف الفاعلة على الأرض، كونها غير مفهومة أو غير جديرة بالثقة.
كما يتحجج المسؤولون الأمريكيون بأنه لا يتوفر دعم محلي أو من الكونغرس لاتخاذ إجراءات لوقف الحرب أو تشكيل نتائجها؛ وبأنه لا يوجد أساس قانوني لإقامة "مناطق آمنة" أو إيقاف القوة الجوية الأسد.
وتعود الإدارة الأمريكية لأفغانستان والعراق كدروس مستقاة في عدم جدوى إبراز القوة الأميركية في القرن الـ21، وبأن سورية ستكون كهزيمة أفغانستان لروسيا التي ستواجه غضب العالم السني، وأن هذه السياسة هي حتمية بغض النظر عن حجم المعاناة أو الخسارة الكاملة لمصداقية الولايات المتحدة، ولذلك يجب تجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط مهما تطلب ذلك.
مثل هذه المراوغات الضعيفة تتظاهر وتتنكر بأنها استراتيجية لسياسة الولايات المتحدة، لكن في الحقيقة هي الآن سياسة بوتين في سورية، ومن ثم سيكون هناك قبول حرج للعبة النهاية بيد موسكو، ورغبة خجلة من أميركا، بأنه مع القليل من الحظ ربما يقوم بوتين بالقضاء على تنظيم "الدولة".
إن سياسة أوباما المفجعة، وسؤاليه الدائمين "ماذا إذا؟" و"ماذا بعد ذلك؟" قد أديا للهجمات الإرهابية في باريس وسان برناردينو في كاليفورنيا، كما أسهمت هذه السياسة إلى انهيار محتمل لصلب الاتحاد الاوروبي، وإلغاء حرية التنقل في القارة الأوروبية ضمن اتفاقية شنغن، وإعادة تأسيس الحدود كرد على تدفق موجات اللاجئين التي استجابت لها الولايات المتحدة عن طريق أخذ نحو 2500 سوري منذ عام 2012، أي حوالي 0.06 % من المجموع.
يقول دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى: "إن الأزمة السورية هي الآن أزمة أوروبية"، وأضاف "لكن أوباما ليس مهتماً بأوروبا".
إن سوريا اليوم تمثل عار إدارة أوباما، فهزيمة بهذه الأبعاد ستلقي بظلالها على الإنجازات المحلية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقراره في 2013 عندما كان تنظيم "الدولة الإسلامية" بالكاد موجوداً في سورية، بأن لا ينفذ تهديده المتعلق "بالخط الاحمر" على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، يمثل لحظة محورية قُوضت فيها كلمة أميركا، وتكبد من وراءها أوباما غضباً دائماً من حلفاءه السنة في الخليج العربي، بالإضافة إلى أنه دعم الأسد من خلال عدم تعريضه لضربات عقابية جادة لمرة واحدة، وفتح الطريق لبوتين لتحديد مصير سوريا.
إن سياسة بوتين هي السياسة الأميركية ذاتها، لأن الولايات المتحدة لم تقدم أي بديل جدي، وكما كتب الشاعر والكاتب "ت. س. إليوت" بعد عقد مؤتمر ميونيخ 1938: "لم نستطع أن نطابق قناعتنا بأفعالنا، لأنه لم يكن لدينا أفكار لنواجه بها أفكار معارضة لنا"، ولذلك كانت سورية المقبرة الدموية للقناعة الأمريكية.
لقد فات الأوان، بل هو محض وهم، أن نتوقع تغيير كبير في سياسة أوباما تجاه سورية، ولذلك مأساة حلب ستستمر لوقت طويل، ولكن على الرئيس الأمريكي فعل ما بوسعه كما اقترح "مايكل ايجناتييف" في تقريره الصادر عن كلية كينيدي بجامعة هارفارد، حيث اقترح زيادة عدد اللاجئين في الولايات المتحدة من 10.000 إلى 65.000 ألف، وكما يشير تقريره، "إذا سمحنا للخوف بإملاء السياسات، فسيفوز الإرهابيون".