The National Interest – ترجمة بلدي نيوز
في 25 شباط 1987، بعث الرئيس السوري حافظ الأسد قواته إلى ثكنة "فتح الله" في بيروت الغربية، حيث قتل سبعة وعشرين عضواً من "حزب الله" في خطوة تهدف الى إظهار من السلطة العليا على إيران في لبنان.
وفي وقت لاحق، وبعد ثلاثة عقود تقريباً، يتم عكس هذا تماماً بطريقة عمل الأسد الأبن، حيث أغرق سوريا في حرب استنزاف وأعطى طهران المكاسب والسلطة العليا في دمشق.
وبالنسبة لإيران، كان بشار الأسد حليفاً قيماً، ولكن هذا لا يعني أنه لا غنى عنه، فمجيئه للسلطة عام 2000، تلاها حرب العراق عام 2003 وانسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، كل ذلك أطلق يد إيران في بلاد الشام.
كما زُود "حزب الله" في عهد بشار الأسد بالأسلحة والدعم السياسي، الأمر الذي كان مستحيل الحدوث في عهد والد حافظ، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى من طراز سكود، وزيارة في عام 2010 إلى دمشق من قبل رئيس الحزب "حسن نصر الله".
ولكن في حين عملت طهران منذ بداية "الحرب السورية" منذ عام 2011 على إطالة قبضة الأسد على السلطة، لكنها خططت أيضاً منذ المراحل المبكرة جداً من الصراع لليوم الذي يعقب سقوط حليفها وفقدان النظام السوري لدمشق.
حتى عندما تجلس إيران على طاولة المفاوضات في فيينا، تتغاضى استراتيجيتها النقاش السياسي والعمليات الفاشلة المتعاقبة، وبدلاً من ذلك تحاول خلق واقع لعملاء جديدين على الأرض في سوريا، وتبحث عن "ما وراء الأسد" للحفاظ على مصالحها الجوهرية.
وتعرف هذه المصالح اليوم بثلاثة أهداف: ضمان وصول شحنات الأسلحة إلى حزب الله، الحصول على موطئ قدم استراتيجي في بلاد الشام وضد إسرائيل، ومنع تشكيل حكومة مستقرة تتحكم بشكل كامل بسورية وتمثل تهديداً لإيران.
وفي حين أن هذه الأهداف الثلاثة محققة اليوم في ظل حكم الرئيس المستنفذ بشار الأسد، إلا أن طهران تقوم بوضع هياكل عسكرية وليست مؤسساتية من شأنها أن تحمي مصالح إيران بعد أن يسقط الأسد، ووفقاً لرويترز، تعتمد إيران على "قوة علوية" ضخمة (الأقلية الحاكمة) بعدد كبير يبلغ 200.000 ألف، وعلى تجنيد مقاتلين شيعة من العراق وأفغانستان لتنفيذ حربها.
وتأتي في أولويات إيران حماية والحفاظ على شحنات الأسلحة المتوجهة إلى الميلشيا اللبنانية "حزب الله" عبر سوريا، وهذا الدعم الاستراتيجي لحزب الله سيقوي من سيطرته كعميل لإيران في الشرق الأوسط.
ومنذ عام 1982، طور حزب الله من قدرة تحمله السياسية والعسكرية التي جعلت منه عميل قوي في السياسة اللبنانية وتهديداً استراتيجياً لإسرائيل، أما اليوم، فدور حزب الله هو تغيير قواعد اللعبة في ساحة المعركة في سوريا، والسيطرة على المناطق الحيوية والمساعدة على منع سقوط العاصمة دمشق.
وقد تورط الحزب في القصير، القلمون والزبداني منذ 2013 وكثف تركيزه على طرق الإمداد، وصمم بأي ثمن على منع الثوار من السيطرة على تلك المناطق.
فهذه الزبداني، بعد كل شيء، حيث أسس الحرس الثوري الإيراني مقراته في عام 1982 لتدريب عناصر "حزب الله"، وكان أيضاً عن طريق الزبداني حيث تم أخذ ديفيد دودج، الرئيس السابق للجامعة الأميركية في بيروت، وتم نقله إلى طهران خلال أزمة الرهائن الأجانب في لبنان بين 1982-1992 بالإضافة إلى أن موقع الزبداني القريب وكونها ممر على وادي البقاع اللبناني جعل التخلي عنها أمراً مستحيلاً بالنسبة لحزب الله.
في ساحة المعركة، قام حزب الله على مداخل الزبداني، بالتفاوض على اتفاق مع الثوار من شأنه أن يسمح بمقايضة السكان من مناطق مختلفة في سوريا، حيث يتم جلب الشيعة من مدن الفوعا وكفريا في شمال سوريا ليعيشوا بدل السكان المحليين في الزبداني، والذين سينتقلون بدورهم إلى مناطق يسيطر عليها الثوار.
هذه التكتيكات تبرز البراغماتية الباردة لإيران في سورية ومشاركتها بالتفاصيل الجوهرية وحساب التفاضل والتكامل، بغض النظر عن نظام الأسد، ويعتبر حضور ميليشيات حزب الله الموالية لإيران أقل في شرق وشمال سورية، وبالتالي تلك الأراضي ليست حرجة بالنسبة لإيران كما الساحل والحدود اللبنانية، ويمكن في النهاية أن تتنازل إيران للثوار للتوصل إلى تسوية على الأرض في المستقبل.
وقبل أن تصبح لاعباً حاسماً في سورية، حاولت إيران أيضاً التحرش بالعدو اللدود إسرائيل من جبهة جديدة كانت هادئة منذ 1973، فإيران تسعى لبناء وجود بالقرب من مرتفعات الجولان وهو خط أحمر بالنسبة لإسرائيل، وقد قامت بأكثر من عملية تحريضية العام الماضي.
وفي كانون الثاني، اغتالت إسرائيل عضو حزب الله "جهاد مغنية" مع أربعة آخرين في القنيطرة بالقرب من مرتفعات الجولان وانتهى العام مع مقتل عضو آخر، "سمير القنطار"، الذي ارتبط عملياً بعملية ضد إسرائيل على جبهة الجولان.
ومع تعزيز الهدفين المذكورين أعلاه، تسعى إيران (في حال سقط الأسد) إلى تأسيس ما يكفي من وجود ونوفذ لها في سورية لمنع نظام معاد من أن يكون أكثر فعالية.
ولذلك فاستراتيجية إيران في سوريا تبدو مشابهة جداً لقواعد اللعبة التي تمارسها في العراق ولبنان، حيث اللاعبون "غير الحكوميين" مدججون بالسلاح ومدربين على تأمين مصالح إيران.
كل النماذج العراقية واللبنانية تثبت أن هذه الهياكل هي ميليشيات جديدة أنشأت هناك لتبقى، وهي لا تتبع لقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية، فقد تجاهل حزب الله بفعالية قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى نزع سلاحه (قرار مجلس الأمن رقم 1559)، كما وتشكل حديثاً ميليشيا شيعية أخرى هي "الحشد الشعبي" في العراق، متجاهلةً اتفاقية "صوفا" بين واشنطن وبغداد.