واشنطن بوست: القمح أكثر الأسلحة الغير تقليدية في سوريا - It's Over 9000!

واشنطن بوست: القمح أكثر الأسلحة الغير تقليدية في سوريا

The Washington Post – ترجمة بلدي نيوز
في خريف عام 2012، سيطر مقاتلون من الجيش السوري الحر على الغوطة الشرقية، وهي منطقة شبه زراعية، تبعد حوالي 8 أميال شمال شرق دمشق، وردت قوات الحكومة بوضع المنطقة تحت الحصار، وقطع المياه والكهرباء والغاز والمساعدات الطبية والخبز.
وكان هدف النظام تجويع الشعب في الغوطة الشرقية حتى يرضخوا، وبالفعل نجحت هذه الاستراتيجية فتضاعف سعر الخبز والأرز 50 مرة، وعاش السكان المحليين على علف الحيوانات وفي بعض الأحيان لم يجدوا ما يقتاتون منه.
يقول مجد الديك، عامل إغاثة لمجموعة إنسانية سورية تدعى "ربيع الحياة": "إن النظام يشن حرباً على الشعب السوري من خلال خبزهم اليومي".
بعد تسعة أشهر، شن الجيش السوري الحر عملية عسكرية على المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام "المطاحن"، وتقع خارج الغوطة الشرقية، والهدف من هذه العملية كانت صوامع الغلال التي تضم جزءاً من احتياطات القمح الاستراتيجية للحكومة السورية، سلاح قوي في الصراع الذي قتل بعد أربعة سنوات ونصف _ما لا يقل عن ربع مليون إنسان.
و لو استطاعت المعارضة السيطرة على المطاحن، فكانت ستحافظ على القمح، تكسر الحصار، وتكسب نقطة استراتيجية على طريق مطار دمشق - وربما تكسب بعض المال.
وقد استمر تبادل اطلاق النار يوم ونصف، وقبل انتهاء المعركة في اليوم الثاني، أرسل المقاتلين المناهضين للحكومة رسالة عبر جهاز اتصال اللاسلكي لعمال الإغاثة داخل الغوطة الشرقية، يقولون فيها: "نحن نسيطر جزئياً على المصنع،  تعالوا وساعدونا في الحصول على الدقيق"، وجاء مجد الديك وغيره من المتطوعين، سالكين طريقاً خلفياً لتفادي قناصة الحكومة.
وعندما وصلوا، فوجئوا برؤية نحو 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، فقد هرع معظم أهالي الغوطة الشرقية عند سماعهم بوجود الطحين، وكانوا في بؤس كاف ليجعلهم يخاطرون بحياتهم أمام القناصة والقصف للحصول عليه، ورغم محاولة المقاتلين منعهم ، لكنهم استمروا بالقدوم.
يقول مجد: "لقد كانوا يتضورون جوعاً ومستعدون للموت من أجل أن يتناولوا بعض الطعام، والكثير منهم مستعد للتضحية بحياتهم من أجل ذلك".
الخبز هو الغذاء الرئيسي في الشرق الأوسط، والخبز اليومي هو "لقمة العيش" للشرقي أي لقمة الحياة، فبالإضافة إلى الكربوهيدرات الموجودة فيه، فهو مصدر رئيسي للبروتين لكثير من الناس في المناطق الفقيرة والريفية. 
"لا يمكنك أن تتخيل الحياة بدون الخبز"، يقول عامل إغاثة سوري من حلب، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، "الخبز يعطيك السعرات الحرارية، والطاقة، ولا شيء آخر تأكله قد يعادله، بالإضافة إلى أنه رخيص، لذلك هناك فرصة أن تبقى على قيد الحياة".
وتدرك الحكومة السورية أهمية الخبز، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية، فضلا عن كوكبة غيرها من الجماعات المسلحة التي تتنافس للسيطرة على أراضي البلاد وشعبها.
واستراتيجياً لا تقل أهمية الخبز عن النفط أو الماء، فالمدنيين يعتمدون على السلطة التي توزع عليهم الخبز، ويقوم المنتفعون ببيعها للجائعين بأسعار خيالية، يقول محلل سوري من دمشق اشترط عدم الكشف عن اسمه: "عندما تسيطر على الخبز والوقود، يمكنك التحكم بالمجتمع ككل".
هذا هو السبب في أن تنظيم "الدولة"، والحكومة لا يقاتلون فقط من أجل السيطرة على الأرض بل يتحاربون على القمح أيضاً، فالمعارك تجري في كل نقطة إنتاج للقمح، حقول المطاحن، مصانع الخميرة، وحتى المخابز.
وبالفعل، ثلث إنتاج البلاد من القمح يقع خارج سيطرة الحكومة السورية، ووفقاً لمسؤولين من منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (أن السوريين الذين يعملون في قطاع الزراعة يعتقدون أن العدد ربما يكون أكبر). 
وتنظيم "الدولة" هو من يسيطر على الجزء الأكبر من الأراضي المنتجة للقمح والتي تسمى من قبل السوريين "بالجزيرة"، ويمارس التنظيم نفس الاستراتيجية في العراق، حيث قدرت منظمة الأغذية والزراعة العام الماضي، أنه يسيطر على نحو 40٪ من إجمالي إنتاج القمح.
ونتيجة لذلك، قدر برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة في حزيران، أن ما يقرب من 10 مليون سوري -  أي ما يقرب من نصف سكان البلاد قبل الحرب – يعيشون حالة "انعدام أمن غذائي"، وهذا يعني أنهم يعانون من الجوع بشكل يومي، ومن هؤلاء، ما يقرب من 7 ملايين بحاجة لمساعدات للبقاء على قيد الحياة.
حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي، بشار الأسد، كان يدرك أهمية الطاقة الزراعية أفضل من أي دولة أخرى قوية، وفي عام 1977، ترأس افتتاح إيكاردا، وهي منظمة أبحاث علمية تعزز التنمية الزراعية، وعلى مر السنين، مولها هو وابنه بسخاء.
فبالنسبة لعائلة الأسد، كانت السيطرة على القمح والخبز طريقة ممتازة للسيطرة على الفلاحين والبدو - أو أي شخص آخر قد يشكل خطراً على سلطة الدولة المركزية، وحتى اليوم، يضطر المزارعون السوريين في المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى شراء البذور والأسمدة والمياه من الحكومة.
ويقوم مسؤولو حكومة الأسد بتحديد أسعار البذور ومن ثم يشترون المحاصيل بعد الحصاد، لأن الحكومة تسيطر على كل مرحلة، والمزارعين الذين يخرجون عن هذا الخط يمكن أن يعاقبوا بسهولة، فعلى سبيل المثال، المزارع الذي يتمرد، لا تمدد له الحكومة قرضه أو تشتري محصوله، ويقول مهندس زراعي رفض الكشف عن هويته: "الحكومة تشجع البعض على الزراعة ولكن ليس في مناطق معينة"، كسياسة عقوبات جزائية من قبل الحكومة.
بالإضافة إلى ذلك أدى الجفاف إلى إجبار نحو 1.5 مليون الفلاحين في المناطق الريفية على ترك أراضيهم والهجرة إلى ضواحي المدن مثل حلب ودرعا، وتفشت البطالة، وفي مطلع عام 2010، كان 80 % من الناس في المناطق الأكثر تضرراً يعيشون فقط على الخبز والشاي.
في ربيع هذا العام، قال العديد من الموظفين الحكوميين الكبار في قطاع الخبز أن النظام يواجه أزمة إمدادات، فنقص الدقيق تجبر المخابز على استخدام الحبوب الكاملة من القمح،  ويتطلب القمح الكامل وقتا أطول في المعالجة والمزيد من الخميرة، ولكن إبطاء خط الإنتاج سيؤدي الى تفاقم نقص الخبز، والذي من شأنه أن يؤدي حتماً إلى المزيد من الاضطرابات السياسية. 
ووفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة، كانت مساحة القمح حصاد هذا العام الأصغر منذ عام 1960.
ولذلك يعتمد النظام بشكل متزايد على القمح المستورد من إيران وروسيا، ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة؛ استيراد هذه الحبوب أرخص لدمشق من ان تحصل عليها من شمال سورية، ولكن أسعارها تبقى مرتفعة وتفرض ضغوطاً على الفقراء الذين يعانون سوء التغذية حتى قبل الحرب.
وبالعودة إلى المتطوع مجد الديك، ليصف كيف جاءت قوات النظام بعد ذلك إلى منطقة "المطاحن" وفتحوا نار رشاشاتهم ودبابات الشيلكا على الناس المتجمعة لأخذ الطحين، وتوفي عشرات الأشخاص على الفور، وشاهد مجد كيف تم قطع رأس رجل بقذيفة مدفعية، وأحرق الناس داخل سياراتهم متحولين "إلى فحم".
بعض المتطوعون الذين جاؤوا بالشاحنات لنقل الطحين، حاولوا بعد ذلك تحميل ما استطاعوا من الجرحى في الشاحنات، وفي الوقت نفسه كان ما زال بعض الناس يتدافعون للحصول على ما تيسر لهم من اكياس الحطين.
ومع وصول المتطوعين إلى الغوطة، كان الجرحى مكومين فوق أكياس الطحين الغارقة بالدماء، وأحاط بهم بعد ذلك حشد من المدنيين الجائعين من نساء وكبار السن والأطفال، وفي هذه المرحلة من القصة، توقف مجد قبل أن يستطيع إتمام حديثه وقال: "كانت هذه أصعب لحظة، كان الناس اليائسين يتضورون جوعاً لدرجة انهم أخذوا الدقيق العابق بالدماء، وبعد أن فشلت العملية برمتها، قام النظام بإعادة السيطرة الكاملة على تلك المطاحن".

مقالات ذات صلة

احتجاجات واسعة بسبب رفع مادة المازوت بريف حلب

دمشق.. غارات إسرائيلية على مواقع ميليشيات إيران في السيدة زينب

حكومة النظام النظام تعتزم رفع الاتصالات في سوريا

روسيا تجري تدريبات جوية مشتركة مع قوات النظام في حلب

إحصائية للدفاع المدني بعدد المدارس المستهدفة من قبل النظام خلال 2024

أزمة تأمين مازوت التدفئة في دمشق تعود إلى الواجهة