بلدي نيوز – (منى علي)
كشفت أحداث إدلب المتكررة، عن مؤامرة دولية وإقليمية لترك المحافظة لمصيرها، بما في ذلك نحو مليوني مدني من سكانها والنازحين والمهجرين قسريا إليها من مناطق "المصالحات"، كما كشفت تلك الأحداث الدموية عن هشاشة كارثية لمؤسسات المعارضة السياسية والدينية التي تدعي تمثيل السوريين، من الائتلاف الوطني إلى الحكومة المؤقتة المنبثقة عنه، وصولا إلى الهيئات الدينية التي تكتفي بإصدار بيانات "التحليل والتحريم" من مقارها في الخارج.
القوتان العسكريتان المسيطرتان في محافظة إدلب، "تحرير الشام" و"أحرار الشام"، لم يكونا يوماً على وفاق، ويعلم الجميع أن حرب إبادة ستشتعل بينهما في أي وقت، وهو ما يكاد يحدث الآن، إذ توسعت رقعة الاقتتال بين الفصيلين لتشمل معظم مناطق المحافظة، وسط غياب تام لمؤسسات المعارضة، التي لا تملك ذراعا عسكريا، وبالتالي لا تدخل في معادلة إدلب نهائيا، إذ أن السياسة لا مكان لها على الساحة الإدلبية التي تسعى "هيئة تحرير الشام" للاستفراد بها كونها الملاذ الوحيد لإعلان إمارتها.
ومع تصنيف "جبهة النصرة" التي تشكل العمود الفقري لـ"تحرير الشام"، حركة إرهابية على المستوى الدولي، إلا أن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب كفَّ يده عنها، وكذلك فعلت روسيا ونظام الأسد، بعد دخول المنطقة ضمن اتفاق "خفض التصعيد"، مع أن الاتفاق لا يشمل "المنظمات الإرهابية"، وكذلك فقد أُسقطت إدلب من التسويات الجزئية في سوريا، فانصب اهتمام الولايات المتحدة وروسيا على ثلاث من مناطق "خفض التصعيد" الأربع المتفق عليها في "أستانا"، فأنجز الجانبان اتفاق الجنوب السوري، وهما بصدد إنجاز اتفاق هدنة مشابه يشمل ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية، ما يعني هدنة طويلة الأجل في كامل المناطق المعنية، سوى إدلب، التي لم يرد ذكرها إطلاقا في أي اتفاق. كما أن إدلب أفشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات "أستانا"، فلا مصلحة للنظام أو إيران وروسيا بوجود تركي مباشر أو غير مباشر فيها، فيما يبقى تركها لمصيرها حتى تتناهبها الفصائل المتقاتلة وتنهكها، هو الخيار المفضل لهؤلاء.
الأسوأ في سوريا لم يأتِ بعد, فما شهدته حمص وحلب وغيرهما قد لا يقارن بما ستشهده محافظة إدلب، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
ويبدو أن الفصائل، وخاصة "هيئة تحرير الشام"، ماضية في انتهاج أسلوب الغلبة لفرض سيطرتها، غير عابئة بالحاضنة الشعبية التي خرجت أمس الأربعاء في مظاهرات حاشدة ترفض اعتداءاتها وتطلب تحييد المدنيين عن الاقتتال. فتم مواجهة مظاهرة في سراقب بالرصاص الحي من قبل عناصر الهيئة، ما أدى لاستشهاد الناشط "مصعب العزو" وجرح متظاهرين سلميين آخرين.
ومع الصمت المطبق إزاء الأحداث الدموية في إدلب من قبل الدول الضالعة في كل تفاصيل الشأن السوري، تخرج وساطات ذات طابع ديني، عن هيئات دينية تابعة للمعارضة، ومشايخ مستقلين، تعرض حلولا ترقيعية أثبتت طوال السنوات الماضية من عمر الصراع فشلا ذريعا في التوصل لأي حل حقيقي.
وما بين معارضة عاجزة ومشلولة، ودول تتفرج على المتقاتلين وتنتظر إنهاكم لتطبيق خططها بلا عناء ولا مقاومة، يقبع مليونا مدني في قلعة الثوار الأخيرة، كلما رفعوا علما للثورة أسقطه الغلاة والمتشددون، إلا أن عزيمة هؤلاء الثوار السلميين تبدو ماضية في التحدي الذي اعتادوه وصار جزءا من الحياة أو هو الحياة كلها.