بلدي نيوز - (خاص)
ترددت خلال الاتفاقات الأخيرة التي وقعت فيما يخص جنوبي سوريا عدة مفردات مهمة، لا يمكن بمكان إخراجها خارج سياق الوضع العام والاتجاه الدولي العام لما يخطط له في سوريا، فما يحدث يعتبر شكلا من أشكال الاتفاقية الدولية الكلية، التي بدأت أطرافها بالكشف عنها تدريجيا، وربما يكون القسم الأول الذي يكشف عنه لاكتمال وضعه هو الجنوب السوري.
الجملة الأهم التي يمكن اعتبار ورودها في الاتفاقية هي موضوع "موظفين محايدين"، وهذه الجملة فيها الكثير من اللغط والعبث، خصوصاً إذا كانت تمثل الموظفين الحكوميين التابعين للنظام، والمسؤولين عن أمور الهجرة والجوازات والجمارك، وهم يعتبرون من الموظفين التابعين حكما لما يسمى وفق مصطلحات النظام "القوات المسلحة"، فهذه القوات المسلحة حسب مفهوم النظام تشمل الجيش والشرطة والجمارك والجيش الشعبي وغيرها من العناصر المسلحة التي تنفذ أوامر النظام.
فعناصر الجمارك وعناصر الهجرة والجوازات لدى النظام تتبعان لوزارات سيادية (وزارة الداخلية ووزارة التجارة) ويوجد لدى الكثير من أفرادها رتب عسكرية تابعة للنظام سواء وزارة الداخلية أو أفرع الأمن المختلفة، وهي مؤسسات وثيقة العمل مع أفرع النظام الأمنية وتعتبر من أوجه سيطرة النظام على المناطق التي يحكمها.
فانتشار الجمارك وعناصر الهجرة والجوازات الذين قد تعتبرهم الاتفاقية عناصر "حيادية"، يعني أن المعبر أصبح تحت سلطة النظام تماماً، وأنه أصبح المتحكم به، خصوصاً أنه سوف يكون مرتبط به إلكترونيا ما يسمح له الحصول على المعلومات حول حركة الدخول والخروج واعتقال المطلوبين عبر تسليم أسمائهم للحواجز في مناطق النظام، الأمر الذي يعتبر تهديداً أمنيا للمدنيين الذين يفكرون بالمرور عبر المعبر.
إضافة لأمر مهم، يعتبر حيوياً للنظام، هو عائدات المعبر الذي لم تتحدث عنها الاتفاقية، وما هي نسبة تقاسمها بين النظام والثوار، أم هل ستكون بكاملها للنظام الذي يعتبر عملياً (في حال شغل المعبر عناصر من الهجرة والجوازات والجمارك التابعة له) المسيطر على المعبر، حيث يتوقع مرور العشرات أو حتى المئات من الشاحنات يوميا عبر المعبر، خصوصاً الخضراوات التي تنتج في الجنوب والتي يعتبر "نصيب" أحد أهم منافذ تصدير المنتجات الزراعية في سوريا، إضافة إلى المنتجات الزراعية للساحل التي يسعى النظام لتصديرها عبر معبر نصيب، والتي ستجلب له نهراً من القطع الأجنبي الذي يحتاجه بشدة.
ما يجعل من اتفاقية الجنوب، بمثابة عملية إسعافية لاقتصاد النظام، وتجميلاً لصورته، ومحاولة للقول أنه في سوريا يوجد "دولة" وهي منفصلة عن "النظام" فهما عنصران مختلفان ولا يوجد تداخل بينهم، وأنه من الممكن إيجاد حل ما، يجعل من الدول هي المسيطرة وتحجيم النظام بطريقة ما، متناسين أن النظام هو المشرف الحقيقي على جميع أجهزة الدولة دون أي استثناء.
(أبو إيهاب) أحد العناصر السابقين في جوازات معبر نصيب تحدث لبلدي نيوز قائلاً "إن إيرادات المعبر يوميا تبلغ بالملايين، إذا استثنينا الإتاوات التي كان يحصل عليها عناصر الحواجز الأمنية للنظام من التجار جراء تسهيل حركة البضائع وتخفيض الرسوم عليها، ووصلت قيمة التجارة في المنطقة الحرة عام 2014 إلى 500 مليون دولار، وهو مبلغ كبير جدا".
وبحسب (أبو إيهاب) فإنه بالرغم من تراجع حجم التجارة ومستوى حركة البضائع عبر المعبر، إلا أن التجار سيعودون للاعتماد على موانئ لبنان وسوريا في حال افتتاح المعبر، حيث سيتم إنزال الشحنات في موانئ مثل طرطوس أو بيروت، وتحميلها على شاحنات تمر عبر معبر نصيب"، حيث ستحصل ميليشيا حزب الله على بعض المكاسب من وراء هذه العملية.
وتشمل كمية البضائع التي كانت تمر عبر معبر نصيب مئات الأطنان يوميا، وفق (أبو إيهاب) الذي تابع قائلا "الحركة التجارية عبر المنافذ البحرية مكلفة جدا، وإن أي تفعيل لمعبر نصيب مجددا سيوجه الأنظار إليه على الفور، ومن المتوقع جدا عودة الحركة التجارية إلى ارقام كبيرة، نظرا لتجربة التجار المريرة مع التصدير والاستيراد البحري وتكلفته العالية مقارنة مع كلفة النقل البري".
ويشكل بمعبر نصيب عقدة تجارية هامة لآلاف التجار والمستثمرين، حيث يتوسط طريق الصادرات والواردات بين الدول العربية وأوروبا، ويبدو أن الرغبة في تشغليه تتعدى الرغبات المحلية لرغبات اقليمية وأخرى للنظام الذي يحتاجها اقتصاده المنهار.