بلدي نيوز – (منى علي)
تشغل العشائر في سوريا حيزاً كبيراً على الأصعدة السياسية والاجتماعية والتاريخية، كما هي لاعب أساسي في الحرب التي اشتدت أوراها مؤخراً في عقر دار تلك العشائر شرقي سوريا، ومع وجود العشائر والانتماء العشائري في معظم محافظات البلاد، إلا أن محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، إضافة إلى البادية الشامية، تعتبر المحافظات الأكثر حفاظاً على الصيغة العشائرية وتقاليدها وأعرافها.
وفيما لعبت تلك العشائر دوراً هاماً في تاريخ سوريا الحديث، تلعب الآن دوراً يبدو أقل فاعلية وتأثيراً بسبب تشرذمها بين كافة الفرقاء المتحاربين، فالرجل الذي وصل إلى مرتبة رئيس الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، أحمد الجربا، وهو شيخ عشائري، اختار بعد خروجه من ذلك المنصب الانحياز إلى القوات الكردية الانفصالية، وشكل جيشاً عشائريا باسم "قوات النخبة" ليشارك في الحرب ضمن ميلشيات "قسد" المحسوبة على الانفصاليين.
وكذا فعل زعماء عشائريون آخرون، منهم حميدي دهام الجربا الذي يرأس قوات "الصناديد" وهو رئيس مشارك في الإدارة الذاتية لما يسمى "مقاطعة الجزيرة" التي يسيطر عليها الانفصاليون كذلك، فيما اختار زعيم عشائري آخر "العودة إلى حضن الوطن"، وهو نواف البشير، الذي شغل مناصب عدة في هيئات المعارضة قبل عودته إلى دمشق وتشكيل ميليشيا تعمل مع قوات النظام.
وتشيع إيران مؤخراً أخباراً عن تشكيل "الحشد الشعبي السوري"، الذي يتشكل في معظمه من أبناء العشائر ويرأسه شخصية عشائرية مقربة من طهران، هو علي حواس الخليف.
إلا أنه ثمة تشكيلات كثيرة كانت وما زالت تعمل لصالح الثورة السورية، وتحقق مكاسب هامة، واتضح ذلك جليا في معارك البادية السورية الأخيرة.
مضر حماد الأسعد، المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية والمتحدث الرسمي، رأى أن "امتداد العشائر والقبائل السورية على امتداد الخارطة السورية جعل منها لقمة سائغة تحت حراب النظام السوري وداعش و (ب ي د) وحزب الله والميليشيات الإيرانية والعراقية.. وذلك لتشتت عمل هذه القبائل وعدم وجود حاضنة أساسية لها توحدهم وتدعمهم لرد العدوان عليهم وخاصةً في المناطق الأكثر سخونة في الرقة والحسكة وديرالزور والبادية الشامية وتدمر وحمص واللجاة وحماة، مما جعل خسائرها مضاعفة وخاصةً في عمليات التهجير التي تعرضوا لها من قبل الـ(ب ي د) وحزب الله، وهذا الأمر انعكس سلباً على الواقع الديمغرافي في سورية".
ويوضح "الأسعد" ظروف بدايات العمل العسكري لتلك العشائر في سوريا، "في البداية لم يتم تشكيل كتائب من أبناء العشائر والقبائل الكبرى النعيم والجبور والعقيدات والحديديين وعنزة والبكارة والعميرات والموالي وبني خالد والبوبنا وجيس والشرابيين والمشاهدة والبوشعبان وشمر وطيء وزبيد والفدعان والبوخابور وبني صخر وعدوان... تحت مسمى العشائر والقبائل، بل كان شباب القبائل منضوين في مختلف كتائب الجيش الحر يدافعون عن أهلهم والشعب السوري عامة وابتعدوا عن تلك التسمية العشائرية خوفاً من (التعنصر) والمشاكل القبلية وغيرها.. ولكن بعد أن ذهب بعض شباب القبائل عن طريق الترغيب والترهيب إلى كتائب معادية للثورة السورية، كان القرار بأن يتم تشكيل جسم واحد يضم أبناء العشائر والقبائل السورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشباب السوري".
وعن خطوات توحيد جهود العشائر، يضيف "المتحدث الرسمي "الأسعد" في حديثه لبلدي نيوز: "نجحت الخطوات الأولى بحيث تم جمع شيوخ ووجهاء ونشطاء القبائل السورية في المجلس الأعلى للعشائر والقبائل والذي سعى وعمل على توحيد الكتائب العشائرية وسحب البساط من التنظيمات التي حاولت الاستفراد بهم، وحالياً تم توحيد الكثير من تلك التجمعات العسكرية الموجودة في القلمون وريف إدلب وحلب والجزيرة والفرات وريف حمص وتدمر في جسم عسكري وسياسي، ولكن بعيداً عن التسمية العشائرية خوفاً من المشاكل القبيلة وحتى نجمع فيه كل أبناء الشعب السوري".
وأكد "الأسعد"، وهو شخصية عشائرية معروفة، أنه في الفترة القادمة سيتم العمل على تهيئة الأجواء لتنقية العشائر والقبائل السورية من الدسائس والفتن وإعادتهم إلى مناطقهم ومزارعهم التي تم تهجيرهم منها من خلال إعادة إعمار البنية التحتية الأساسية مثل المستوصفات الطبية ومحطات تصفية المياة وتوليد الكهرباء ودعم المشاريع الزراعية الصغيرة وتربية المواشي وإنشاء الورش الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وذلك بالتعاون مع الدول العربية الشقيقة وتركيا وبعض الدول الأوربية الصديقة، وهذا الأمر سيساهم في استقرار مناطق البادية والريف ويعيد لها الحياة من جديد.
ووختم "الأسعد" حديثه بالتأكيد أن "أغلب كتائب العشائر العسكرية هي في قتال ضد النظام وحزب الله والميلشيات الطائفية وقسد الانفصالية، وذلك في القلمون وريف درعا والحماد وتدمر وريف الرقة ودير الزور وريف حلب وحمص".