بلدي نيوز – (منى علي)
بأقل من الأهداف المعلنة بكثير، وبشكل مفاجئ، أعلنت تركيا أمس الأربعاء انتهاء عملية "درع الفرات" رسميا، بعد نحو سبعة أشهر على انطلاقها في ريفي حلب الشمالي والشرقي، ووقوفها عاجزة على أبواب منبج، التي وقف الروس والأمريكان -حلفاء تركيا المفترضين- حائلاً بينها وبين "درع الفرات". ومع انطلاق العملية في 24 آب/أغسطس 2016، دعماً لفصائل الجيش السوري الحر أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هدف العملية هو تحرير منطقة بمساحة خمسة آلاف كيلو متر مربع وتمكين السوريين من العودة إلى تلك المنطقة بعد إقامة مناطق آمنة فيها. وهو ما اصطدم بمصالح (الحلفاء) لا غيرهم، فوقفت روسيا وأمريكا ضد هذا التوجه سياسيا في البداية، ثم عسكريا حين اقتربت قوات "درع الفرات" من منبج التي تم تكريس احتلالها من قبل ميلشيات "قسد" الكردية الانفصالية بدعم ووجود أمريكي روسي مباشر.
وبينما كانت العملية (درع الفرات) تنوي التوجه إلى الرقة لتحريرها من سيطرة تنظيم "الدولة"، رسم الروس والأمريكان سيناريو مختلفا تماما للمعركة، استبدل الجيش الحر والحليف التركي بالعدو الرئيس لتركيا، الوحدات الكردية المنبثقة عن حزب العمال الكردستاني.
فما أسباب هذا الإعلان المفاجئ وما نتائجه على الساحة السورية والتركية؟.
المحلل العسكري السوري "راني جابر" يجيب بالقول إن "تركيا أوقفت درع الفرات ولكنها لم توقف عملياتها في سوريا، ويمكن القول أن الأمر قد يتشابه مع العملية في اليمن (عاصفة الحزم) والتي تحولت إلى (إعادة الأمل)، حيث تغيير الاسم والتكتيكات لكن الهدف ما يزال نفسه، وقد يكون هذا هو الوضع بالنسبة لدرع الفرات، فتركيا لم تسحب قواتها بل بالعكس تدعمها في الشمال، ما يجعلها مؤهلة للدخول في عمليات أخرى لاحقاً.(
ويضيف "جابر" في حديث خاص لبلدي نيوز: "تركيا تتعرض لضغط دولي هائل، من طرف (حلفائها) قبل أعدائها، فروسيا وأمريكا تتسابقان في دعم الأكراد، وإيران تحفر الحفر لتركيا، وأوروبا تؤجج العداء القديم مع تركيا بكل ما تعنيه، والوضع الداخلي التركي (على المستوى السياسي) لا يسمح بالكثير من المجازفات، ما يعني أن انتقال تركيا في هذه المرحلة من العمل المباشر إلى أسلوب دعم الفصائل على الأرض في سوريا هو الأكثر فاعلية، خصوصاً أنه ذو نتائج أكثر ومتطلبات وتكاليف أقل (على عدة مستويات)".
وعن الوضع الراهن في شرق سوريا، يقول المحلل العسكري "جابر": "بالنسبة للوضع شرقي الفرات فهو على الرغم من تعقيده والسيطرة الظاهرية الكاملة للانفصاليين الأكراد، لكن الأكراد نفسهم منقسمون (بيشمركة – ب ك ك)، ووجود عشائر عربية تعرضت للتهجير المنظم من مناطق تعيش فيها منذ قرون طويلة وطبيعة المنطقة الجغرافية، يعني أنه هنالك إمكانية كبيرة للاستفادة من هذه الأمور داخل (الفيدرالية) التي يسعى الانفصاليون لاقتطاعها، ما يساهم بتهديمها من الداخل بدون أي تدخل تركي مباشر".
ويختم الباحث والمحلل "راني جابر" بالتأكيد على أن "تركيا تعتبر ما يحدث تهديداً مباشراً لأمنها ووحدة أراضيها، ولن تسمح بوصول الأمر لنقطة اللاعودة، الأمر الذي لن تعدم الحيلة لتحقيقه".
تقارير صحفية عديدة منها نُشرت في صحف تركية، نبهت إلى أن الأمر ليس مستتبا في المنطقة التي حررتها "درع الفرات"، وأن الإنجاز العسكري الذي تم تحقيقه، يبقى مهدداً ما لم يواكبه وبسرعة إنجازات خدمية تعليمية اجتماعية وأمنية، فالمنطقة بحاجة لإعادة إعمار وتخديم أساسي لعودة السكان إليها، حيث إن 60% من السكان ما زالوا مترددين بالعودة نظرا لضعف الخدمات والأمن، الأمن الذي يبقى الملف الأهم إذ أن الأعداء ما زالوا يحيطون بالمنطقة ويتربصون بها (قسد، تنظيم الدولة، قوات النظام)، بينما تبدو تركيا مدركة تماما لواقع الأمور وتسعى جاهدة لتأمين المنطقة، إلا أن الملف يبقى شائكاً لأنه يقع ضمن اهتمامات ومصالح موسكو وواشنطن اللتين تحالفتا ضد الحليف التركي في المنطقة!.