"انسحابات" تنظيم الدولة واستراتيجية "ضرب الحلفاء" - It's Over 9000!

"انسحابات" تنظيم الدولة واستراتيجية "ضرب الحلفاء"

بلدي نيوز - (عمر الحسن)
تكثف أمريكا ودول التحالف هجومها على تنظيم "الدولة" في سوريا والعراق، وتعمل كافة القوى التابعة لها بهدف تحقيق عملية القضاء على التنظيم بأي ثمن، وتحصيل المكاسب التابعة لها، من تطهير عرقي وتوسيع ممتلكات كل قوة ونهب ثروات المناطق التي تدخل إليها، وعمليات التغيير الديموغرافي التي تحدث بشكل لم يعرفه التاريخ، منذ عمليات التهجير التي نفذها ستالين خلال الحقبة السوفيتية، بحق العديد من القوميات المسلمة في القوقاز وأواسط آسيا.
على الرغم من خسارة الكثير من المساحات التي سيطر عليها عشية 2014، لكن ما يزال التنظيم يحكم مساحات واسعة في سوريا والعراق، وما يزال لديه الكثير من مصادر التمويل التي تؤمن له الكثير من الدخل اللازم لإدامة عملياته، إضافة لوجود أعداد كبيرة من مقاتليه المدربين، الذين انسحبوا من العديد من المناطق، ويتمترسون الآن في المدن والمناطق الرئيسية بهدف الدفاع عنها.
معارك استنزاف
تعتبر معركتا الباب والموصل نموذجاً عن معارك التنظيم المقبلة، فقد استغرقت عملية الباب عدة أشهر، في حين أن معركة الموصل التي بدأت قبل الباب لما تحسم، ولا يبدو أن الميليشيات الشيعية ستكون قادرة على الانتصار فيها قريباً، على الرغم من الدعم العسكري الهائل الذي تحصل عليه، ولن تكون مبالغة إذا قلنا أن التنظيم ما يزال قادراً على كسر القوات العراقية واستعادة المدينة (في حال انخفاض وتيرة الدعم الجوي للميليشيات)، خصوصاً مع تآكل القوات المهاجمة المكونة من ميليشيات شيعية وإيرانية وكردية، والتي تتكبد خسائر خيالية يوميا، تبلغ العشرات إلى المئات من العناصر، حتى أن هذه القوات خسرت في معركة للسيطرة على كتلة أبنية واحدة قرابة 300 عنصر "قتلى"، ما يعني أن نهاية معركة الموصل لن تأتي قبل أن يضمن التنظيم، أن الميليشيات الشيعية في العراق خسرت معظم قوتها الفعالة، ولن تستطيع تنفيذ عمليات ضخمة لاحقة لها.
فالتنظيم حوّل معركة الموصل إلى معركة استنزاف للميليشيات الشيعية، أثرت بشكل حقيقي على عملياتها في سوريا والعراق، ولا يبدو أنها سوف تنتهي خلال الأسابيع القادمة، على الرغم من كثافة القصف، وعدد العناصر الهائل الذي دخل إلى المعركة والذي يتجاوز 150 ألف عنصر للميليشيات الشيعية والجيش العراقي والبيشمركة الكردية.
حيث تتحدث العديد من المصادر عن مقتل وجرح ما لا يقل عن 50 ألفا منهم، في حين لا يتجاوز عدد عناصر التنظيم في المدينة خمسة آلاف مقاتل (أعلى التوقعات).
الرقة وديرالزور
بعد الموصل يوجد الرقة وديرالزور، والتي يبدو أن معركتهما بحاجة لعدة أشهر أخرى من التحضيرات، لأن القوات المهاجمة غير جاهزة، خصوصاً أنها تتكون من الميليشيات الكردية ومن سار في ركبها، والتي تبدو عاجزة فعلياً عن الدخول للمعركة، فهي تحتاج لوجود قوة عسكرية بشرية ضخمة (تتحمل الخسائر) تكون تابعة لأمريكا بشكل كامل، ولا تتسبب بأي مشاكل بعد احتلال المدينة، ويشكل النظام القوة الأكثر قبولاً لمساعدة الأكراد في معركة الرقة، خصوصاً أنه ما يزال يتقدم من جهة الغرب باتجاه المدينة، ما يعني أنه سوف يصل لمجموعة التلال المشرفة من جهة الجنوب، ويساهم في حصارها، وستعمل قواته على سد الفراغ الناجم عن نقص العناصر لدى الميليشيات الكردية، وسوف يقبل بالدخول للمعركة وحتى تسليم المدينة لاحقاً للأكراد، مقابل إعادة الاعتراف به "بشكل علني"، ومنع محاسبته على جرائمه بحق السوريين.
الوقت التقديري للسيطرة على الرقة يتجاوز العام، خصوصاً أن معركة الموصل لما تنته بعد، وتركيا رفضت في معركة الرقة، ما يعني أنها قد تعمل بطريقة تضغط على النظام خلال هذه المعركة، ما يزيد الوقت اللازم لإنجازها، إضافة لجملة المعارك التي فتحت ضد النظام في دمشق وحماة، والتي ستؤخر تقدمه ومشاركته في معركة الرقة.
استراتيجية "التقهقر"
يعتمد تنظيم "الدولة" استراتيجية عسكرية مرنة جداً خلال معاركه في سوريا والعراق، فهو يطبق مفاهيم قتال "الكتلة المرنة"، لذلك تراه ينسحب ثم يقتحم ثم ينسحب ثم يهاجم من جهة أخرى وهكذا دواليك.
فيعتمد التنظيم على سرعة مقاتليه وسهولة حركتهم، ويركز على العربات الرباعية الدفع المحملة بالأسلحة المختلفة، والتي تؤمن له القدرة على الحركة في جميع الظروف والطرقات والاتجاهات، ما يعني أنه قادر على تجاوز مفاهيم الهجوم العسكرية الكلاسيكية، والعمل ضمن أساليب جيدة تسببت بإرباك خصومه.

يعتبر (التقهقر) أو ما يعرف باسم "الانسحاب التكتيكي"، واحدة من عناصر التكتيكات العسكرية لتنظيم الدولة، فهو يستخدمه بهدف توجيه حركة خصومه وتحديد المسارات التي يتخذونها، فهو يوجههم أثناء مسيرهم إلى المناطق التي يحددها سابقا، فهو يرسم لهم مساراً عبر قواته المنسحبة، ما يعني أنهم سوف يسيرون فيه بسبب صعوبة القتال ضد التنظيم ورغبتهم بتحقيق التقدم الميداني، ما يتسبب بانجذابهم لكمائن "سياسية وعسكرية"، فهو يستطيع عبر التقهقر خلق وضع ميداني وسياسي يخدم مصالحه، ويتسبب بإرباك كبير في صفوف القوات المهاجمة، يصل لمرحلة ضربهم ببعض.
عسكرياً يفخخ التنظيم المنطقة التي يرغب بالانسحاب منها ويزرعها بالألغام، ما يجعلها نقطة استنزاف للمهاجمين، ويجبرهم على تثبيت قسم من قواتهم لتمشيطها والعمل على السيطرة عليها وحراستها، خصوصاً أن التنظيم مشهور بالهجمات الارتدادية وعمليات الالتفاف، والعمليات العسكرية المختلفة في عمق أراضي العدو، ما يساهم في تخفيض زخم الهجوم اللاحق وتقليل عدد القوات المتوفرة للهجوم.
إضافة لذلك، يدرك تنظيم الدولة أن التحالف القائم ضده (ليس على قلب رجل واحد)، ما يعني أنه يستخدم هذا الأسلوب للمساهمة في شق صف هذا التحالف، ويبدو أنه ينجح بطريقة مميزة خلال المرحلة الحالية، فهو نجح في التسبب بأزمة كبيرة بين تركيا والغرب على هامش انسحابه من مناطق شرقي حلب بوجه جيش النظام، الذي استغل الفرصة وتقدم، ما سمح له بحصر قوات درع الفرات ومنعها من التقدم.
اختيار الخصوم
كذلك بعد معركة الرقة هنالك معركة في ديرالزور، والتي لن تمر بسهولة، في محافظة ديرالزور من جهة الشرق، هنالك سلسلة من المدن التي ستحتاج كل واحدة منها لسلسلة معارك للسيطرة عليها (مدينة البوكمال بحجم ديرالزور، ومدينة الميادين بحجم الرقة مثلا)، ما يعني أن التنظيم لديه فرصة لاستنزاف القوات التي ستقرر التورط في الريف الشرقي لدير الزور، الأمر الذي تدركه الميليشيات الشيعية، والدول الكبرى، حيث جعلت معركة ديرالزور مؤجلة حتى النهاية، على أمل أن يحدث انهيار هيكلي لقوات التنظيم.
لكن ما يحدث هو العكس تماما، فالجرائم التي ترتكبها القوات التي تدخل المدن التي كان يسيطر عليها التنظيم، وطبيعة المعركة العقائدية التي تحملها تلك الميليشيات، تجعل الكثير من المقاتلين السابقين والمدنيين يقبلون القتال مع التنظيم في المدن التي تقرر الميليشيات الهجوم عليها، ما يجعل التنظيم قادرا على الصمود لفترة لا تقل عن عامين في سوريا على أقل تقدير.
فحسب أكثر من مصدر، سجل أكثر من 200 شخص على عمليات بعربات مفخخة من قرية واحدة في ريف ديرالزور الشرقي، الأمر الذي يمكن اعتباره إشارة على أن التقدم في تلك المناطق سوف يكون بمثابة نهاية القوات المهاجمة واستنزافاً لها، ضمن استراتيجية التنظيم القائمة على القتال طويل الأمد، وضرب الحلفاء ببعض (حالياً استطاع التنظيم أن يضع تركيا في وضع عدائي مع الحلفاء بسبب إخراجها من معركة الرقة).
حيث استفاد التنظيم من انسحابه بوجه قوات النظام لإخراج تركيا والثوار من قائمة القوات التي تهاجمه، وحصرها في جيش النظام والميليشيات الكردية، مستفيداً من طبيعة عناصر هاتين القوتين، الذين يمكن القول أنهم أقل قدرة على قتاله من عناصر الجيش الحر المدعومين تركيا، كما ساهم في شق صف التحالف ضده، الأمر الذي قد ينعكس بنتائج إيجابية على الأرض، تتمثل بتخفيض سرعة تقدم المعارك إلى الرقة واستنزاف القوات المهاجمة والتي انخفض عددها بسبب عزل الثوار عن التنظيم بقرابة عشرة آلاف إلى 20 ألف عنصر على الأقل، وضرب الأكراد بتركيا، حيث يبدو أن تركيا بدأت فعلياً بضرب الأكراد وبدأت معارك محدودة مع الميليشيات الكردية (الجيش الحر هو من يعمل خلال تلك المعارك بدعم من المدفعية التركية)، ما يعتبر نصراً تكتيكاً على المدى القريب، سيستغله التنظيم بمتابعة تحصين الرقة، وتحضيرها لمعركة طويلة جداً، وكسب المدنيين فيها إلى صفوفه لحماية عائلاتهم من الميليشيات الإيرانية والعراقية والكردية، فهم يشاهدون ما يحدث في المناطق التي دخلت إليها هذه الميليشيات الإرهابية، حيث أنه أزال الخيار الإيجابي الوحيد من أمام المدنيين، باحتمالية دخول قوات من السنة العرب إلى المدينة، ما يعني أن المدنيين قد يتأملون خيراً بها، خصوصاً مقارنة بوضع الباب وجرابلس وغيرهما، لكن التنظيم بانسحابه أزال هذا الخيار، ولم يبق سوى الميليشيات الكردية والشيعية لتدخل المدينة، ما يعني أنه سيكون هناك عدد معتبر من المدنيين، ممن سوف يقاتلون مع التنظيم، دفاعاً عن عائلاتهم، خصوصاً بعد انعدام الخيار البديل، والنموذج العقائدي البحت للمعركة الذي أصبح واضحاً للعلن، وما ينتظرهم من إجرام ستمارسه الميليشيات الشيعية والكردية بحق المدنيين.

يفهم إذاً من سلسلة الانسحابات التي نفذها التنظيم في ريف حلب الشرقي، أن معركة الرقة ستطول جداً، على الرغم من التفوق النوعي للتحالف والميليشيات المرافقة له على جميع المستويات؛ فالقوات الأمريكية تنتظر الربيع لتحسن الوضع الجوي بما يعنيه من راحة وحرية كاملة في القصف، وكذلك انتهاء معركة الموصل، بهدف عدم استنزاف قواتها بالقصف على جبهتين، وإمكانية الحصول على دعم من الميليشيات الشيعية باتجاه شرقي ديرالزور، وجهوزية مطاراتها في سوريا التي تجهزها في المناطق التي تحتلها الميليشيات الكردية، فهي تخشى أن تعمل تركيا خلال معركة الرقة على استخدام قاعدة إنجرليك للضغط على التحالف.
كل هذه الأمور تؤكد أن معركة الرقة قد تستغرق عاماً واحداً على الأقل، وبعدها ستزداد شراسة التنظيم في المدن الباقية، ما يعني أن السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم شرقي سوريا لن يتم قبل عامين على الأقل، ولكن التنظيم لن يختفي بل سيبقى نشطاً لفترة طويلة، وقد يتمكن خلال السنوات القادمة من العودة للظهور بقوة شرقي سوريا، خصوصاً مع عمليات التهجير المنظمة التي ستحصل، والتي ستمنع السوريين من العودة لبيوتهم، ما يعني أن التنظيم سيكون لديه مورد بشري هائل من السوريين والعراقيين المهجرين والذين سيكونون عماد قواته التي ستعود للظهور خلال عدة سنوات (مستغلا الصراع الذي سينشأ بين الميليشيات الشيعية والكردية والصراع الكردي-الكردي، والحرب الإيرانية على الخليج العربي)، هذا إذا نجحت قوات التحالف والميليشيات الكردية الشيعية في القضاء عليه في سوريا خلال العامين القادمين.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//