بلدي نيوز– (ميرفت محمد)
منذ انتهاء معركة حلب الشرقية لصالح تسليمها لنظام الأسد، لم تتوقف المعلومات الواردة عن انضمام العديد من الشخصيات التي حُسبت لاحقًا على المعارضة لسجل "العودة إلى حضن النظام".
عسكريون وسياسيون ونشطاء وإعلاميون، عادوا بعد انشقاقهم السابق عن النظام إليه، وبعيدًا عن الكثير من اللغط في هذه القضية، يستعرض التقرير التالي لـ"بلدي نيوز" الفئات التي عادت للنظام ويتطرق إلى آلية استغلال هؤلاء سياسيًا وإعلاميًا من قبل النظام، كما يعرج التقرير على دور الحرب الروسية في عودة هؤلاء.
"الشيخ" أبرز العائدين
عودة العميد الركن مصطفى أحمد الشيخ، واحدة من أبرز حالات العودة إلى النظام يمثلها العميد الركن مصطفى أحمد الشيخ، الذي وصف بأنه "أرفع ضابط في الجيش السوري يعلن انشقاقه عن الأسد، ويلتحق بالمعارضة السورية"، لقد أعلن ذلك في 16 كانون الأول من عام 2011.
قبل أيام، كشف "الشيخ" عن موقفه المتخاذل مع الثورة السورية بتصريحات أطلقها من موسكو وسط حضوره مع عدد من الضباط المنشقين، وقال فيها أن "روسيا صديقة للشعب السوري، وأن الفصائل الإسلامية لا يمكن التعامل معها إلا بالقوة"، لم يكتف "الشيخ" بذلك، بل قال في مؤتمر صحفي أنه يرحب بالدور الروسي في المنطقة، و"يتمنى أن تُعمم تجربة حلب،على كامل المناطق السورية"، وحمل "الشيخ" من وصفهم بـ"الإسلاميين والإخوان المسلمين"، مسؤولية ما يحصل في سوريا، ولم يوجه أي إدانة لنظام الأسد.
ونقل عن العميد السوري "أسعد الزعبي" تعقيبه عن موقف "الشيخ"، بالقول إن "مصطفى الشيخ كان موثوقًا لدى النظام السوري؛ ولذلك تم تعيينه كضابط أمن في محافظة حلب، وشارك في قمع التظاهرات، وارتكب جرائم بحق المعتقلين بالتعاون مع اللواء أديب سلامة رئيس فرع المخابرات الجوية السابق في حلب"، مضيفًا "أن الشيخ انشقَّ بالتنسيق مع النظام من أجل أن يُشوش على مؤسس الجيش السوري الحر "رياض الأسعد"، ثم يعمل على اغتياله".
الفئات العائدة لـ"حضن النظام"
يصنف الكاتب السياسي "أحمد كامل" العائدين إلى حضن النظام إلى عدة فئات، أولهم مخبري النظام الذين تم زرعهم للتجسس على المعارضة السورية، وهؤلاء انتهت مهمتهم فعادوا واحدا تلو الآخر لحضن النظام كما يقول كامل.
ويضيف "هناك فئة أخرى، هي فئة من الانتهازيين الذين ظنوا أن الثورة سوف تنتصر لأيام كما حدث في تونس وفي مصر فركبوا الموجة، ثم لم يصمدوا أمام المدة الطويلة للثورة ولكونها أمرا جديا ومكلفا جدًا، فلم تعد مفيدة لهم فقرروا التوجه للنظام".
ويشير "كامل"في حديثه لبلدي نيوز إلى فئة المهزومين المستسلمين من الداخل والذي فضلوا العودة للعبودية التي كانوا عليها، ويوضح "هؤلاء خرجوا ضد النظام مكرهين كون موجة الثورة كانت قوية وعالية جدًا ولم يكن خيارهم إلا مسايرتها، وهؤلاء عددهم قليل وتأثيرهم ضعيف".
من جانبه، يضيف المحلل العسكري "راني جابر" على الفئات آنفة الذكر، بالقول "هناك فئة أرسلها النظام إلى أوروبا بصفة لاجئين، وذلك بهدف اختراق مجتمعات اللاجئين هناك والتجسس عليهم، ونقل المعلومات الأمنية المختلفة عنهم، والذين يتمتعون بالحماية والمعيشة الجيدة في أوروبا، في حين لا يزالون موالين للأسد وبعضهم يتردد على سوريا بشكل دوري، ومنهم من عاد إليها بعد انتهاء مهمته في أوروبا"، يضاف إلى ذلك من فضّل في البداية القفز من مركب النظام، والالتحاق بالثوار بهدف تحقيق المكاسب المادية والمعنوية، وهؤلاء حسب "جابر" يمثلون فئة من "المنشقين" الذين كان لهم دور هدام في الثورة، فهم يسعون عمومًا لمصالحهم الشخصية، وقد عرف عن عودة عدد منهم لحضن النظام أو المشاريع التي لا تتصادم مع النظام، مثل المشاريع الروسية والإيرانية وغيرها.
كيف يستغل النظام العائدين إلى حضنه سياسيًا وإعلاميًا؟
يتطرق المحلل العسكري "راني جابر" إلى خطورة استفادة النظام من العائدين إليه في الحصول على المعلومات الاستخباراتية التي يحملونها معهم، والتي تشمل الكثير من الجوانب الحساسة للكتل المعارضة التي كانوا ضمنها، ويرى أن النظام سوف يستثمر هذه المعلومات في ضرب هذه الكتل سواء عسكريًا أو سياسيًا، مضيفًا "كذلك يروج النظام لانتصاراته على المعارضة التي يظهرها بادية في التساقط و العودة إلى ظله وأنه يقبل "التائبين".
وختم "الجابر" بالقول "يستخدم كذلك هذا الأمر ليقول للمدنيين والثوار أن قيادات ثورتكم تعمل عندي وأنها مخترقة جدًا وأنها من يسير عمل الكثير من المعارضة".
يوضح الإعلامي السوري في قناة "أورينت" هاشم العبد الله أن استغلال النظام السوري للمنشقين عن صفوف الثورة السورية إعلاميًا يتمثل في إفساح المجال للظهور على قنواته وقنوات موالية له كقناة الميادين والعالم وروسيا اليوم، أما سياسيًا فيتمثل استغلالهم في "التشهير برموز المعارضة وذلك بفضح الخفايا والاختلاسات (طبعًا أغلبها ملفقة) لتشتيت الأنظار للمعارضة وظهورها وكأنها مفتتة وأنها تعمل بأجندات أجنبية ولا يهمها الشعب السوري"، كما قال العبد الله لبلدي نيوز.
أما المحلل السياسي أحمد الهواس، فيؤكد على أن من خرج من صفوف الثورة السورية لظنه أن النظام باقٍ يتم استغلاله الآن من قبل النظام السوري في بروباغندا إعلامية تهدف لبث اليأس في نفوس السوريين وتظهر أن الأمور انتهت لصالح هذا النظام.
ويشدد الهواس على أن النظام يوظف الحدث لكسر الجانب المعنوي لدى الثوار, وذلك لإظهار أن الثورة انتهت ولم يبق سوى إعلان انتصاره النهائي ليأتي الثوّار يستجدون عفوّاً منه, ويضيف الهواس "هذا كله يدخل في الجانب النفسي من خلال الإعلام، وفي واقع الأمر هو انتصار للثورة حين تتخلص من هذه القاذورات, وينكشف العملاء والمزروعون في داخل الثورة, وتعود أقوى وأكثر تماسكاً" .
خروج المنشقين.. خدمة جليلة للمعارضة
يعتبر المحلل العسكري راني جابر أن أحد أهم المشاكل التي تعتري البني والهياكل السياسية والعسكرية والإغاثية وحتى الإعلامية في الثورة السورية هي الاختراق الأمني عالي المستوى.
وتابع القول لبلدي نيوز "لا يوجد أي وسيلة عملية للتدقيق الأمني في الأشخاص والعناصر الذين يلتحقون بمؤسسات وهيئات مناطق المعارضة، الأمر الذي جعلها كتابا مفتوحا للأسد وداعميه"، مضيفًا "أرسلهم النظام في مهمات لاختراق الثوار والمعارضة، فمنهم من أعلن انشقاقه بشكل علني ورسمي وكامل ومنهم من لم يعلن، ولكنه انخرط في الأجساد الثورية المختلفة وسعوا للوصول إلى النقاط المحورية فيها، ما سمح للنظام بتنفيذ الكثير من العمليات العسكرية والأمنية والسياسية عبر عملائه".
من جهته، يعتبر المحلل السياسي أحمد كامل أن عودة هؤلاء إلى النظام بمثابة خدمة جليلة للثورة السورية خاصة منهم فئة المخبرين والمهزومين، وتابع القول "كنا ندفعهم دفعًا كي يبقوا في صف الثورة، وكنا نبذل جهد كبير جدًا من أجل أن يبقوا في صفوف الثورة، وتحملنا آذاهم أكثر مما كنا نبذل جهد لإسقاط النظام الآن خروجهم شيء إيجابي، كأن خرج من حلقنا قطع من الزجاج وكومة من الأشواك".
ويؤكد كامل على أن النظام سوف يطبل ويزمر لهذه العودة ويعتبرها دعما له وسيستخدمها في الحرب النفسية التي يشنها على الشعب السوري، مستدركًا "لكن هذا لم يطول بالعكس، أعتقد أن هذه الحركة فيها خدمة كبيرة للشعب السوري لأنها تخلصه من هذه الجراثيم".
دور الحرب النفسية الروسية
كانت المفاجأة كبيرة على الناشط السوري "مهند مخزوم" عندما علم أن أحد رجال الثورة السورية الذي عرفهم عن قرب منذ بدأ بالمشاركة في المظاهرات السلمية، ثم انتقل إلى حمل السلاح وخاض معارك عاد إلى مناطق النظام خلال حصار مدينة حلب.
يقول مخزوم: "كان محل ثقة الجميع، وفقد إحدى ذراعيه خلال المعارك، لكن خان الثورة، والمفاجأة أن النظام بعد حوالي أسبوع أعدمه ميدانيًا".
ويضيف مخزوم أن الحرب النفسية التي شنتها روسيا والمتزامنة مع قصف مناطق المعارضة السورية بشتى أنواع الأسلحة وخاصة المحرمة دوليًا، كسرت المواطن السوري وأضعفته نفسيًا بشكل كبير، مما اضطر ضعاف النفوس للخروج خوفاً من الموت.
ويتابع "مخزوم" القول لـ"بلدي نيوز": "أصبحت الناس خائفة من المصير المبهم بشكل كبير، في ظل العيش في أوضاع صعبة فقد فيها الناس أساسيات الحياة بسبب قصف الروسي محالهم التجارية ومصادر أرزاقهم، حتى أن سعر رغيف الخبز وصل إلى 150 ليرة سورية بعد أن كان بـ 10 ليرات، وهذا سبب ضغط كبير على المواطن".
ويشير مخزوم إلى أن النظام استقبل هؤلاء لحاجته الماسة للعنصر البشري في القتال، وتابع القول "النظام جمع كل قادر على حمل السلاح ممن خانوا الثوار وزجهم في الجيش وفي اللجان الشعبية التشبيحية".