ما مصير أكراد سوريا بعد الاتفاق الروسي-التركي؟ - It's Over 9000!

ما مصير أكراد سوريا بعد الاتفاق الروسي-التركي؟

بلدي نيوز - (نيرمين العمر)
يترقب أكراد سوريا بحذر شديد مصيرهم بعد التطورات العدة التي شهدتها الساحة السياسية في سوريا، والتي كان أبرزها الاتفاق الروسي-التركي.
إذ يشكل هذا الاتفاق نكسة للأكراد، الذين لا تريد لهم تركيا حتى حضور مؤتمر أستانا القريب، بل تعمل على إقامة منطقة آمنة هدفها القضاء على قوتهم في الشمال السوري بمنع وصل شرقي الفرات بغربه.
ضربة أخرى تلقاها الأكراد من "حلفائهم" الأمريكيين، فالرئيس الجديد للبيت الأبيض دونالد ترامب ماض نحو تقارب مع تركيا وروسيا، ما سيأتي بحال أو بأخر على حلم إنشاء دولة قومية كردية في الشمال السوري.

تزايد التخوف التركي

تؤكد تركيا على أن الميليشيات الكردية الناشطة في سوريا عبارة عن أفرع لحركات إرهابية كردية في تركيا، فميليشيا "حزب الاتحاد الديمقراطي" بالنسبة لتركيا تنظيم إرهابي، يتفرع عن التنظيم الكردي التركي "حزب العمال الكردستاني" الذي تقاتله تركيا منذ عقود.
لذلك تعمل تركيا بكل ما أوتيت من قوة لمنع إقامة كيان مستقل للأكراد في شمالي سوريا، فهي تعتبره تهديداً استراتيجياَ سيقتطع جزء من تركيا لاحقًا، مما دفعها إلى التدخل عسكريًا في سوريا للحيلولة دون ربط الأكراد بين المنطقتين الواقعتين تحت سيطرتهم، وما كانت حملتها العسكرية "درع الفرات" التي بدأت في آب على طول الحدود مع سوريا إلا لذلك، فلم تقتصر أهداف الحملة على دعم المعارضة في طرد تنظيم "الدولة"، بل أيضًا لوقف توسع الميليشيات الكردية، فتركيا الآن تخوض حربًا مزدوجة ضد تنظيم "الدولة" وضد "حزب العمال الكردستاني".
مشروع انفصالي فاشل

يسعى الانفصاليون الأكراد "حزب الاتحاد الديمقراطي" امتداد "حزب العمال الكردستاني" لاقتطاع أجزاء من سوريا وتركيا، لكن تشير القراءات السياسية الحالية إلى أن الأوضاع على الأرض، تفرض عليهم خسارة الوسائل التي تدعم تحقيق مشروعهم لكيان مستقل، بداية بفقدانهم دعم الولايات المتحدة الأمريكية، ثم فقدان السيطرة على مناطقهم غير المتصلة جغرافيًا، بسبب "درع الفرات"، إلى بجانب غياب أي مقومات لإقامة دولة مستقلة كمصادر دخل أو ثروة، بل يوجد توقع شبه مؤكد لتوجه تركيا نحو بلدة منبج التي تخضع حالياً لسيطرة الوحدات الكردية بعد مدينة الباب.
وبينما كان الأكراد يأملون بأن يؤدي التقارب الروسي التركي إلى الضغط على تركيا، للتوصل إلى حل سياسي يخدم مصالحهم، لم يتطرق الاتفاق الأخير بين موسكو وأنقرة إلى وضع قوات "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وهو ما يعني أن اعتبار الحزب من قبل تركيا تنظيماً إرهابياً يتفرع عن "حزب العمال الكردستاني" التركي أدى إلى استبعاده من مؤتمر الأستانا.
وتذكر مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الرئيس التركي يدرك جيدًا أنه من أجل منع حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية من التأسيس لكيان انفصالي على طول الحدود التركية، فإنه يجب أن يعمل على منع الدعم الدولي عنهم، والمتمثل في الدعم الإيراني والروسي".
كما تطرقت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية إلى مصير الأكراد بعد الاتفاق الروسي التركي، وذكرت الصحيفة أنه بالرغم من أن الروس لم يعبروا صراحة عن تغيير في سياستهم تجاه الأكراد، إلا أن ذوبان الجليد في العلاقات مع تركيا سيكون أخبارًا سيئة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
يقول المحلل السياسي جميل عمار أن "الأكراد أصبحوا أشبه بالكرة في ملعب كرة قدم أمريكي، تارة تمسك أمريكا بالكرة و تجري بها و تارة تقذفها إلى شريك".
وتابع القول لبلدي نيوز "لن يحقق الأكراد في سوريا أي استقلالية لا الوضع الجغرافي ولا السياسي يسمح لهم بذلك، فكما تخلت عنهم أمريكا تتخلى عنهم روسيا اليوم، لأنها لا تريد أن تغضب الحلفاء ولا حتى النظام الذي هو ضد عملية انفصال الأكراد".
لا مكان للأكراد في "الأستانة"

واحدة من دلائل دفع الأكراد السوريين لثمن التعاون بين روسيا وتركيا هو استثناء حضورهم لمؤتمر أستانة عاصمة كازاخستان والمزمع عقده في أواخر كانون الثاني، وبدا القلق الكردي واضحاً، من أن تكون القمة الروسية التركية على حسابهم، خاصة أن روسيا سعت في السابق لمشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بمفاوضات أخرى في سويسرا.
وبينما يقضى مؤتمر أستانا حسب التوجه الروسي بقصف كلاً من تنظيم "الدولة" وجبهة فتح الشام، لن تتواني تركيا رفض تمثيل الاكراد في أستانا.
لذلك لم يُدعى الأكراد حتى الآن لحضور المؤتمر، ورجح استبعادهم من طاولة المفاوضات تلك، فحسب ما صرح المسؤول عن حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" (خالد عيسى) فإن "وحدات حماية الشعب الكردية وذراعها السياسية حزب الاتحاد الديمقراطي، لن يتم دعوتهما إلى محادثات السلام المقرر عقدها في أستانا"، مضيفًا "لم توجه إلينا الدعوة.. هذا أكيد.. لا الحزب ولا التشكيل العسكري سيحضر".
أمريكا تتخلى عن الأكراد

كان الدعم الأمريكي للأكراد يزيد من احتمال إنشاء دولة قومية كردية في الشمال السوري، فقد دعمت الولايات المتحدة الوجود الكردي على اعتبار أنه "مهم واستراتيجي".
لقد تغير الوضع حد شكوى الولايات المتحدة مؤخرًا من أن خلافها مع تركيا بشأن الأكراد يخلق فجوات تستغلها روسيا، والأهم الآن أن تقارب إدارة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" من تركيا خلافًا للرئيس المنتهية ولايته باراك اوباما، سيكون على حساب الأكراد، إذ يعد توافق أمريكا مع تركيا على قصف مناطق سيطرة الأكراد بعملية "درع الفرات"، مؤشراً خطير بالنسبة للأكراد، فقد طالبتهم الولايات المتحدة بالانسحاب إلى شرق نهر الفرات ودعمت العملية العسكرية التركية هناك، كما أن موقف الولايات المتحدة من المعارضة السورية التي تصفها بالمعتدلة بالسماح بقصفها في حلب يزيد من تخوف الأكراد من إمكانية ابتعاد واشنطن التدريجي عنهم كما فعلت مع المعارضة، فالولايات المتحدة لن تخرج عن الصف الدولي المتمثل في الموقف التركي والروسي بالنسبة تحجيم الدور الكردي، فهذا التحجيم قد يكون كالإنذار بأنه لا مكان للأكراد في المعادلة الإقليمية على المدى القريب.
وإذا ما استشهدنا بما يحدث في مدينة منبج، يمكنا القول أن الأمريكيين لم يفوا بوعدهم بمغادرة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مدينة منبح المفترض في آب الماضي، وهو ما يجعل تركيا مصرة على استعادة المدينة من الأكراد خاصة بعد تطوّر المعركة لاستعادة الباب من تنظيم "الدولة"، إذ يُرجح حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا والأكراد، والمزيد من التدخل من قبل روسيا كحكم بين أنقرة والأكراد.
ففي تقرير نشره مؤخرًا معهد واشنطن للدراسات فإن "مطالبة الأكراد بمغادرة منبج قد تنهي تحالفهم مع الولايات المتحدة - وهو احتمال مقلق نظرًا إلى قدرتهم المثبتة ضدّ تنظيم الدولة، والتي تجلّت مؤخرا في هجوم قوات سوريا الديمقراطية الناجح في إطار سعيها إلى السيطرة على سد الثورة، المفتاح للاستيلاء على الرقة".
من جانبه يرى المستشار في جمعية مريديان الاستراتيجية للأبحاث في أمريكا (خالد صفوري) أن "الولايات المتحدة ستتخلى عن الأكراد بعدما استخدمتهم في محاربة داعش في إطار محاولة استعادة العلاقات مع تركيا بعد تضررها في عهد باراك أوباما"، وتابع القول لسكاي نيوز عربية "على الرغم من إنفاق الولايات المتحدة 2.5 مليار دولار لدعم الأكراد عسكريا في سوريا، إلا أن استعادة العلاقات مع تركيا الحليف الاستراتيجي ستكون أهم من دعم الأكراد".

منطقة آمنة
استجد الحديث عن هذه المنطقة بعد الاتفاق الروسي التركي، إذ أن جغرافية المعارك دفعت بشكل سريع نحو إعادة صياغة جديدة ستكون على حساب خسارة الأكراد لحلمهم بإقامة كيان كردي مستقل، فقد منح الدور الروسي في المنطقة فرصة لتركيا من أجل تحقيق هذا المخطط وما يدلل على ذلك انضمام روسيا لمعركة "درع الفرات"، التي جاءت في إطار دعم موسكو لأنقرة في حربها ضد تنظيم "الدولة" في مدينة الباب، ووصل الأمر بدبلوماسي فرنسي رفض الكشف عن اسمه للقول أن : "هناك اتفاق تركي روسي وإيراني لتحطيم المشروع الكردي".
وتؤكد صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن روسيا وتركيا ربما تكونان قد توصلتا إلى اتفاق بإقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، وذلك مقابل تراجع تركيا عن جهودها للإطاحة ببشار الأسد، وتعزيز قبضته على المدن الرئيسية في جنوبي البلاد، ويوضح السفير الأمريكي السابق في أنقرة "جيمس جيفري" أن "التقارب التركي–الروسي يبدو تقارباً تكتيكياً إلى حد كبير، فروسيا يمكن أن تقبل بجيش تابع لتركيا في شمالي سوريا، على ألا يهدد سلطة الأسد، كما أن روسيا تسعى لتكون منافسةً لأمريكا في دعمها لتركيا، مقابل دعم أمريكا للأكراد، وتقدم روسيا حالياً الدعم الجوي للأتراك في حربهم على تنظيم الدولة، في حين لا تفعل أمريكا ذلك، ولا أعرف لماذا لا تفعل".

مصالح الدول تتضارب مع مشروع الأكراد الانفصالي

يقول الصحافي المهتم بالشأن التركي "عبو الحسو" أنه يمكن التمييز والفصل بين مشروعين أساسيين للأكراد، أولهما المشروع الانفصالي ويقوده حزب العمال الكردستاني PKk وجناحه السوري PYD حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم من الولايات المتحدة وفي بعض المراحل هو مدعوم من روسيا أيضًا، وكذلك مدعوم من قبل النظام، فسياسيًا هذا التيار هو اﻷقوى والمدعوم دوليًا لتنفيذ أجندات غير وطنية، حسب عبو.
أما المشروع الثاني وهو المشروع الوطني الذي يمثله كواجهة سياسية المجلس الوطني الكردي وبعض الأحزاب الكردية المنضوية تحته وكثير من المستقلين وهذا التيار تعرض للإقصاء والتصفية وأجبروا على النزوح والهجرة من قبل التيار اﻷول، يقول عبو "المشروع اﻷول اﻵن على مفترق طرق كونه يتعرض لضغط روسي وتركي وحتى من قبل النظام السوري وعملية درع الفرات المدعومة تركيا تمثل أكبر ضربة له وإفشال لمشروع كانتون كردي أو دويلة تمتد من الجزيرة إلى البحر مرورًا بعين العرب (كوباني) ومرورًا لجرابلس واعزاز وعفرين ووصولًا إلى البحر"، ويضيف عبو لبلدي نيوز "هذا المشروع قد ينتهي تمامًا وهذا ما سيحدده موقف اﻻدارة الأمريكية الجديدة من هذا المشروع بعد أن رفعت يدها عنهم فقد انهار تمامًا بعد فترة وجيزة وإن استمر الدعم سيعيش فترة أطول لكن بالنهاية مصالح الدول الإقليمية كلها تتضارب مع هذا المشروع الانفصالي".
ويوضح عبو أنه في حال أكملت عملية درع الفرات مهمتها بالسيطرة على الباب ومنبج، سيضعف المشروع اﻷول، وسيقوي أصحاب المشروع الثاني، المشروع الوطني السوري -الذي يطالب بحقوق متساوية لكل المكونات وضمن اﻻطار الدولة السورية الوطنية الواحدة مع منح اﻷقليات حقوق كاملة ومتساوية مع مراعاة خصوصية كل مكون- وهذا ما سيحدد مصير اﻷكراد ومستقبلهم بشكل حاسم موقف اإدارة الأمريكية القادمة والتي ما زالت تصريحاتها غير متناسقة وواضحة فيما يخص موقفها من القضية السورية ومن الدول الإقليمية النظام وإيران وروسيا وتركيا، حسب عبو.

مقالات ذات صلة

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

أردوغان: لدينا تواصل مستمر مع الإدارة الجديدة في سوريا

تجار هولنديون يبدون رغبتهم لتجديد تجارتهم في سوريا

قسد تقترح حلا لمدينة عين العرب شمال شرق حلب

مشروع خط غاز "قطر - تركيا" يعود إلى الواجهة من جديد

أزمة حادة في اليد العاملة بتركيا بعد عودة عدد كبير من العمال السوريين إلى بلدهم

//