أوباما والثورة السورية.. جردة حساب - It's Over 9000!

أوباما والثورة السورية.. جردة حساب

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

تعد الثورة السورية مفتاحا رئيسيا للصراع في منطقة الشرق الأوسط, حالت إدارة أوباما دون حسمه رغم سياستها وإيديولوجيتها وأفكارها التي واجهت بها ثورة الشعب السوري.
تناقش هذه الورقة سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما من ملف الثورة السورية التي اندلعت في العام 2011م ضد نظام الأسد الطائفي. وتستهل هذا النقاش باستعراض تحليلي لأبعاد إستراتيجية أوباما الذي سخر كل إمكانياته وخبراته ومخابراته ومساعيه الرامية لوأد الثورة السورية في مهدها. وتقف على أسباب اتخاذ إدارة أوباما مواقف متباينة من الثورة.

مقدمة:

ثمانية وستون شهرا مرت على اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد الطائفي, ومع استطالة وتمدد الصراع وما حققته فصائل الثورة من نتائج معتبرة إثر تحريرها مناطق مهمة. سارعت إدارة أوباما أمام هذا التحول المفاجىء بإمكانياتها للحيلولة دون نجاح الثورة السورية, وتحويل مسارها, وتغيير اتجاه الصراع في المنطقة, والعمل على تهميش الأكثرية السنية وتفضيل الأقلية العلوية الحاكمة بغية استمرار ربطها بأجندتها في المنطقة وذلك بالتغاضي عن جرائم نظام الأسد والاكتفاء بتدمير الأسلحة الكيماوية التي تشكل خطرا على إسرائيل، ومنحه فرصاً للقتل بطرق مختلفة كالبراميل المتفجرة المحملة بغاز الكلور القاتل, والعمل على تشويه الثورة من خلال ربطها بالإرهاب من جهة, كما تفاهمت مع روسيا وسهلت تدخلها العسكري المباشر إلى جانب نظام الأسد رغم التباين السياسي بينهما في قضايا دولية خارج الصراع في سوريا.
ويمكن إجمال موقف إدارة أوباما حيال الثورة السورية بالنقاط التالية:
أولا- تحويل مسار الثورة السورية:

عمدت إدارة الرئيس أوباما على تحويل مسار الثورة السورية من المطالبة بإسقاط نظام الأسد الاستبدادي، وإقامة دولة المواطنة والقانون والمساواة لكل السوريين دون تمييز, إلى حرب أهلية طائفية وعناوين أخرى مرتبطة بمحاربة الإرهاب، وإدخال الشعب السوري في حالة من الفوضى والاضطراب بغية إعادة إنتاج نظام الأسد وفق رؤية إدارة أوباما وسعيها الدبلوماسي الحثيث في الوصول إلى نتيجة مفادها استحالة الحسم العسكري لكل من طرفي الصراع في سوريا، ولذلك اتجهت إلى جنيف لإيجاد صيغة حل سياسي هو بمثابة ذر الرماد في العيون.
وعملت على جمع المعارضة مع نظام الأسد مع مواصلة الأخير أعمال القتل والتدمير والتهجير, وإصرار إدارة أوباما الإبقاء على قوات الأسد وجهازه الأمني الطائفي بذريعة الحفاظ على مؤسسات الدولة. مما أعطى  نظام الأسد فرصة أخرى لقتل وتدمير الشعب السوري الثائر، واكتفت إدارة أوباما بالإدانة الدبلوماسية. والإصرار على تغيير مسار الثورة بالتركيز على الحل السياسي, ورعت عدة مؤتمرات دولية باسم جنيف1, وجنيف2, وجنيف3, دون الوصول إلى نتائج ملموسة, وأطلقت يد روسيا في سوريا لممارسة كافة أشكال القتل والإبادة ضد الشعب السوري مع الإصرار على مفهوم  الحل السياسي في سوريا, وتجاوز مصطلح رحيل الأسد الذي كان عنوانا لبيانات إدارة أوباما.
ثانيا: تنصيب واجهة سياسية لا تمثل الثورة السورية:
أخطر ما أقدمت عليه إدارة أوباما, العبث ببنية الثورة السورية من خلال تشكيل جسم سياسي تحت مسميات وطنية (المجلس الوطني, ائتلاف قوى الثورة). وهم مجموعة أشخاص يتحدر غالبيتهم من انتماءات قومية ومذهبية وعشائرية ومناطقية, يفتقرون إلى الإخلاص للثورة والكفاءة الثقافية والسياسية لقيادتها, ولهم ولاءات متباينة لأميركا ولدول الخليج وبعضهم يوالي نظام الأسد, وعادوا إلى مناطق سيطرة الأسد مثل (ميس كريدي, وباسل كويفي عضو المجلس الوطني السابق وقحطان صليبي وخالد الناصر وباسل تقي الدين).
وأصرت إدارة أوباما على هذه الواجهة, ومن ثم عملت على إفشالها وإسقاطها شعبيا من خلال استشراء الفساد في جسد الائتلاف نتيجة انصراف غالبية الأعضاء إلى تحقيق مصالحهم الشخصية, وغايات الدول الإقليمية بعيدا عن المصلحة العليا للثورة السورية مما دفع أوباما للتصريح: "قضينا الكثير من الوقت ونحن نعمل مع المعارضة المعتدلة في سوريا, لكن لا يمكن لمزارعين وأطباء أسنان لم يسبق لهم أن حاربوا أن يتغلبوا على نظام الأسد والمجموعات الجهادية ".
ثالثا: تهميش الأكثرية الثائرة وتفضيل الأقلية الحاكمة:
تعتبر الأكثرية السورية هم العرب السنة ومعهم بعض الأقليات الرازحة منذ نصف قرن تحت ظلم واستبداد نظام الأسد الأقلوي. وعمدت إدارة أوباما إلى تهميش المكون العربي السني وذلك بإبعادهم عن مركز القرار والتأثير, والتركيز الإعلامي على التقسيم الطائفي والعرقي مع تجاهل جرائم نظام الأسد وميليشياته الطائفية, ودعم الوحدات الكردية المرتبطة بنظام الأسد من خلال التمهيد الجوي بغية السيطرة على أجزاء واسعة من الشمال والشرق السوري, وارتكاب جرائم حرب من قتل وتهجير بحق الأكثرية العربية في محافظتي الرقة والحسكة لأجل فرض حل سياسي يقوم على المحاصصة الطائفية السياسية ببعدها العرقي.
ولم تخف إدارة أوباما حمايتها للطائفة العلوية, حيث جاء ذلك على لسان روبرت فورد السفير الأميركي في سوريا الذي صرح لمجموعة من أعضاء الائتلاف السوري: "لا تتوقعوا أن الولايات المتحدة ستتخلى عن الطائفة العلوية, بل هي خط أحمر".
رابعا: صفقة الكيماوي والتغاضي عن ترسانة الكلور:
من أولى أهداف إدارة أوباما العمل على التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية, السلاح الرادع لإسرائيل النووية. وكانت الإدارة الأميركية قد فرضت عقوبات محددة على نظام الأسد في العام 2003م, لسعي الأخير امتلاك أسلحة الدمار الشامل, ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011م وجدت إدارة أوباما الفرصة سانحة لنزع هذا السلاح تحت بنود احتمال استخدامه ضد الشعب السوري, أو وقوعه تحت سيطرة ميليشيا حزب الله الشيعي أو المجموعات الإسلامية الجهادية. ولما استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة في 21 آب عام 2013م, صرح الرئيس أوباما: "أن كيماوي الأسد هو أسوأ هجوم بالأسلحة الكيماوية في القرن الحادي والعشرين". وحمل أوباما نظام الأسد مسؤولية هذا الهجوم , واعتبر ذلك اعتداء على كرامة الإنسان وخطرا على الأمن القومي الأميركي في حال امتلاك المجموعات الجهادية الإرهابية له مما يؤدي إلى إيذاء الشعب الأميركي. وقرر القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد, وأبلغ البنتاغون الاستعداد لشن ضربات في أي وقت.
لكن أوباما سرعان ما تراجع بعد أن فوض الكونغرس في اتخاذ قرار الحرب رغم صلاحياته بصفته القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة, فتدخلت موسكو مع واشنطن, وحلت القضية عبر مجلس الأمن الدولي وذلك بانضمام نظام الأسد إلى اتفاقية حظر إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدميرها, ورحبت الأمم المتحدة بذلك, وأصدر أوباما بيانا عن إنجازه جاء فيه: "إننا اليوم نحتفي بتحقيق انجاز مهم في جهودنا المتواصلة لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل وذلك بالقضاء على مخزون الأسلحة الكيماوية السورية". وتحول نظام الأسد إلى شريك في عملية نزع السلاح الكيماوي, وتغاضى أوباما عن استخدام الأسد للبراميل المتفجرة التي تحمل غاز الكلور القاتل للشعب السوري والذي لا يشكل تهديدا لإسرائيل.
خامسا- العمل مع إيران على تشويه الثورة وتغيير اتجاه الصراع في المنطقة :
عملت إدارة الرئيس أوباما بالتوافق مع إيران على تشويه الثورة السورية, وتغيير اتجاه الصراع ضد إسرائيل إلى صراع طائفي وحرب قومية (عربية, فارسية, كردية), وذلك بدعم إيران لفرض نفوذها على المنطقة ما دامت تنفذ الأجندات الأميركية، وإشعال المنطقة بصراعات يومية لضمان استقرار إسرائيل. وعملت إدارة أوباما على عدة محاور لتشويه الثورة السورية من خلال:
- ربط الإرهاب بالعرب السنة, وهم حوامل الإسلام التاريخي والعقدي والثقافي الحضاري.
- العمل على إيجاد عدو لاستمرار الصراع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي, وتربع الولايات المتحدة على المنصة العالمية, ووجدت ضالتها في الإسلام العربي السني.
-إعطاء تنظيم الدولة، بغلوه وإساءته وتشويهه للعرب السنة, وعدم محاربته لنظام الأسد، الفرصة لإدارة أوباما لتشويه الثورة السورية والعبث بها.
واستبقت الإدارة الأميركية كل ذلك بعملية غزو العراق عام 2003م, وإسقاط حكم الرئيس صدام حسين الذي شكل جدارا صلبا أمام المشروع الإيراني الطامع في المنطقة العربية, وقدمت دولة الملالي كل إمكانياتها لمشروع الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن, وأنهت صراعها مع إسرائيل من خلال ذراعها اللبناني ميليشيا حزب الله الذي أوجدته للضغط على إسرائيل مقابل القبول بها في المنطقة. 
وأسهمت إدارة أوباما في تنامي قوة إيران السياسية والعسكرية لابتزاز دول الخليج العربي, وتغاضت عن ميليشياتها وقوات الحرس الثوري التي دخلت إلى جانب نظام الأسد وارتكبت جرائم تخالف القانون الدولي من قتل وتهجير مع صمت الأمم المتحدة ومساندتها ضمنيا نظام الأسد. 
وبذلك اجتمعت الأذرع العسكرية الإيرانية لضرب الثورة السورية بحجة محاربة الإرهاب, ومع التدخل الروسي لم يعد هناك فصائل معتدلة, وتوافق الرئيس الأميركي أوباما ضمنيا مع تقييم روسيا في محاربة كل فصائل الثورة السورية وذلك بالسكوت عن كل الجرائم التي يقوم بها الروس ضد الشعب السوري الثائر.
خلاصة:
فاجأت الثورة السورية باندلاعها الولايات المتحدة, فشجعت إدارة أوباما نظام الأسد على ارتكاب المجازر ضد الشعب السوري الثائر, ومهدت له الطريق بتسهيل بروز تنظيم "الدولة" كمبرر للقضاء على الثورة, وتمكين نظام الأسد الطائفي من إعادة إنتاج نفسه, وتحويل الثورة إلى حرب أهلية, ووصف الثوار بالمتمردين, وتهميش الأكثرية السنية, وربط الأقليات بالولايات المتحدة لتحقيق أجنداتها, ونزع السلاح الكيماوي الرادع لإسرائيل مقابل بقاء الأسد في السلطة, وتحويل الصراع إلى سني- شيعي, واتهام عموم العرب السنة بالإرهاب بذريعة تنظيم "الدولة", وتمكين قلة من السوريين لإفشال الثورة.
ومع كل ما تقدم تبقى إرادة الشعب السوري الثائر أقوى من الإستراتيجية الأميركية, حيث لا تزال الفرصة سانحة لاتحاد فصائل الثورة في جسد واحد ومكتب مالي مشترك, وقيام النخبة الثائرة بفضح أساليب السياسة الأميركية, والعدوان الذي تشنه روسيا منعا لقيام دولة ديمقراطية لكل السوريين على أسس القانون والعدالة والمساواة.

مقالات ذات صلة

فياض"الحشد الشعبي لن يتدخل في شأن الشعب السوري، لكن العراق وسورية بمساحة أمنية واحدة"

تحديد موعد تشغيل مطار دمشق الدولي

حسين سلامي"لم يعد لإيران أي وجود عسكري حالياً في سوريا"

حكومة "الإنقاذ" تتسلم مقاليد إدارة الدولة لمدة ثلاثة أشهر

سيناتور أمريكي لفصائل المعارضة "فليكن الله معهم، ولسوريا الحرية"

تنسجم مع طروحات النظام.. "منصة موسكو" تصيغ رؤية للحل في سوريا

//