روسيا والخطر المحدق: من هو المسؤول؟ - It's Over 9000!

روسيا والخطر المحدق: من هو المسؤول؟

أتلانتيك كانسل –(ترجمة بلدي نيوز)

إن أولئك الذين ينادون باتخاذ تدابير عسكرية متواضعة لوقف أو على الأقل إبطاء القتل الجماعي للمدنيين السوريين من قبل روسيا وعميلها نظام الأسد، ينبغي عليهم مواجهة السؤال الذي غالباً ما يُطرحُ عليهم: "هل أنتم على استعداد للمخاطرة باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة"، لأهمية الدفاع عن المدنيين والأمن العالمي لكلا الأسباب الإنسانية والسياسة فإن الإجابة ستكون بالطبع، "لا".

وحتى لو كان احتمال اندلاع حرب عالمية هو احتمال بعيد، على أي حال من الأحوال فلربما يصل أي توتر ما بين القوات المسلحة بالقوى النووية لاضطراب كبير، ولكن ماذا عن أولئك الذين يستخدمون حيلة الحرب العالمية الثالثة للمجادلة في وجوب استمرار السلبية الأمريكية في مواجهة تحدي الفظائع التي لا توصف والمُنَفَّذةُ من قبل أولئك الذين يعتمدون على الحصانة التامة من أي عقاب؟ هل هم غير مسؤولين عن أي شيء يتعلق بالمخاطر؟ إذا ما استنتج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أساس السلوك الأمريكي في سوريا، بأن العم سام ليس سوى حلّة فارغة، على استعداد دائم للحديث عن كل شيء ولكنها لن تقف لدعم أي من مواقفها، فهل ستكون النتائج خالية من المخاطر في كل من سوريا والعالم بأجمع؟

إذا كان هناك درس من الفوضى في سورية للسنوات الخمس الماضية ... هو أن ما يحدث في سوريا لن يبقى في سوريا، وحتى لو كان الأمر كذلك كما كان يأمل كبار مسؤولي إدارة أوباما، فإن السلبية الأمريكية في مواجهة القتل الجماعي ستظل تثير المزيد من الأسئلة والاعتراضات، سواء على الجانب الأخلاقي أو السياسي، كما أن لا شيء من هذا الرجس قد تمّ احتواؤه داخل سوريا، بالإضافة إلى أن الأسرة الحاكمة وحاشيتها المتمكّنين قد تم الحفاظ عليهم حتى الآن من قبل روسيا وإيران.

وبالنظر إلى تلك التصرفات، فقد اكتظّ جيران سوريا (بما في ذلك حلفاء الناتو) باللاجئين مما زاد من تحدّياتهم الاقتصادية، إن الأوروبيين الغربيين حلفاء الولايات المتحدة قد شعروا بأن أزمة المهاجرين دُعِمَت من قبل فظائع نظام الأسد لتقويض وحدتهم وهزّ سياساتهم، الأمر الذي يسر موسكو بشكل واضح، في حين أن الخط المباشر ما بين النزيف البشري المتواصل في سوريا وتصويت المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي جعل من سرور موسكو يظهر بشكل أوضح، ومع ذلك فإن هناك شيئاً أكثر تهديداً للعالم ما وراء سوريا: الدروس التي تعلمها فلاديمير بوتين من سوريا ليقوم بتطبيقها في أماكن أخرى.

فما الذي شهده بوتين بعد كل شيء من سياق هذه الأزمة؟ لقد رأى أن بوتين دعوة الرئيس الأمريكي للأسد بالتنحي ومن ثم عدم فعل أي شيء حتى تهميش العائلة الحاكمة في سورية وحاشيتها المجرمة، لقد شهد "خطاً أحمر" مرسوماً ببلاغة، ينذر بالعواقب الوخيمة إذا ما تمّ استخدام الحرب الكيميائية، ولكنه رأى خطاً قد مُحي تكراراً مع عشرات الهجمات الكيميائية لنظام الأسد، والتي تم تجاهلها حتى تم ارتكاب الهجمة الأكبر التي أدّت لمقتل أكثر من 1400 شخص.

ومن ثم شهد في أعقاب ذلك محو ذلك الخط الرئاسي، بإلغاء الوعد بشكل مفاجئ بشن ضربات عسكرية ضد نظام الأسد القاتل، وذلك دون الرجوع إلى كبار مسؤولي وزارة الدفاع والسياسة الخارجية الأميركية ودون أي سابق إنذار على الإطلاق للحلفاء، بل استشهد أوباما بأن إلغاءه وعدم تنفيذه لخطّه الأحمر كان لحظة مدعاة للفخر بالنسبة له، ويمكن للمرء الآن أن يتخيل ما كان فلاديمير بوتين يراه ويفكر فيه حينها.

فما الذي سمعه بوتين ورآه حتى الآن، وذلك بعد أكثر من عام من تدخله العسكري في سوريا؟ لقد حذّر نظيره الأمريكي من أنه قد دخل في خضمّ مستنقع، ذلك الرئيس الروسي المصاب بجنون العظمة والذي يشرف على حملة عسكرية متقطعة من نوع ما ضد تنظيم الدولة في شرق سوريا لخدمة مصالحه الذاتية، في حين تقوم طائراته بترويع المدنيين المناهضين للأسد بقصف مدنهم ومنازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم، وحتى قافلة إغاثة الأمم المتحدة التي سعت لإطعامِهم، إن بوتين يلتقي وزير الخارجية الأمريكي الخالي الوفاض والذي يتوسل إليه أن يشفق ويحارب القاعدة بدلاً من ذلك، راجياً منه إلزام عميله على التصرف كما طلب منه الرئيس أوباما منذ أكثر من خمس سنوات: التنحّي.
وبالنظر إلى ما يراه بوتين الآن ويشهده، فهل من غير المعقول الافتراض بأنه قد وصل لاستِنتاجات بأن الولايات المتحدة قد تتجاوز سوريا؟ فعندما غزت روسيا أوكرانيا وضمّت شبه جزيرة القرم في أوائل عام 2014، هل كانت حلقة "الخط الأحمر" للصّيف المنصرم إرشادية بما فيه الكفاية؟ في حين أن الطائرات العسكرية الروسية كانت تخترق المجال الجوي للناتو، وهل بتنا الآن نودّع الماضي لنؤكّد لأنفسنا بأن الأداء الأميركي والأوروبي في سوريا قام بتشجيع وتنشيط الجرأة الروسية؟

وبينما يلعب الكرملين ألعاب الحرب الإلكترونية داخل النظام السياسي الأمريكي، أليس هنالِك تلميح واضح من الازدراء والحصانة الكاملة؟ هل كان هناك أي شيء ما حول أداء الولايات المتحدة في سوريا من شأنه أن يجعل بوتين يتوقف ولو قليلاً عن تهوره؟ فعندما قامت قوات بوتين الجوية عمداً بضربِ وحدة ثوار سورية مدربة ومُجهّزة من قبل الولايات المتحدة، هل لاقى سوى كلام الاحتجاج الخَجِل؟ هل لدى بوتين أي سبب للاعتقاد بأنه كان يتصرف بتهور في أي مكان؟

إن فلاديمير بوتين الانتهازيّ يحاول أن يخلق انطباعاً سياسياً بأن روسيا قد عادت مجدداً كقوة عسكرية عظمى، كذلك فإن هنالك خطر من أنه يمكن أن يذهب بذلك الأمر بعيداً جداً، فلعله يفكّر بأن العم سام ليس سوى حِلّة فارغة، إن اكتشاف خطئه ذلك يمكن أن يكون أمراً مكلفاً، وليس فقط بالنسبة إليه، إن سوء تقدير الكرملين المشابه منذ نصف قرن تقريباً أدّى إلى إدخال السوفييت لصواريخ إلى كوبا والأزمة النووية المرعبة، حينها لم تبدو القيود البيروقراطية على الرئيس الروسي المُقامر قد تم استخدامها الآن، وإذا ما قرر بوتين اللعب بالنار، والتفكير ملياً بتنفيذ الأمر وفقاً لحساباته الشخصية حول واشنطن، فمن الذي سيقوم بعرقَلته في الكرملين؟

بالنسبة للشعب السوري، لجيران سوريا، لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وبالنسبة لإدارة أوباما، فقد كانت سوريا معضلة منبعثة من الجحيم، نعم إن الرئيس أوباما يريد حقاَ للأسد أن يتنحى، نعم إن أوباما اعتقدَ بإخلاص بأن تحذيراً شفهياً سيكون كافياً لمنع هجمات كيميائية، نعم هو ووزير خارجيته اعتَقدا حقاً وكانا على حقّ، بأن بشار الأسد هو في الواقع حليف قوي وأحد المُجنّدين والمخترعين لتنظيم الدولة، وذلك من خلال الاستناد على استراتيجيته السياسية في البقاء، وتنفيذ العقاب الجماعي والقتل الجماعي لكل من عارضه، ذلك الأسد عديم الشرعية نفسه الذي قام بجعل أجزاء كبيرة من سوريا آمنة لتنظيم الدولة وعصابات إجرامية أخرى.

ومع ذلك فلا يزال: بوتين والزّعيم الإيراني الأعلى، لأسباب منفصلة ولكنها متوافقة قد أرادا إبقاء الأسد في السلطة أكثر بكثير من رغبة إدارة أوباما في تنحّيه، بل كانت كلّ من روسيا وإيران على استعداد تام للقيام بالأعباء الثقيلة في سوريا على الرغم من عدم كفاءة عمِيلهما وعلاقته التكافلية مع تنظيم الدولة، فبالنسبةِ إليهما وعلى الرغم من كل سلبيات الأسد، فإنه يخدم المصالح المحلية لبوتين في إبراز عودة روسية الكبرى، كما أنه يخدم مصالح إيران الإقليمية من خلال إخضاع جزء من سوريا إلى عميل طهران في لبنان (حزب الله).

ولا يوجد أي شيء في سوريا أكثر تدميراً وفساداً من عائلة الأسد وحاشِيتها، وعلى الرغم من ذلك فقد أنفقت الولايات المتحدة وقتاً طويلاً على مدى السنوات الخمس الماضية في بناء جبال من البلاغة الخطابيّة والقيام بسياسات بهلوانية في حين اشتكت من عدم كماليّة المعارضة السورية، وسعي شركائها وحلفائها نحو أجنداتهم الخاصة، في ظل غياب القيادة الأميركية.

إن الحجم الهائل من البلاغة الخطابيّة عن عدم جواز ارتكاب جرائم القتل الجماعي، والمطالبات بالمساءلة والعدالة، قد تقنع أولئك الذين يحركون شفاههم فقط، ولكن ذلك الإسهاب لن يكون فعالاً حينما لا يُرافق بالتنفيذ، ففي حين تعلن واشنطن بأن ما يحصل في سوريا أمرٌ وخيم، تقف جانباً حتى يقوم الأسد ومُمكّنيه بصنع كل الفظائع بالسّوريين، والدول المجاورة لسوريا، والمصالح الغربية، وضمير الإنسانية أجمع، وبينما تقوم روسيا والنظام وإيران يخلقون وقائع عسكرية على الأرض بإرهاب الأطفال وذويهم، فإن قادة الغرب يخطبون على نحو مشين وأجوف عن عدم وجود أي حلّ عسكري في سوريا: تلك الزلة غير الإنسانية التي تأذن لهم بعدم القيام بأي شيء في حين يموت مئات آلاف المدنيين.

إن أياً من تلك الأمور لم تحصل دون أن يلاحظها فلاديمير بوتين، ويأمل المرء ويصلّي أن يرى بوتين سوريا كما تفعل إدارة أوباما: تلك الظاهرة الفريدة من نوعها، مقيّدة الأيدي، وإيمانها بأن كل ما ستَفعله سيكون خاطئاً تماماً وسيؤدي إلى عواقب وخيمة، والتي ترى وجوب أن يكون احترام روسيا مبدأً أساسياً من مبادئ السياسة الخارجية الأميركية، أخشى أن تلك السياسة المتّبعة هي الأسوأ إطلاقاً، تتوجّب المعاملة بالمثل، بالنسبة لرجل ساخر، انتهازي وخطر مثل بوتين في الكرملين.

إن أولئك الأمريكيين الذين يتوسّلون لهذه الإدارة، في أيام احتضارها الأخيرة، لإنهاء ذلك الاستغلال الذي يقوم به القتلة الجماعيين في سوريا، على حد سواء لحماية المدنيين الأبرياء وإعادة إحياء احتمال التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، لا يمكننا أن ندّعي بأن الوجود الروسي لم يغير من شيء، في حين أن القيام بإجراءات معينة ضد نظام الأسد قد يتسبب ببعضِ الأضرار، كما أننا لا نستبعد مخاطر التصعيد، وحتى في سياق التفوق العسكري الأمريكي الساحق.

وإذا ما منح الرئيس أوباما الثوار السوريين الذين عملنا معهم بفعالية أسلحة مضادة للطائرات، أو إذا ما قام بضرب قواعد طائرات النظام بصواريخ كروز، لا نستطيع أن نفترض بأن روسيا استناداً على ما شهدته على مدى السنوات الخمس الماضية، لن تستجيب أو تقوم بالتصعيد على أمل أن واشنطن ستقومُ بثنيها عن ذلك، بسرعة وبشكل غير رسمي، في الواقع فإن هذا التوقع مزروع بشكل منهجيّ في أعماق نفس بوتين، والذي يمكن أن يشكل أكبر خطر للتصعيد على الجميع.

ولكن أولئك الذين قاموا -ولو بغير قصد وبأطيبِ النّوايا- بنقل رسائل الضعف الأمريكي، والارتِباك، والشكّ لأمثال فلاديمير بوتين، يتحمّلون أيضاً مسؤولية التوضيح، لقد تركوا الملايين من المدنيين السوريين عُزّلاً أمام أشرس عدوان عليهم، في حين قد وضعوا مصداقية وسمعة الولايات المتحدة في خطر شديد عن طريق سياساتِهم المتّبعة، إن عليهم الإجابة على الكثير من الأمور، لكن وقبل كل شيء: الشرح لمواطنيهم كيف كانوا باتّباعهم لسياساتِهم تلك يعرّضون الأمن العالمي للخطر من خلال انضمامهم للقتلة الجماعيين في سوريا وبتشجيع السيد بوتين للاعتقاد بأنه يواجه حلّة أمريكية فارغة، وعند القيام بذلك يتوجب عليهم: عدم محاولة إرفاق شبح الحرب العالمية الثالثة في خطابهم لأولئك الذين حثّوا، في السياق السوري ومنذ أكثرِ من خمس سنوات، إلى توافق الكلمة مع الفعل.

-فريدريك سي هوف: مدير المجلس الأطلسي في مركز رفيق الحريري لمنطقة الشرق الأوسط والمتخصص بالشأن السوري.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//