بلدي نيوز – (نور مارتيني)
تغير شكل العالم العربي كثيراً ما بعد الحرب على العراق 2003، حيث بدأ طرح المفاهيم التي كان مسكوتاً عنها، كالانتماءات الطائفية، والفروقات بينها، خاصة في ظل الانفتاح التكنولوجي الناجم عن تطور وسائل الاتصالات الحديثة، وتركها متاحة للعامة.
فمرحلة ما بعد الحرب، أبرزت وجهاً جديداً للعراق، فيه منطقة شيعية، لم تعد تنسب للعراق أصلاً، وأخرى في وسط العراق، تعيش حالة تناحر وصراعات طائفية، وثالثة في الشمال، باتت تعرف بكردستان العراق؛ هذه المرحلة التي تلقفها العالم، وضخم هالتها إعلامياً لتنشر فيما بعد مفاهيم جديدة وتأويلات للمذاهب الدينية، غير تلك التي كانت مطروحة، وتناول الجوانب المسكوت عنها في هذه المذاهب، ما أفرز حالة طائفية اجتاحت المجتمعات العربية، عززتها حرب تموز 2006، التي أظهرت "حسن نصر الله" ومن خلفه "إيران" بمظهر المخلّص ومنحته التفويض بصفته قائداً للمرحلة، ما أعطاه الفرصة ليفرض كلمته على الشارع اللبناني، بعد أحداث أيار 2008، ويتمكن من التحكم بمفاصل الحياة السياسية في لبنان، فيما كان النظام السوري يسير في ركابه، بعد أن كان سابقاً يمثل غطاء سياسياً له، والسبب الأساسي بالطبع يعود إلى التبعية المطلقة لولاية الفقيه في إيران، والتي هي معقل مشروع الهلال الشيعي الذي لطالما طمحت إيران إلى تحقيقه.
لقد كرّست إيران خطاباً إعلامياً يعمل على اللعب على وتر المقاومة، والمشاعر القومية، مع بعض الدلالات الدينية، من خلال قنوات البث الفضائي، بما فيها الموجهة لأطفال، كما أنها أولت اهتماماً خاصاً للسينما في تسويق توجهاتها، التي هي عبارة عن مآرب سياسية، ترتدي لبوساً دينياً.
يأتي فيلم "الحارس" الذي يتناول حياة قائد الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني"، كخطوة متقدمة في هذا المشروع، ليوصل رسالة إيران الطائفية، فيما يتجلى بحجم النفوذ الإيراني، من خلال خارطة المدن التي سيعرض فيها الفيلم، خاصة بعد أن قامت إيران بإنتاج أعمال سينمائية وإشكالية، كتجسيد شخصيات الأنبياء على سبيل المثال، والتدخل في عرض فيلم سينمائي حول شخصية الحسين بن علي، سبط رسول الله.
حول رؤيته الفنية وقراءته السياسية، يرى الناقد الفني والصحفي السوري "محمد منصور" أن هنالك عدة شواهد تدلل على تبعية النظام المصري لإيران، من منطلق أن "منع تجسيد شخصية الحسين بن علي من قبل الازهر، كان اتقاء لغضب الشيعة العرب، فقد سبق للأزهر والمجلس الشيعي الأعلى أن منع مصطفى العقاد، في فيلم (الرسالة)، من إظهار علي بن أبي طالب واكتفى العقاد وقتها بإظهار سيفه في المعارك فقط."
ويرى "منصور" أن موافقة الأزهر على عرض الفيلم الإيراني الذي يظهر الحسين رضي الله عنه وقتها "لأنه يتعامل مع إيران باعتبارها ناطقا باسم الشيعة، فإذا وافقت إيران وبادرت بإظهاره فلن نكون ملكيين أكثر من الملك." لافتاً إلى أن "هذا يؤكد ان مرجعية الازهر باتت سياسية وليست دينية. فهو يعطي إيران الحق الحصري بآل البيت، وكأن السنة الذين يتبعون سنة جد الحسين صلى الله عليه وسلم غير مهتمين بآل البيت!!!!! "
ويرى "منصور" بخصوص فيلم الحارس أنه "يمكن القول إن عرض الفيلم بهذا الشكل هو رسالة سياسية وهي رسالة سيئة جداً، ليس بالنسبة لحالة المكايدات السياسية التي دخل فيها نظام السيسي وحسب، بل بالنسبة لمستقبل وعروبة مصر، مع كل أسف".
وحول المقولة المراد توجيهها من خلال الفيلم، يوضح الناقد الفني والصحفي "محمد منصور" أن "الفيلم أساساً هو محاولة لتسويق شخص قاسم سليماني، باعتباره يمثل الأسطورة المخابراتية والعسكرية الإيرانية التي تمد أذرعها في سوريه والعراق ولبنان. وهذه سابقة في السينما الإيرانية، التي لم يسبق لها أن سوقت خامنئي نفسه. لكن سليماني باعتقادي يمثل الحلم الفارسي باستعادة الإمبراطورية الفارسية عبر التدخل والهيمنة الخارجية.. وهو يتخذ في الفيلم بعداً وظيفياً أكثر منه شخصياً".
شواهد كثيرة تدلل على تحدي إيران للشعوب العربية، وإماطة اللثام عن الوجه الكالح لمشروعها الطائفي الذي بدأ من تزوير كلمة الرئيس المصري السابق "محمد مرسي" في مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران، ولن تنتهي بالباصات الخضر التي تنتظر تهجير المكون السني من عاصمة الأمويين وضواحيها، وما فيلم "الحارس" الذي يتناول شخصية "سليماني" إلا بمثابة الإنذار بإعلان بدء ساعة الصفر.