بلدي نيوز - (متابعات)
وسط الفوضى ودمار الحرب التي تزداد دموية في سوريا، يتوغل رجال الإنقاذ، أصحاب الخوذ البيض، إلى أماكن لا يجرؤ كثيرون على وطئها.
ومن هؤلاء عمار السلمو الذي لم يعد يهتم بتحديد هوية جثث القتلى الذين ينتشلهم من تحت أنقاض مدينة حلب، لأن العدد ببساطة أكثر من أن يحصى، ولذلك يعطى الموتى أرقماً بدلاً من الأسماء ويدفنون في خنادق بمنتزهات المدينة، وغالباً ما يوضع عشرة أشخاص في القبر الواحد.
وذكرت مجلة إيكونومست أن السلمو، وهو يبحث عن أحياء وسط الحديد الملتوي والأعمدة الخرسانية للمباني المدمرة من الغارات الجوية، يجد أحيانا يد طفل مقطوعة، ويتساءل بعد أن يخلو بنفسه بعض الوقت في المساء لمن هذه اليد وأي أسرة فقدت ابنها أو ابنتها ذاك اليوم؟، حسب موقع الجزيرة نت.
ويقول السلمو (32 عاما) "أسوأ شيء في عملي هذا هو مشاهدة الناس وهم يموتون في سيارات الإسعاف. ولا يفعلون شيئا سوى الإمساك بيدي والتعلق بي، وفي أنفاسهم الأخيرة يجذبونني من شعري، أو من قميصي كما لو أن ما يفعلونه سينقذهم من الموت".
والسلمو، كان مدرسا قبل الحرب، يترأس الآن وحدة الدفاع المدني السوري في المنطقة التي تقع تحت سيطرة الثوار، وفريقه من المتطوعين هم أول المستجيبين لنداء الواجب عندما تسوي القنابل المباني بالأرض وعندها يهرعون داخل سحب الأتربة البيضاء الكثيفة بحثا عن أحياء تحت الأنقاض.
وأشارت المجلة إلى أن فريق الدفاع المدني السوري نما من متطوعين غير مدربين إلى قوة بحث وإنقاذ هائلة أنقذت أكثر من 60 ألف شخص منذ عام 2014، حتى إنها رشحت لجائزة نوبل للسلام هذا العام.
بدوره، قال عبده البطار، وهو عامل إنقاذ آخر في حلب، "الشعور بمساعدة الناس لا يمكن وصفه بكلمات... فعندما ترى طفلا أو شيخا لا يزال حيا تحت الحطام وينظر في عينيك نظرة أمل لتساعده، هذا الشعور لا يضاهيه شيء".
وألمحت إيكونومست إلى أن نجاح "الخوذ البيض" أثار غضب نظام الأسد الذي حاول مرارا وتكرارا تبرير قصفه لمناطق المدنيين بوصمه الناجين هناك بـ"الإرهابيين"، ومن ثم دمرت الغارات السورية والروسية ثلاثة مراكز من الأربعة التابعة لوحدة الإنقاذ في شرق حلب في يوم واحد عقب انهيار وقف إطلاق النار في 9 أيلول/سبتمبر الماضي.
وأضافت أن الكثيرين يرون في أصحاب الخوذ البيض حلا طويل الأمد لدمار البلد، حيث إنهم قوة مدنية مدربة جيدا وذائعة الصيت ويمكن أن يتوسعوا بسرعة لإعادة بناء البلد بمجرد أن تضع الحرب أوزارها.
ويعلّق السلمو بقوله "قبل الحرب كنت أكره الجنائز ومنظر الدم، لكني أشعر الآن أني مخدر وأصبح قلبي قاسياً، فقد أصبح القتل والمذابح أمرا عاديا وأصبحنا جميعا مرضى وبحاجة لمصحة. وعندما تنتهي هذه الحرب سأعود لبيتي وأنام أبد الدهر".
يذكر أنه يبلغ عدد عناصر الدفاع المدني نحو ثلاثة آلاف متطوع وناشط في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سوريا، وبدأت المنظمة العمل في عام 2013، ومنذ عام 2014 بات متطوعو المنظمة يعرفون باسم "الخوذ البيضاء"، نسبة إلى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم. وفي العام 2016، انضمت 78 متطوعة -بعد تلقيهن تدريبات في الرعاية الطبية وعمليات البحث والإنقاذ الخفيفة- إلى الدفاع المدني السوري.
وبعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية ، بات للمجموعة 120 مركزا تتوزع على ثماني محافظات سورية، وتحديدا في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة والمقاتلة.
وتتلقى المنظمة تمويلا من عدد من الحكومات بينها بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة، كما تصلها تبرعات فردية لشراء المعدات والتجهيزات وبينها الخوذ البيضاء التي تبلغ كلفة كل واحدة منها حوالي 145 دولارا.
أما شعار الخوذ البيضاء فهو "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، المقتبس من قول الله تعالى في القرآن الكريم: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".